قضايا وآراء

وثيقة الإخوان لنبذ العنف.. بداية لم تكتمل!!

1300x600

في عام 2006، التقيت الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح فك الله أسره في الأردن في احتفالية ذكرى مرور 100 عام على ميلاد الإمام حسن البنا، وقال لي: "إننا نريد أن تكتب لنا وثيقة عن موقفنا من العنف، يتضح فيه أن تبنينا للسلمية ونبذنا للعنف موقف استراتيجي وليس موقفا تكتيكيا، كما أصدرنا من قبل (دعاة لا قضاة)، وصار وثيقة تبين موقفنا من التكفير"، انتهى حواري معه.
 
وعدت إلى قطر، وسهرت ليلة كاملة، كتبت فيها خطة الكتاب أو الوثيقة كاملة، وأرسلتها لأبي الفتوح الذي كان عضوا بمكتب الإرشاد وقتها، وعرضها كما أخبرني، وقال لي: لقد استقر الرأي أن تكتب أنت، حيث إن الأعمال الجماعية نادرا ما تستمر، فوافقت وبدأت بالكتابة، وكتبت ما يقرب من سبعين في المائة منها، وأرسلت له ما كتب، إلا أن المحاكمات العسكرية التي داهمت الإخوان وشغلتهم بشكل كبير، أوقفت هذا المشروع".

 

إقرأ أيضا: جماعة الإخوان تؤصل تاريخيا لرفض العنف والتكفير

بعد فترة كلمني الدكتور عصام العريان بعد علمه بالمشروع، وقال لي: "الأفضل أن تكمل ما كتبت ككتاب يحمل اسمك، وهذا حقك المادي والأدبي، ثم نلخص منه ملخصا يخرج على هيئة وثيقة، تعتمد"، وظلت المادة حبيسة أدراجي حتى الآن، لم أكملها حتى نهايتها، ولم يتابعني أحد نظرا لتسارع الأحداث. 
وأضع الآن ملخصا لخطة العمل التي أرسلتها في عام 2006م، حول وثيقة الموقف من العنف، لعلها تفيد أو تجد تبنيا جديدا لإصدارها.

أولا: أهداف الوثيقة:

1 ـ بيان رأي الجماعة في العنف واستخدام القوة بيانا واضحا لا لبس فيه ولا غموض، يكون أشبه بوثيقة تكون حجة على الأجيال السابقة والحالية والقادمة من الجماعة، لتتبنى كخط فكري وعملي، وتكون دليلا دامغا لأنصار الحركة وخصومها على حد سواء، كما سبق في إخراج كتاب (دعاة لا قضاة) فقد كان سببا لوأد كل فتنة تحاول أن تتبنى خط التكفير، من داخل الجماعة أو خارجها.

2 ـ العودة بكل فكر غرد خارج سرب فكر الجماعة، ظنا منه أنه فكر نابع من أدبيات الجماعة، والذي ظهر في فهم بعض المنتمين للجماعة لعبارات وردت في ثنايا كتابات بعض رموز الجماعة الفكريين، ولم يكن يقصد بها ما فهموه من الخروج بالقوة غير المدروسة والمبنية على شرائطها الشرعية.

مقترحات:

1 ـ أقترح أن تشكل لجنة من الدارسين للقيام بهذا العبء، ممن يجمعون بين فقه الأثر والنظر، ممن يجمعون بين الأصالة والمعاصرة، الأصالة المتمثلة في التعمق في النصوص الشرعية، وفهمها في ضوء مقاصدها الشرعية، والمعاصرة المتمثلة في التعمق في علوم الحياة الإنسانية، وفقه الواقع بأدواته ووسائله.

2 ـ أقترح أن ندرس كل حوادث العنف التي نسبت للجماعة، حتى وإن كانت فردية، ونبين ملابسات هذه الحوادث، من حيث السياق التاريخي لها، والظروف والملابسات والعوامل التي أدت إليها، مع الاعتذار عنها، والتأكيد على أنها فردية، وليس معنى أنها أعمال فردية أننا لسنا مسؤولين عنها، وإن كانت مسؤولية جزئية، فأنفك منك وإن كان أجدع، والاعتذار ليس من باب الإقرار بقدر ما هو من باب البراءة التاريخية، وإخراس كل قلم يدندن بها ليل نهار، وهذا ليس عيبا ولا أمرا محرجا للجماعة، بل هو تعويد لأفراد الجماعة على الشجاعة الأدبية.

ومن المكاسب التي سنربحها من وراء هذا الاعتذار: 

أولا: أمام أنفسنا، فهو من باب النقد الذاتي، لعمل تم خارج أهدافنا ووسائلنا، وبغير رضا الجماعة الرسمي، كما أنه سيجعل كل أخ يفكر في كل عمل يفعله من ذات نفسه دون العودة إلى قيادة الجماعة، أو إلى أهدافها ووسائلها المعمول بها، ويلحق ضررا بالجماعة يظل يطاردها فترة من الزمن، ويلصق بها من الاتهامات ما ليس منها.
 
ثانيا: أمام الوسائل الإعلامية والعلمية، حيث سيكون مرجعا يستند إليه في الموقف من العنف، ويقاس عليه مدى الالتزام به.
 
ثالثا: سيغلق هذا الملف للأبد، ولن يجرؤ أحد على فتحه مرة أخرى، سواء من الخصوم أو المؤيدين، فمن المؤيدين من يريد الجنوح إلى فقه العنف، سيواجه بثوابت راسخة موثقة تمنعه من ذلك، وإلا كان عليه البحث عن جماعة أو فصيل آخر يتواءم مع فكره المتبني للعنف، وللخصوم، حيث إنه سيكون اعتذارا واضحا بينا عن أخطاء أفراد.

محاذير يرجى مراعاتها عند كتابة الوثيقة:

1 ـ ينبغي الحذر من أمر مهم جدا عند التناول، وبخاصة عند تناول خطورة استخدام القوة، وشرح الأحاديث التي تحث على الصبر على ظلم الحكام الظلمة، ينبغي الحذر من أن يفهم منها أن الإسلام يدعو إلى الدعة والسكون والمذلة، والصبر السلبي، الذي سماه بعض الشعراء: صبر الحمير!! بل يُنص مع شرح الأحاديث التي تدعو للصبر على الوسائل العملية لمقاومة الظلم وتغييره، وبخاصة تفعيل دور منظمات المجتمع المدني، والوسائل المعاصرة التي تمنع الظلم، بأسلوب إسلامي وحضاري.

2 ـ ينبغي الحذر عند تناول استخدام القوة ضد الأنظمة ورفض ذلك، والحكم على هذه الأنظمة بأنها ليست كافرة، ألا يكون الخطاب فيه نوع من إضفاء الشرعية عليها، بل يكون البيان بقدر ما ينفي الكفر المخرج من الملة، أو أي لون من التطرف الفكري أو الفقهي، مع بيان خطأ هذه الأنظمة، وعصيانهم لأوامر الله فيما أمر به من إقامة العدل، ونشر الحريات، وفضح مساوئهم ومظالمهم وتجاوزاتهم في حق الوطن والمواطن.

المحاور المقترحة للوثيقة:


مدخل يتم الحديث فيه عن كيفية تناول العلم الشرعي لمثل هذه القضايا الكبيرة والتي تتعلق بالدماء، واستخدام السلاح، فكثير ممن يتعجلون في هذا الأمر ليس لهم خبرة واسعة بأصول الفقه، والاستدلال في الشريعة الإسلامية. وتعريف العنف ومعالمه، وموقف الشرع منه، والفرق بينه وبين مقاومة المحتل.
ثم بعدها تكون الفصول كالتالي:
 
1 ـ الموقف من عنف الأنظمة والحكومات ضد الشعوب.
1 ـ الموقف من استخدام العنف ضد الأنظمة والحكومات في الداخل، يبين الموقف الشرعي منها، ومن استخدام القوة ضدها.
2 ـ الموقف من استخدام العنف ضد السياح والأجانب في بلاد المسلمين.
3 ـ الموقف من استخدام العنف ضد المجتمع المسلم.
4 ـ الموقف من استخدام العنف ضد الأقليات الدينية في المجتمع الإسلامي.
5 ـ الموقف من استخدام العنف ضد أصحاب الأفكار المخالفة للدين من علمانيين وغيرهم.
6 ـ الموقف من استخدام العنف ضد الأقليات المذهبية (السنة والشيعة).
7 ـ الموقف من استخدام المسلم المقيم في بلاد الغرب العنف ضد المجتمع المقيم فيه.
8 ـ لماذا السلمية في التغيير؟ والنتائج المترتبة على تبني منهج العنف، والثمار المرجوة من تبني منهج السلمية، وما المعايير التي نقرر بها اختيار أحد المنهجين؟
9 ـ هل القصاص عنف؟ ومن له حق القصاص وتطبيق الحدود؟

كيفية تناول الوثيقة:

يتم عرض حقائق الشريعة الإسلامية أولا، من خلال نصوصها المحكمة، والتي تبين موقفها بجلاء، ثم بعدها تعرض النصوص التي يستدل بها دعاة العنف، من نصوص شرعية، ونقول من كتب الفقهاء، وأدلة عقلية من الواقع، ويرد عليها ردا علميا موثقا بالدليل والنقاش والحجاج.

مراعاة أن يكون البحث أو الوثيقة على مستويين، مستوى مختصر في شكل وثيقة تعلن، ومستوى آخر مطول، يكتب بلغة علمية موثقة، يسهل قراءتها على الجميع، مع مراعاة المنهج العلمي). انتهى ملخص خطة الوثيقة.

كانت هذه هي الخطوط العريضة لوثيقة الموقف من العنف، واستخدام القوة كوسيلة للتغيير، وهي شهادة أحببت أن أذكرها، وقد كان الهدف وقتها أن يعانق الرأي الفكري التطبيق الذي يطبقه الإخوان واقعيا بتبني السلمية وموقفهم من العنف. وأعتقد أنها كانت ستكون ذات أثر تأصيلي مهم لأبناء الإخوان، ومن ينضوون تحت مدرستها الفكرية.

ثم جاء الانقلاب العسكري، وكانت الحاجة إليها كذلك مهمة، لكن غياب من يعنون بالفكر في الجماعة خلف أسوار السجون كان عاملا مهما في غيابها، وأردت بذكرها تدوين ما شهدته في سنوات عملي مع شيخنا القرضاوي، أو داخل جماعة الإخوان المسلمين، لعل يكون منها العبرة والفائدة.

 

إقرأ أيضا: أزمة الإخوان المسلمين الحقيقية