سياسة عربية

"حلايب" تُهدد بنسف التقارب السوداني ـ المصري

عودة التوتر إلى العلاقات السودانية ـ المصرية بسبب الخلاف حول مثلث حلايب (الأناضول)

عادت قضية مثلث "حلايب" الحدودي المتنازع عليه بين السودان ومصر إلى السطح من جديد، ما يهدد بنسف التقارب الذي شهدته العلاقة بين الخرطوم والقاهرة في الأشهر الأخيرة.

ويأتي التصعيد في علاقة البلدين بعد احتجاج سوداني رسمي على إعلان وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية طرح أول مزايدة عالمية للبحث والتنقيب عن النفط والغاز، في 10 قطاعات بالبحر الأحمر، بينها ما يقع ضمن حدود حلايب السودانية. 

وزار الرئيس السوداني عمر البشير مصر شباط (فبراير) الماضي أثناء موجة من التظاهرات غير مسبوقة تطالبه بالتنحي، والتقى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، حيث أعلن عن اتفاق ينص على حماية المصالح الاقتصادية لكلا البلدين، على أن يظل النزاع حول المثلث الحدودي بعيدا عن الملفات السياسية والاقتصادية الأخرى.

 

إقرأ أيضا: بعد الدوحة.. البشير يزور مصر والكويت في إطار جولة عربية

وفي ردل فعل مغاير للعلاقة التي تشهد تحسنا خاصة على مستوى الرئيسين، تلقت "عربي21" أمس بيانا من وزارة الخارجية السودانية تشير فيه إلى استدعاء السفير المصري في الخرطوم وتبليغه احتجاجا رسميا، ووقف أي إجراءات في مثلث حلايب بما يعكر صفو العلاقة بين البلدين. 

وقالت مصادر في الحكومة السودانية فضلت حجب هويتها لـ"عربي21": "إن رد الفعل السوداني يؤسس على تراكمات من التحركات التي تقوم بها السلطات المصرية في حلايب".

ورأى المصدر أن ما تعتبره الخرطوم "رزانة" في التعامل مع التعديات المصرية، يعزى إلى التقارب في العلاقة بين البلدين مؤخرا التي تشهد تفاهمات على أعلى المستويات في الحكومتين، بيد أن المصدر يرى دوافع أخرى مرتبطة بانزعاج سوداني من التحرك الأخير الذي يثير الرأي العام السوداني الداخلي، خصوصا مع وجود إجماع وطني على أحقية السودان في منطقة حلايب، فضلا عن أن من شأن الخطوة المصرية تعبئة الحراك الشعبي الذي يطالب بإسقاط النظام، ويرى تقصيرا من قبل حكومة الخرطوم في التعامل مع القاهرة بشأن المثلث الحدودي الذي يشهد حالة شبيهة بالاحتلال من قبل الجيش المصري.

لكن ذات المصادر أبلغت "عربي21" أن دوائر سودانية رسمية يحركها الشعور بالإحباط من تباطؤ القاهرة في تشجيع حلفائها الخليجيين من أجل دعم السودان في محنته الاقتصادية الحالية، وأن القاهرة اكتفت بتقديم الدعم السياسي فقط لحكومة الرئيس عمر البشير في مواجهة الحراك الثوري المستمر للإطاحة بنظام حكمه، ورأت أن هذه الدوائر تشعر بمساومة مصرية تربط القيام بأي أدوار أخرى لصالح الخرطوم بمكاسب أخرى من بينها التوسع في السيطرة على مثلث حلايب المتنازع عليه. 

 

إقرأ أيضا: توتر بين مصر والسودان والأخير يستدعي سفير القاهرة

في منحى آخر، يرى الصحافي السوداني عباس محمد إبراهيم في حديث لـ "عربي21" أن التصعيد الأخير لا يعدو أن يكون "فبركة" مخابراتية باتفاق الطرفين، ويستند في هذا الافتراض على القول إن كل الذي يدور ويكبر ككرة ثلج ليس سوى محاولة إيجاد مخرج من الأزمات الداخلية، ويرى أن الرئيسين في كلا البلدين يبحث عن إنقاذه من المشكلات الداخلية بإثارة قضايا خارجية، مشيرا إلى أن البشير تحاصره ثورة تكسب أرضا جديدة كل يوم، والأخير تحته وميض نار الغضب يتشكل يوما بعد يوم على حد تعبير الصحافي محمد إبراهيم.

ورأى أن الخرطوم لا تحتاج إلى الاحتجاج أو تصعيد أي خلاف لإيقاف أي تحرك مصري، فقط يمكنها عبر الدبلوماسية إرسال تحذيرات إلى الشركات العالمية العاملة في التنقيب مرفقة بشكوى النزاع التي يتم تجديدها سنويا، وأن القاهرة ليست بهذه السذاجة حتى تقع في خطأ قاتل، "لأن بدء التنقيب في منطقة نزاع شكواها مودعة لدى مجلس الأمن سيعطي تركيا حق التنقيب في غاز شرق المتوسط في حين أنقرة متوقفة عن التتقيب بسبب اتفاق ترسيم بين مصر واليونان 2013 المودع لدى مجلس الأمن".
 
من ناحيته، يقول النائب البرلماني عن الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل محمد حاكم، لـ"عربي21": "إن الأزمة ليست جديدة وأنها عالقة من سنوات طويلة، واستبعد أن تؤدي إلى تصعيد فوق العادة بالنظر إلى علاقة البلدين الشعبية ومصالحهما المشتركة على المستوى السياسي والاقتصادي".

وأضاف: "بين السودان ومصر علاقات أزلية لن تنقطع حتى لو تعالت مستويات التوتر السياسي".

وأشار إلى أن مسألة النزاع حول حلايب تحتاج إلى حوار دون وسيط، لأن العلاقة القوية التي تربط البلدين تمكنهما من التوصل إلى اتفاق يراعي علاقات القربى الشعبية والمصالح المشتركة على كافة الأصعدة.

وظل مثلث "حلايب" الحدودي، خميرة عكننة في علاقات البلدين الرسمية منذ استقلال السودان في العام 1956م، حيث يقع المثلث على ساحل البحر الأحمر الذي يضم ثلاث مناطق (حلايب ـ شلاتين ـ أبو رماد) في مساحة تبلغ 20 ألف كيلو متر مربع.

وترى الخرطوم أنه لحل هذه الأزمة، التفاوض المباشر أو التحكيم الدولي، لكن القاهرة ترفض التحكيم الدولي.

بينما يرى الباحث في العلاقات الافريقية عباس محمد صالح في حديث لـ"عربي21" أن مسألة حلايب حساسة بالنسبة للطرفين؛ بعد سابقة "تيران" و"صنافير"، وأن قضية حلايب ستظل عقدة في علاقات دولتي وادي النيل وما لم يجد البلدان سبيلا لذلك، ستلقي بظلالها السالبة على أي تقدم يتم إحرازه في مجالات أخرى من هذه العلاقات.

وأوضح أن السودان مستمر في تمسكه بمواقفه المعروفة تجاه قضيته في حلايب، وتبقى القضية ورقة تثار عند الضرورة، فيما لن يكرر النظام المصري الحالي، والذي يقدم نفسه كحام وحيد للتراب المصري، ويزايد على الآخرين في ذلك، ما قام به من تسليم جزيرتي "تيران" و"صنافير" للمملكة العربية السعودية، وبالتالي لن يقبل أي من السيناريوهات المطروحة لحل هذه القضية كاللجوء إلى التحكيم الدولي أو التفاوض الثنائي مع السودان أو إعادة المثلث للسيادة السودانية.

على الرغم من تعقيدات القضية وحساسيتها، يرى صالح أن ما يجمع بين البلدين من مقومات التكامل أكبر مما يفرقهما ويمكنهما جعل "حلايب" نموذجا لحل الخلافات الحدودية وكذلك للتكامل الثنائي الفعال في زمن التكتلات الإقليمية، فضلا عن التحديات التي تخضع في هذا الاتجاه.

في تحليله لما يجري بين الخرطوم والقاهرة، يقول المحلل السياسي الدكتور كباشي البكري إن حلايب تعد أبرز ميدان للانعكاسات والمزايدات السياسية بين البلدين وثيرومتر لقياس التفاعلات السياسية بين الخرطوم والقاهرة والاتجاهات والتحولات والمتغيرات وإلى أين تسير رياح السياسة بين الجارتين.
 
وأضاف: "كانت أول مهمة خارجية للفريق أول عوض ابن عوف النائب الأول للرئيس السوداني برفقة الفريق أول صلاح قوش مدير جهاز الأمن الوطني إلى القاهرة منتصف هذا الشهر ولقائهم الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي وتبادلهم وجهات النظر تجاه القضايا التي تهم البلدين، وأن يعقب اللقاء (أقل من أسبوع) الإعلان المصري الأخير بفتح عطاء دولي لاستكشاف واستغلال النفط والغاز في المثلث المتنازع عليه"، مشيرا إلى أن هذا التطور بالضرورة يضرب بالاتفاقيات والتفاهمات السياسية عرض الحائط.

ورأى البكري أن التطور الأخير غير بعيد أيضا من التفاعل السياسي بين القاهرة والخرطوم الذي باتت تحركه وتحدد مساراته التقاطعات الإقليمية وصراع المحاور الكبير الذي يلقي بظلاله على كل المنطقة ويتفاعل الجميع معه، مبينا أن البلدين ليسا بمعزل عن هذه التقلبات والأحداث والمتغيرات المهمة المتسارعة، فالكثير من التقاطعات السياسية تشكل وتكون مواقف الحكومتين في القاهرة والخرطوم فهما تشكلان الضلع الأكبر في محيطهما الإقليمي الذي يشكل مسرحا هاما ومتنفسا لما يحدث في افريقيا والشرق الأوسط.

ويخلص البكري إلى أن المؤشر الأكثر خطورة في مسار علاقة البلدين، يتمثل في رهن العلاقات الأزلية بتفاعلات المحاور الإقليميه المتابينة المتغيرة لما فيه من انتقاص من السيادة الدولية للبلدين، وتعريض هذه العلاقات لخطر يهدد استقلالية الإرادة السياسية في المواقف.

 

إقرأ أيضا: خمسة ملفات شائكة بين القاهرة والخرطوم