مقالات مختارة

نحو عنصرية بالكامل ودون تورية أو مواربة

1300x600

كانت لجنة الانتخابات المركزية الإسرائيلية، أول من أمس، أمام أكثر من طلب مقدم لشطب أو منع أكثر من قائمة انتخابية التقدم أو المشاركة في الانتخابات العامة التي ستجرى بعد نحو شهر من الآن، كان أبرزها بالطبع هو القائمتان العربيتان: تحالف التجمع والعربية الموحدة، وقائمة الجبهة الديمقراطية والعربية للتغيير، إضافة إلى قائمة اتحاد أحزاب اليمين المتطرف التي تضم الاتحاد الوطني والبيت اليهودي وعوتسما يهوديت.


وبالنتيجة، فقد أقرت اللجنة المكونة من واحد ثلاثين عضوا، بأغلبية الأصوات، شطب قائمة التجمع والموحدة، بأغلبية 17 عضوا، كذلك شطب عضوية عوفر كسيف من قائمة الجبهة والعربية للتغيير التي سقط طلب شطبها بتصويت 15 عضوا ضد طلب الشطب، فيما أقرت اللجنة ترشح عضوي "عوتسما يهوديت": ميخائيل بن آري وايتمار بن غفير.


جدير بالذكر بأن المستشار القضائي للحكومة الإسرائيلية أفيحاي مندلبليت نفسه، كان قد أوصى بشطب ابن آري، هذا إضافة إلى الجدل الذي رافق الإعلان عن دخول حزب "القوة اليهودية" الخارج من معطف "كاخ" التي أسسها الحاخام مائير كاهانا، التي أنجبت مرتكب مجزرة الحرم الإبراهيمي الشريف عام 1994، باروخ غولدشتاين، المحظورة منذ عام 1988 من الترشح، الجدل الذي شارك فيه، كل من الأيباك والمجلس اليهودي الأمريكي وحتى جيسون غرينبلات المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط نفسه قبل أسبوعين من اليوم، لكن على ما يبدو بأن ثلاثة عقود مرت منذ عام 1988 وحتى الآن قد تحولت بإسرائيل من "دولة علمانية" إلى دولة عنصرية بما تعنيه الكلمة من معنى. 


كانت الخلفية سياسية كما أوضح المحامي حسن جبارين مدير مركز عدالة، بقوله بأن أعضاء اللجنة اتخذوا قرارهم قبل سماع أي ادعاء، بما لا يدع مجالا للشك بأن مظاهر العنصرية ضد المواطنين العرب/الفلسطينيين من مواطني "دولة إسرائيل" قد استشرى وتوغل في مؤسسات الدولة، بحيث بات التراجع عنه أمرا شبه مستحيل، والأخطر هو المطالبة بشطب القوائم العربية استند إلى  الحق الطبيعي للمواطنين بحرية التعبير، ولم يستند إلى وقائع أو أدلة منافية لقانون الانتخابات، ودولة "تقنن" قمع حرية التعبير، ليست إلا دولة مستبدة بكل بساطة، وحيث إن هذا القمع يوجه على الخلفية القومية فقط، فهو إثبات على عنصرية الدولة الإسرائيلية اليهودية.


وما يؤكد هذا المنحى هو أن حزب الليكود الحاكم نفسه هو الذي كان قد تقدم بطلب الشطب ضد القوائم العربية، وحيث إنه كان من "الصعب" شطب القائمتين معا، بما يعني بشكل جلي وواضح عدم قدرة الدولة العنصرية على نفي وجود العرب في الكنيست بالكامل دفعة واحدة، فقد اكتفت هذه المرة بشطب واحدة من القائمتين، وذلك لإضعاف الصوت الذي واجه عنصرية الدولة ويدعو إلى المساواة وإلى دولة المواطنة بدلا عن الدولة اليهودية.


طبعا من الواضح أيضا بأن الليكود واليمين وهو يتابع استطلاعات الرأي التي تشير إلى معركة حامية الوطيس وصفها بنيامين نتنياهو نفسه قبل أيام بالحرب، يسعى إلى تأمين الأغلبية البرلمانية التي تضمن له البقاء في الحكم، والاستمرار على طريق الاحتلال لأرض دولة فلسطين وشعبها، وطريق العنصرية بدفع دولة إسرائيل للتحول تماما إلى دولة يهودية/طائفية، والتخلص من كل مظاهر دولة القانون المدني.


ولعل ما يوضح الصورة أكثر هو أن حزبي العمل وميرتس وهما مما تبقى من مظاهر "دولة إسرائيل _ العلمانية"، يخوضان المعركة التي تجري وراء كواليس الانتخابات، ضد صعود محتمل لتحالف اليمين المتطرف واليمين العنصري في إسرائيل، وإن كان بقائمة الأمن.


في متن الادعاء ضد كسيف تحددت التهمة التي تحول دون ترشحه للانتخابات بأنه لا يعترف بإسرائيل كدولة يهودية، فيما رد هو بالقول بأنه يدعم قيام دولة فلسطينية على حدود العام 67، وهذا يعني بأن هذا الادعاء يمكن أن يوجه لاحقا لأي مواطن من مواطني "دولة إسرائيل" ليتم تجريمه، رغم أن إسرائيل نفسها ليس لها دستور وليست معرّفة كدولة يهودية، والعالم كله قد اشترط حين قبلها عضوا في الأمم المتحدة، إقامة دولة فلسطين إلى جوارها، أي على أساس قرار التقسيم المتخذ من قبل مجلس الأمن بالرقم 181.


أما طلب الليكود وحزب "عوتسما يهوديت" الذي يدشن تحالفهما لاحقا بشطب التجمع، فقد استند إلى أن قيادة الحزب كانت قد وجهت تحية لمؤسس الحزب عضو الكنيست السابق عزمي بشارة في المؤتمر الأخير للحزب، حيث قال رئيس الائتلاف الحكومي السابق دافيد بيتان، بأن قرار الشطب جاء بسبب نشاطات بشارة المناهضة لإسرائيل!


هذا الكلام السياسي الفضفاض، الذي لا يصلح مطلقا لأن يكون مستندا قانونيا، كان كافيا للجنة الانتخابات المركزية التي تشرف على انتخابات الكنيست الإسرائيلي أن توضح إلى أي مدى، العملية الديمقراطية في إسرائيل، هي "ديمقراطية مزورة"، بل هي أشبه بلعبة كانت تديرها المؤسسة الأمنية/العسكرية أو مؤسسة الحرب، والآن تديرها محافل اليمين المتطرف.


شهر أخير بقي _بتقديرنا_ على انزلاق دولة إسرائيل للمنحدر بالكامل، حتى ترتدي الزي العنصري بالكامل ودون تورية أو مواربة، فإذا كانت الدولة بمؤسساتها القضائية والرسمية تعمم اليوم هذا المنطق، وتسعى إلى ارتداء زي "الدولة اليهودية" فإنها عمليا تذهب إلى قلب المخاطر، فليست هناك من دولة ديمقراطية في العالم تجمع بين الجوهر الطائفي والمضمون الديمقراطي، فلا الولايات المتحدة ولا فرنسا دولة مسيحية، ولا الهند دولة بوذية ولا الصين دولة كنفشيوسية، وكل من يرفع راية "الدين" على علم الدولة يتحول بها إلى دولة طائفية/عنصرية.


ذلك أن مفهوم الدولة اليهودية إذا كان اليوم يقصي من حقوق المواطنة نحو 20% من مواطنيها، فإنه غدا سيقصي أكثر من نصف مواطني الدولة نفسها من "اليهود" الذين يعرفون أنفسهم كعلمانيين، ومع مرور وقت قصير سيكون الجميع محكوما بمنطق لاهوتي/توراتي، حيث من غير المستبعد أن يعلن الحاخام الأكبر بعد عدة سنوات "كمرشد أعلى" أو كملك، وهكذا يتم استخراج صورة "متخلفة" للدولة لتوضع في العصر الحديث!
 

عن صحيفة الأيام الفلسطينية