سياسة عربية

خنفر يكتب لـ"نيوزويك": العالم العربي يقوده دمويون وفاسدون

وضاح خنفر تساءل عما يخفيه العام الجديد للعرب بعد عام من صعود الاستبداد- تويتر

خصّ المدير العام لمنتدى "الشرق"، والمدير العام السابق لشبكة "الجزيرة" الإخبارية، وضاح خنفر، مجلة "نيوزويك" الأمريكية بمقال يستعرض فيه حصيلة العام المنتهي ويستشرف فيه العام الجديد 2019، متسائلا عما إذا كان هذا العام الجديد سيكون "عام التغيير في المنطقة العربية؟".

 

وقال خنفر في المقال الذي ترجمته "عربي21" إن العالم العربي يعاني من حالة "توحش" بسبب انه "يقوده يقوده جنرالات دمويون، وأمراء مستبدون، وسياسيون فاسدون".


ورأى خنفر ان المشهد الراهن في العالم العربي سوف يظل عبئا ثقيلا على ضمير الإنسانية لعقود قادمة.

 

وتاليا النص الكامل للمقال كما ترجمته "عربي21": 

 

 

عندما كنت أستشرف واقع العالم العربي قبيل بداية عام 2018، كنت آمل ، ومعي كثيرون، أنه سيحمل بداية جديدة للعالم العربي، ذلك أن قسوة الواقع ودمويته التي لا تحتمل، تدفع للبحث عن نهاية فورية لسنوات الضياع، وانتقال عاجل لمرحلة تضميد الجراح، لكنني كنت مخطئا.

لقد واصل العالم العربي انحداره في عام 2018 إلى مستوى جديد: انسلاخ تام عن منطق العصر، وانحطاط صريح باتجاه عقلية القرون الوسطى، وإذا كان من عنصر إيجابي في هذا العام، فهو أن وحشية النظام العربي الرسمي قد انكشفت أمام العالم بجلاء.

العالم العربي يمثل حاليا النقطة الأدنى في الواقع الإنساني، إننا أمام توحش يقوده جنرالات دمويون، وأمراء مستبدون، وسياسيون فاسدون، مشهد سيثقل ضمير الإنسانية لعقود قادمة، وكل ذلك يرجع إلى سبب رئيس واحد: اغتيال الأمل.

لقد عانت منطقة الشرق الأوسط قرنا كاملا من الانتقال المضطرب، فمنذ نهاية الحرب العالمية الأولى لا تزال المنطقة تبحث عن إجماع  سياسي، لقد فشلت دول ما بعد الحرب العالمية الأولى على كل الصعد، واختزل دورها في ثلاثة وظائف، الوظيفة الأولى تمثلت في إبقاء الواقع الإقليمي ممزقا متنافرا تسهل السيطرة عليه، والثانية في السيطرة على موارد المنطقة استراتيجيا، وأهمها النفط، والثالثة في لجم الشعوب التواقة إلى مستقبل كريم، وهو منطق عبر عنه السياسيون الغربيون بعبارة تخلو من كل صدق: حفظ الاستقرار.

نجحت هذه السياسات في إبقاء دول المنطقة تحت سيطرة القوى العظمى، لكنه في نفس الوقت خلق واقعا مدمرا، انفجر في وجه العالم إرهابا ولاجئين وفوضى عارمة.

عندما انطلق الربيع العربي عام 2011، حمل قيمتين اثنتين: الحرية والكرامة، وقاده جيل جديد مزود بطاقة هائلة من الأمل في المستقبل، وقناعة راسخة بأن الديمقراطية هي الحل، وأن التنوع الديني والثقافي والإثني هو مصدر قوة، لقد عاش العرب أفضل أوقاتهم، وبدأ العالم ينتبه بإعجاب لهذه البقعة من العالم، ولأول مرة منذ قرن صدّر العرب للعالم بفخر منتجا فذا، واوشكنا أن نعبر إلى المستقبل، وأن نخلع عنا أثقال الشعور بالعجز والدونية، إلا أن الحلم الفتي لم يصل نهاياته، لقد اغتيل على يد دول الثورة المضادة، دول  تمتلك ما لا تمتلكه قوى الربيع العربي الفتية: الثروة والدعم الغربي.

هذه القدرة الثنائية كانت مدمرة، لقد انفقت السعودية والإمارات أموالا طائلة لتنظيم وتثبيت الانقلاب العسكري في مصر عام 2013، ثم توالى دعمها للجنرال حفتر في ليبيا، وانفقت أموالا لتشويه التحول الديمقراطي في تونس، بينما استفاد النظام السوري من أجواء قمع القوى الديمقراطية، واستمر في حربه الدموية ضد شعبه، وكانت خاتمة جهود قوى الثورة المضادة الحرب العبثية والدموية على اليمن، التي جعلت منه أفقر دولة في العالم، ووضعت سبعة عشر مليونا من أبنائه على حافة الجوع.

حصيلة السنوات الخمس الماضية مريرة، لكن العالم استمر يتغاضى عن كل ذلك، حتى تجلت بشاعة جريمة هزت الوجدان الانساني العالمي: القتل الوحشي للصحفي جمال خاشقجي في قنصلية السعودية باسطنبول.

لقد استطاع ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن يستغل موقع بلاده التي تملك ثروات نفطية هائلة، في أن يقدم نفسه للعواصم الغربية، الطامعة في صفقات مجزية، على أنه المجدد المنتظر للملكة العجوز، فقام بإصلاحات شكلية تروق للغرب: سمح للنساء بقيادة السيارات، ووعد الشركات العالمية بأرباح وفيرة، فانطلق السياسيون الغربيون يستبشرون بالمصلح الكبير، وبينما وجد محمد بن سلمان في الرئيس الأمريكي دونالد ترمب حليفا كبيرا، استتغل هذا الدعم للاندفاع في حماقات كبيرة لم تشهدها المنطقة من قبل ولم تعهدها السعودية عبر عقود من حكم آل سعود، اندفع في حرب اليمن الى حدود لا يحتملها الضمير الانساني، واعتقل رئيس وزراء لبنان، وحاصر قطر، وزج في السجون ما يزيد على  1600 معتقل رأي من بينهم نساء كن قد طالبن بحق قيادة السيارات، إلا أن الدوائر الغربية الرسمية آثرت أن تغض الطرف عن كل ذلك، وأن تستمر في مدح الانجازات الواعدة للأمير الشاب.

ولان السلطة المطلقة مفسدة مطلقة، فقد بدأ الأمير يرى نفسه معصوما من كل نقد، وأنه قادر على كل شيء، فدفعه تهوره إلى ارتكاب جريمة قتل خاشقجي، ذلك أنه، وهو الذي يرى نفسه مؤيدا بالحق الإلهي في الملك، يرى المواطنين رعية يملك حق تقرير مصيرهم، فمن حيث المبدأ، يمكنه أن يسجن ويعذب ويقتل من يشاء، إلا أنه في شأن خاشقجي انتقل إلى مستوى جديد أوقعه في مأزق لم يكن يحسبه، لقد ارتكب تلك الجريمة ضد صحفي معروف، يكتب للصحافة العالمية، ونفذ الجريمة في تركيا، ثم أن تفاصيلها قد انفضحت، وأظهرت للعالم حقيقة الواقع الجديد للنظام الذي يقوده ولي العهد.

الإيجابي في موضوع خاشقجي أن الصحافة العالمية ارتفت الى مستوى المسؤولية، فانبثق تحالف عالمي تلقائي من الصحفيين وناشطي حقوق الإنسان وقاد حملة وصل صداها أخيرا إلى الحكومات والبرلمانات، عندها انكشف واقع الأمير المتدثر زورا بالإصلاح، ليقف أمام العالم عريانا من كل فضيلة.

لقد صوت مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على تحميل محمد بن سلمان مسؤولية مقتل خاشقجي بعد الإحاطة الشاملة التي قدمتها وكالة الاستخبارات الامريكية، رغما عن الرئيس ترمب الذي استمر في دفاعه عن حليفه، وهذا تطور ايجابي، أما في العواصم الأوروبية فإن ردود الفعل الرسمية كانت أقل مما يجب، ذلك أن أوروبا الرسمية التي خذلت القوى الديمقراطية في عام 2013، أدانت الجريمة، لكنها لم تدن المجرم، وهذا خطأ كبير، إذ ينبغي أن تستيقظ أوروبا على الحقيقة التالية: الجوار الشرق أوسطي لم يعد بقعة جغرافية جيوسياسية منفصلة عن اوروبا، بل هو امتداد طبيعي للواقع الاوروبي سياسيا واجتماعيا، الجوار الشرق أوسطي هو الذي يشكل الواقع الأوروبي، فالفوضى التي خلفها التغاضي عن اغتيال الربيع العربي وجدت طريقها إلى أوروبا، فاليمين المتطرف المتنامي يضع في مركز خطابه الشعبوي تخويف الاوروبيين من اللاجئين ومن المسلمين، فالواقع الديكتاتوري العربي لم يعد مسألة يمكن الصمت عليها على اعتبار أنها تحفظ الاستقرار وتحارب الإرهاب، بل هي سبب الواقع الذي يولد الفوضى ويفرِّخ الإرهاب. 

على العواصم الغربية أن لا تقف مترددة أمام واقع يصادم كل القيم الانسانية، ينبغي ان ترفع صوتها للدفاع عن الديمقراطية في العالم العربي، إن لم يكن حبا في الفضيلة، فسعيا لتحقيق مصلحة تعود بالامن والاستقرار على اوروبا، كما ينبغي المسارعه لانقاذ تونس ودعم مسيرتها الديمقراطية، وعدم السماح لدول الثورات المضادة بأن تنجح في تدمير الامل الوحيد المتبقي من الربيع العربي، إن حماية الحالة التونسية ضرورة اخلاقية ومصلحة استراتيجية، ذلك أن انهيارها سيؤكد رسالة واحدة للشعوب العربية: الأمل في التغيير السلمي لم يعد ممكنا.

(مترجم خصيصا لـ"عربي21"، عن مجلة "نيوزويك" الأمريكية)

للاطلاع على الرابط الأصلي اضغط هنا