ملفات وتقارير

هكذا تخدع الحكومة المصريين في تمويل العاصمة الجديدة

الحكومة قالت إن تكلفة العاصمة الجديدة خارج إطار الموازنة العامة- اليوم السابع

أكد اقتصاديون وسياسيون أن وزير المالية المصري يخدع المصريين بتصريحاته عن تكلفة مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة، وأنها خارج الموازنة العامة للدولة، معتبرين أن هذه التصريحات تضع الحكومة أمام مسؤولية جنائية وسياسية، لإدارتها أعمالا اقتصادية خارج موازنة الدولة الرسمية.

ويشير الخبراء الذين تحدثوا مع "عربي21" إلى أن تصريحات الوزير ومن قبله رئيس الإنقلاب عبد الفتاح السيسي، بأن تكلفة العاصمة لم تكلف الدولة شيئا، ليس لها نظير في النظم الاقتصادية، خاصة وأن الشركة التي تدير العاصمة، تتبع الحكومة المصرية، بنسبة شراكة 49% لهيئة المجتمعات العمرانية التابعة لوزارة الإسكان، و51% لصالح جهاز مشروعات الخدمة العامة التابع للقوات المسلحة، وكلتا الهيئتان حكوميتان وتخضعان للنظم المحاسبية المصرية.

وكان وزير المالية المصري محمد معيط أثار جدلا واسعا بتصريحاته التي أطلقها السبت الماضي، خلال كلمته بالندوة السنوية للمؤسسة الروتارية بمصر، وأعلن فيها أن العاصمة الإدارية يتم تمويلها ذاتيًا عبر سياسة يشرف عليها السيسي، من خلال إيجاد قيمة اقتصادية للأرض المقام عليها المدينة وتحويلها مصدرا للتمويل.

وأوضح معيط أنه يتم استخدام القيمة الاقتصادية الناتجة من بيع الأراضي للمستثمرين في تمويل عمليات الإنشاء وسداد مستحقات المقاولين والعمال، وأن هذا النظام سيتم تطبيقه في 13 مدينة جديدة تعمل الحكومة على إنشائها.

وفي تعليقه لـ "عربي21" يؤكد الخبير الاقصادي المصري السابق بالأمم المتحدة ابراهيم نوار، أن وزير المالية مضطرب جدا هذه الأيام، بدليل تصريحاته الاخيرة، لأن مبدأ وحدة مالية الدولة لا يتجزأ، فهي ليست اقطاعا خاصا، أو تكية، يتم التصرف فيها بحرية، وإنما هي ميزانية منظمة يصدر بها قانون كل عام.

ويضيف نوار أن الحكومة أعلنت أن العاصمة الإدارية مشروع قومي، وطالما أنها مشروع قومي فإنه يجب أن تخضع لمعايير الموازنة العامة للدولة، في ظل أن مشروعاتها تقام على أراضي مملوكة للدولة، وليست على أرض دولة أجنبية، وبالتالي فإن كل ما يتعلق بإدارة هذه الأراضي والتصرفات القانونية فيها يجب أن يدخل العائد الناتج عنه لخزانة الدولة، وموارد الميزانية، وأن يخضع لنظام محدد محاسبيا تتوفر فيه خصاص الشفافية والمساءلة.

 

اقرأ أيضا: هل يكشف هروب "نوفاذ" مستقبل عاصمة السيسي الغامض؟

ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن تصريحات الوزير باستخدام الأرض كمصدر للتمويل خارج الميزانية، تمثل اعترافا منه بمخالفة القانون، وهو بذلك يدين نفسه بنفسه، لأن العاصمة الإدارية الجديدة، سوف تصبح المقر الإداري الجديد لمؤسسات الدولة بما في ذلك مجلس النواب والوزارات الحكومية والبنوك المملوكة للدولة وغيرها. متسائلا: "إذا كان الأمر كذلك، فهل ستكون المنشآت في العاصمة الإدارية مملوكة للدولة، أم ستكون مملوكة لشركات خاصة، تقوم بتحصيل إيجارات لنفسها من الأجهزة والمؤسسات الحكومية باعتبارها الطرف المستأجر؟".


ويوضح نوار أنه سواء كانت المنشآت مملوكة للدولة أم لشركات خاصة، فإن من سيشغل هذه المنشأت هي أجهزة ومؤسسات حكومية، وهو ما يمثل مبررا كافيا بأن تكون هذه الأصول العقارية مملوكة للدولة.


ودعا نوار الحكومة بالرد على عدة تساؤلات عن القروض والتسهيلات الائتمانية التى تعاقدت عليها مصر لإنشاء بعض المرافق الأساسية التي تخدم العاصمة الإدارية مثل مشروع القطار الكهربائي الذي سوف تموله الصين، وهل سيتم سداد أقساط وفوائد هذه التسهيلات عن طريق البنك المركزي المصري أم عن طريق أجهزة مالية تضع على رأسها طاقية الإخفاد مثلا؟ وهل الدولة تضمن هذه القروض أم أن أطرافا أخرى تضمن على سبيل المثال القرض الصيني لتمويل مشروع القطار الكهربائي للعاصمة الإدارية؟".


ويضيف الباحث السياسي أسامة أمجد لـ "عربي21" أن تصريحات الوزير لها بعد سياسي أكثر منه اقتصادي، فهو يريد أن يرسخ فكرة أن الإنجاز خاص بالسيسي، وأن الإنجاز حققته القوات المسلحة، وبالتالي فإن العاصمة الجديدة ليست ملكا للدولة وإنما ملكا للقوات المسلحة، في إطار ترسيخ مبدأ أن القوات المسلحة أصبحت دولة فوق الدولة، ولا تخضع لنظام وقواعد الدولة المحاسبية والرقابية.


ويؤكد أمجد أن هذه التصريحات، تأتي كذلك كمحاولة لتهدئة وامتصاص الغضب الجماهيري، حيث يري الشعب اهتمام الحكومة المتزايد ببناء أعلي الأبراج وناطحات السحابات، وخدمات أخرى لا يحصل عليها باقي المواطنين، ولذلك كان النظام حريصا في أكثر من مناسبة أن يؤكد بأن هذا البذخ في العاصمة الجديدة، ليس له علاقة بميزانية الدولة التى تعاني من الخلل والقروض، ما أثر بالسلب على حياة المواطنين المعيشية.

 

اقرأ أيضا: خبراء يحذرون .. العاصمة الإدارية في مصر تبتلع مياه النيل

ويشير الباحث السياسي إلى أن الهدف الثالث من هذه التصريحات يأتي كخطوة استباقية تعمل بأن العاصمة الإدارية مثلها مثل الصناديق السيادية والخاصة، وبالتالي فهي لن تخضع لأية مساءلة برلمانية، أو قانونية، باعتبار أن البرلمان ليس له سلطان على الصناديق السيادية، وبالتالي فليس من حق البرلمان أو الجهاز المركزي للمحاسبات أو أيا من الأجهزة الرقابية الأخري أن يتساءل أو يفتش عن مصير إيرادات مشروعات هذه العاصمة، التى يتعامل معها السيسي باعتبارها سرا حربيا، وملكا خاصا.