ملفات

الجيش يقصي جبهة الإنقاذ ويعود بالجزائر إلى المربع صفر (2من2)

الجزائر انتخابات وقف (عربي21)

اليوم، وبعد 27 سنة من توقيف المسار الانتخابي وإلغاء نتائج أول انتخابات تعددية في البلاد منذ الاستقلال، تظهر الجزائر وكأنها تعود إلى نقطة الصفر، رغم كل التضحيات التي قدمها الشعب، فالفراغ الدستوري الذي أحدثه قرار توقيف المسار الديمقراطي في البلاد، لا يكاد اليوم يختفي، وقد أرشف حكم الرئيس بوتفيلقة في ولايته الرابعة على الانتهاء، من دون أن تتضح معالم الطريق، رغم أن مجيئ يوتفليقة في العام 1999 كان يحمل معه الآمال العريضة باستعادة الجزائر دورها الريادي في المنطقة، خاصة وأن هذا الأخير رفع منذ بداية عهدته الأولى قبل عشرين سنة لواء قانون الوئام المدني ومن ثم المصالحة الوطنية، والتي بالرغم من أنها نجحت في تحجيم العنف، وأقنعت آلاف المسلحين بالنزول من الجبال وإلقاء السلاح، إلا أن ذلك لم يحل مشكلة الشرعية في البلاد، ولم يعمد إلى مصالحة حقيقية داخل البلاد، بدلا عن هذه المصالحة الصورية التي منحت للمجرمين من جميع الأعراف ملجأ آمنا من عدالة الله والشعب.

 

نكسة أصابت البلاد

إن كل ما تعيشه الجزائر اليوم من صراعات وفوضى، لا يمكن فصلها عن أكبر نكسة أصابت البلاد في الثاني عشر من حزيران (يونيو) 1992، حين خرجت الدبابة إلى الشارع لتقمع صوت الجماهير التي صدحت باختيار حزب لم يكن ليروق لأصحاب المصالح، وهو القرار الذي يبدو أن أصحابه قد أخذوا العبرة من نتائج أول انتخابات حرة وشفافة في البلاد، فكانت المراهنة بأن لا تتاح فرصة أخرى للشعب بأن يختار بكامل حريته، حتى لا تعود "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" بثوب جديد.. فصوت الصندوق من دون تزوير في الجزائر مخيف وتخرج منه أصوات الغول والوحش، وهذا هو بالضبط ما يجعل البلاد تراوح نقطة الصفر، لا تكاد تتقدم خطوة إلى الأمام، حتى تعود خطوتين إلى الوراء.

فن الممكن .. وتعطيل مشروع الاسلام السياسي

ولهذا السبب تحديدا يرى الكاتب والباحث في التاريخ الدكتور محمد أرزقي فرادفي تصريح خاص لـ "عربي21" أن توقيف المسار الانتخابي في مطلع تسعينيات القرن الماضي، يعتبر خرقا صارخا للدستور واعتداء صريحا على السيادة الشعبية التي منحت الأغلبية البرلمانية للجبهة الإسلامية للإنقاذ في الدور الأوّل. علما أن السلطة آنذاك نشرت النتائج في الجريدة الرسمية! وبدل من أن يتبوأ الفائزون مقاعدهم في المجلس الشعبيّ الوطنيّ، سِيقوا إلى معتقلات إدارية في الصحراء، مشيرا إلى أن ذلك يذكّرنا بـ"قانون الأهالي" الجائر الصادر عن الاستعمار الفرنسي يوم 28جوان 1881م، الذي كان يقضي باعتقال الجزائريين ومعاقبتهم خارج المحاكم! هذا وليس من باب تبرير العنف المترتّب عن إلغاء النتائج، إن حمّلت وِزْر ما وقع - بنسبة لا يستهان بها- الفاعلين الذين تصرّفوا من غير تبصّر وتروٍّ، لأنهم لا يعرفون معنى السيادة الشعبية.

 

مسؤولية الإنقاذ

إلا أن الدكتور أرزقي فراح يسترد أن الجبهة الإسلامية للإنقاذ تتحمّل قدرا من مسؤولية توقيف المسار الانتخابيّ، بسبب تبنّيها سياسة التخويف والترويع للحكام والمحكومين على حدّ سواء. فقد غاب عن قياديي "الجبهة الإسلامية للإنقاذ" في غمرة الصعود السياسيّ، أن السياسة هي فنّ الممكن، هي السلاسة المتمثلة في "شعرة معاوية" التي ما كان ينبغي أن تنقطع بين الفاعلين السياسيين، فتجاوزوا صوت الرابطة الإسلامية الحكيم، وتبنّوا العنف اللفظي في وقت كان يكفي فيه الخطاب الرزين. والحاصل أن قيادة "الفيس" راهنت على مسايرة الجمهور مسايرة عاطفية، بدل الدعوة إلى التعقل، ويتجلى ذلك في رفضهم التنديد بالعنف الذي بانت معالمه هنا وهناك. وكانت النتيجة هي تعطيل المشروع السياسي الإسلامي إلى أجل غير مسمى، وبذلك ضاعت على الجزائر فرصة اجتثاث جذور الاستبداد.

الوعي بدرجة خوف الآخر

وهو نفس ما ذهب إليه الكاتب والباحث نذير طيار في تصريح لـ "عربي21" أن قرار توقيف المسار الانتخابي لم يكن صائبا لعدة أسباب:

1 ـ مناقضته للدستور.
2 ـ إجهاضه لتجربة ديمقراطية في المهد. 
3 ـ إدخاله الوطن في نفق مظلم مفتوح على كل الاحتمالات الكارثية.
4 ـ التأسيس مجددا لهيمنة العسكري على السياسي.

وأكد أن السلطة القائمة آنذاك تتحمل مسؤولية كبرى بلجوئها إلى أسوأ الخيارات في التعامل مع فوز الجبهة الإسلامية للإنقاذ. فقد كان بإمكانها التفكير الجدي في حل أذكى غير توقيف المسار الانتخابي، بتطبيق الدستور وحل البرلمان مع بروز بوادر خرقه أو وجود نية للإطاحة بدولة المواطنة. أو عدم تنظيم الانتخابات التشريعية أصلا، لأن الواقع الشعبي كان يؤشر بوضوح لفوز الجبهة الجبهة الإسلامية.

 

إسلاميو جبهة الإنقاذ لم يبذلوا جهدا كافيا لكسر الحواجز السيكولوجية مع الأطراف الأخرى


كما تتحمل الجبهة الإسلامية للإنقاذ يضيف نذير طيار مسؤولية كبرى كذلك، لأنها لم تبذل جهدا كافيا لكسر الحواجز السيكولوجية مع الأطراف الأخرى، ولم يكن لها وعي بدرجة تخوف الكثيرين من مشروعها وبما هم مستعدون للذهاب إليه حالة فوزها، إذ لم تكن بمستوى التحديات العظمى التي كانت بانتظارها، ولم تحسم خياراتها بشأن قضايا كثيرة تتعلق بحقوق الإنسان والتعايش والحق في الاختلاف، لم تفصل في كثير من التناقضات التي كانت تهيمن على تصريحات التيارات المختلفة المكونة لها، كانت تتعامل مع فكرة الدولة ببساطة وسذاجة، كما ألغت فكرة البحث عن توافق سياسي يشرك الجميع، وكانت تظن أن بالإمكان استيلاءها بسهولة على مفاصل السلطة وأجهزتها....وهو ما فهمته النهضة التونسية في وقت مبكر جدا... ولم يفهمه إخوان مصر في وقت متأخر.

 

اقرأ أيضا: الجزائر: من الحزب الواحد إلى انتخابات فاز بها الإسلاميون (1من2)