سياسة عربية

هل تنجح دعوات الانتفاضة بلبنان للإطاحة بالطبقة السياسية؟

محلل سياسي قال إن لبنان بحالة ركود اقتصادي تعكسها الفوائد المرتفعة التي تقدمها البنوك- جيتي

دعت قوى سياسية وحراكات مدنية إلى تفعيل الاحتجاجات في الشارع تنديدا بالواقع السلبي الذي تمرّ به البلاد والتأخر الحاصل في تشكيل الحكومة لمدة تجاوزت السبعة أشهر، ما أثّر على القطاعات الاقتصادية كافة، عدا التداعيات السلبية المتفاقمة في الملفات الحياتية المختلفة وأهمها الكهرباء والنفايات والمياه.


وذهبت أطراف سياسية إلى الدعوة لانتفاضة شعبية للإطاحة بالطبقة السياسية كلها، والاتجاه إلى مؤتمر تأسيسي ينبذ الطائفية والمحاصصة التي تعارف الناس عليها في لبنان منذ استقلاله وبلغت ذروتها في السنوات الأخيرة التي أعقبت اغتيال الرئيس الراحل رفيق الحريري عام 2005.


وبالمقابل، فقد قلّل مراقبون من إمكانية تغيير شامل في لبنان في ظلّ تحكّم الطبقة السياسية بمفاصل أساسية، عدا غلبة النعرة الطائفية والمناطقية على المعادلة الإصلاحية الشاملة التي ينادي بها الليبراليون واليساريون والمجتمع المدني.

 

اقرأ أيضا: مصدر لبناني يكشف عن هوية وزراء في الحكومة الجديدة

الحراكات هي الحل؟


وشدّد السياسي والحقوقي سماح مهدي على أنّ "شعبا يمتلك عنفوانا وكرامة لا يقبل باستمرار الوضع الحالي"، متحدثا في تصريحات لـ"عربي21" عن موجة "غضب اجتاحت مناطق لبنانية ومخيمات فلسطينية لوفاة الطفل محمد وهبة من مخيم نهر البارد بعد رفض المستشفيات استقباله إلا مقابل مبلغ 1800 دولار عجز أهله عن تأمينها له".


وأضاف: "هذه القضية تدلّل على فداحة الأوضاع التي آلت إليها البلاد على الصعد الحياتية كافة من ملفات المياه والكهرباء والصحة، وتردي الأوضاع الاقتصادية التي يرزح تحت وطأتها أغلب اللبنانيين"، مشيرا إلى مرور "لبنان بحالة ركود اقتصادي تعكسها الفوائد المرتفعة التي تقدمها البنوك، بالتوازي مع الفراغ الحكومي الذي يعكس الأزمة السياسية".


وحول إمكانية أن تحقق الحراكات الشعبية غاياتها، قال: "تستطيع التحركات الاحتجاجية أن تصل إلى أهدافها في الإصلاح والتغيير إذا ما حافظت على اتزانها وقانونيتها، ونأت بنفسها عن التدخلات السياسية من أطراف تحاول الاصطياد في المياه العكرة".


وتحدث مهدي عن أنّ "معضلة لبنان تكمن في قانون الانتخاب، مطالبا بتطبيق قانون لا طائفي وفق قانون نسبي يعتمد لبنان دائرة انتخابية واحدة"، مشددا على أنّ هذه المعايير "تعطي العدالة للبنانيين وتبعدهم عن تجاذبات شدّ العصب الطائفي الذي أنتج الطبقة السياسية الحالية".


المجتمع المدني


وأعرب الناشط في حملة "طلعة ريحتكم" كلود جبر عن دعمهم "كل التحركات الشعبية في الشارع اللبناني آملين أن تحقق أهدافها"، غير أنه لفت في تصريحات لـ"عربي21" إلى أن "الانتخابات الأخيرة أعادت إنتاج الطبقة السياسية نفسها من فاسدين وسارقين نتيجة تصويت جزء من اللبنانيين لصالحهم".


وشدد على ضرورة "رفض الواقع الحالي والتخطيط الهادئ لمسار جديد مع الحرص على عدم وقوعنا في الأخطاء نفسها لجهة تنظيم مظاهرات من دون آلية استثمار لها على الصعيد التغييري".


ولفت جبر إلى أنّ حملات المجتمع المدني لا تملك سلطة تغييرية وإنما هي تعبير رافض وحركة اعتراضية عن الواقع السيئ الذي تعيشه البلاد، و أضاف: "شارك جزء من الفرنسيين في مظاهرات في بلادهم للتعبير عن مطالبهم التي تم تلبيتها بعكس ما حصل في لبنان من امتهان لحقوق وكرامات المطالبين بالعدالة والحياة الكريمة".


وكشف عن خطط "تحركات شعبية تتعدى حدود العاصمة بيروت للوصول إلى شرائح أكبر"، مشيرا إلى صعوبة ما "تواجهه الحراكات المدنية لكونها عفوية لا تنتمي إلى أحزاب تموّلها أو تلقى دعما من أطراف تتمتع بنفوذ"، وأكد دعم الحملة لكلّ التحركات الاعتراضية والمشاركة فيها ومنها "التظاهرة التي نظمها الحزب الشيوعي الأحد الماضي".


ورأى جبر أنّ "الاختلافات قد تحضر بين مكوّنات التظاهرات الشعبية لكن يبقى التلاقي على رفض الواقع الأليم الذي تمرّ به البلاد في ظلّ عجزهم عن تشكيل الحكومة".


وحول أسباب عجز أغلبية اللبنانيين الرافضين للوضع الراهن عن تبديل الواقع السياسي والاقتصادي، قال: "نظام لبنان الحديث (زبائني) بني بعد انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية من زعماء المليشيات الذين قدموا أنفسهم قادة للبلاد بعد نسجهم قانون عفو عام بدلا من أن يتم تحويلهم إلى المحاكمات لما ارتكبوه خلال الحرب".

 

اقرأ أيضا: بوادر انفراج أزمة تشكيل الحكومة في لبنان بعد "لقاء تشاوري"

وتابع: "يقومون بابتزاز مُناصريهم للتصويت لهم مقابل إبقائهم في وظائفهم أو للحفاظ على مكتسبات معينة، ورغم ذلك فإنّ الانتخابات الأخيرة أظهرت تسربا واضحا لأصوات محسوبة على زعماء الطوائف عدا أنّ نسبة كبيرة من اللبنانيين حجبوا أنفسهم عن الاقتراع لعدم ثقتهم بالوضع الراهن".


وبيّن أنّ "اللبنانيين فقدوا ثقتهم بالجميع ونبذوا كل الخيارات البديلة وسط الديون التي ترهق كاهل المواطنين وطموح الشباب للهجرة بحثا عن فرص وأمل أفضل".


وذكّر بما "حصل مع النشطاء المدنيين في حراكات 2015، قائلا: لا زلنا نُستدعى إلى المحاكم لغاية الآن لأنّنا عبرنا عن اعتراضنا للوضع القائم، بينما ترى الطبقة السياسية فارضة لهيمنتها على كل مقدرات الدولة بما فيها العسكرية".


ورفض الحديث عن مؤتمر تأسيسي تخوفا على استقرار لبنان قياسا لما حصل في المنطقة العربية من صراعات باستثناء تونس، لكنه اعتبر أن "الإصرار على المطالبة بالتغيير هو الخيار الأمثل منعا لاستمرار أسلوب دولة (المغانم) التي تتبعها الطبقة السياسية الحالية".