كتاب عربي 21

عصيّة طوروس: داء الحكّام اللذيذ

1300x600

حوّل عبد الفتاح السيسي نفسه من رئيس إلى شبه ملك، وجمهورية مصر إلى مملكة تقريبا، بالتعديلات الدستورية، وذو اللب يبحث عن تفسير، أو يقرص نفسه ليعرف أهو في علم أم في حلم.

 

أجّر الأسد سوريا على العظم للغزاة وشيعته (أي موالوه) يحملون صور المستعمرَين بوتين وخامنئي في عيد الجلاء، وهذا أمر يضع العقل في سلة المهملات!


إلا أن ذلك لا يمنع من الاستعانة بقصة لعزيز نسين لجلاء الإشكال، لاحقا حوّل نسين قصته إلى مسرحية ومُثلت في السينما، وهي قصة نمط الشبيه، وتروي تحولات رجل مسكين مديون يشبه في الهيئة مجرماً فاتكاً معروفاً، فيجلّه الناس ويوقرونه ويعظمونه كي يتجنبوا شره ويقدمون له الهدايا، والهدية الكبرى هي التعظيم، فيجد نفسه مضطراً بعد معارضة وممانعة ومقاومة إلى تقمص الشخصية.

 

والشرطة بمساعدة الإعلام يصنعان أسطورة وحش طوروس الجديد المزيف، أليست الديمقراطية موافقة هوى الناس.

 

كل الروايات العالمية والعربية تروي قصص تحولات بطل، مثل عاشور الناجي الذي صعد إلى البطولة من حمّال إلى فتوة في "الحرافيش"، و"حضرة المحترم" من محترم إلى شخشيخة، بالتدرج خطوة خطوة، لكن تحول وحش طوروس تحولٌ سريع ومن أقصى الضعف إلى أقصى القوة بالوثب العالي القسري أو بالدفع من فوق برج.


تفيد صور بشار الأسد الذي أبعده والده عن السياسة خوفاً من الصراع بين الأخوة على "التاج الجمهوري"، إنه كان خجولاً يخشى العدسة وهي غير المرض القديم، وله فيديو وهو يقف على قبر أخيه باسل خجولاً من أجل الوداع الاخير، متأخراً، فيبادر والده إلى دعوته للتقدم أمام الكاميرات على غير معهود والده في المجاهرة بفعل عفوي، ثم وجدنا الأسد رئيساً فلا دستور كتب و لا قانون دوّن، ثم فعل الإعلام الرسمي فعله بمؤازرة المسدس، فاشتد النفاق الشعبي إلى أن وجدنا ذلك الخجول يمشي على جثث الملايين بعد سنوات من الحرب والدمار، وينكر البراميل من غير أن يرف له جفن، ويقوم بإعادة أنصاب أبيه وأخيه إلى الساحات والشعب يتضور من الجوع ويرتجف من البرد.


السيسي مختلف قليلاً في درجة الإصابة بعصيّة “وحش طوروس" وأعلى رتبة، فالأغلب أنه كان يمثل ويمكر منذ أن كان رئيس مخابرات، كل تصريحاته ومشاهده التي ظهر فيها تدل على الزهد والنسك، بل إن تصريحاته وأيمانه المغلظة الكثيرة تقول ذلك، ثم وجدناه يغدر بالرئيس المنتخب ويحنث بذلك القسم وهو الذي جاء فيه: "أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصاً على النظام الجمهوري، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقلال الوطن وسلامة أراضيه".

 

فأفسد النظام الجمهوري، وافترس مصالح الشعب افتراساً كاملاً، وأهدر استقلال الوطن وسلامة أراضيه.

 

وما لبث أن ظهرت عليه علائم متلازمة وحش طوروس، فقد حوله الإعلام إلى أسطورة، فهو ذكر، وجذاب، وفيلسوف، ونبي، ولا يعرف التاريخ المصري الحديث كل السفه في تعظيم رئيس لا يبدي ولا يعيد.


حفتر صناعة خارجية صرفة، اصطادت له الصناعة الداخلية والخارجية عصية طوروس، فهو قليل الكلام، صنّاع دميته السياسية يدركون هيبته في البدلة العسكرية؛ الطول والنياشين البراقة والحضور الشكلي، ثم جاء هاتف ترامب في عيد الفصح، فكأنما نزل عليه وحي وقام حقاً قام بعد هزائم عسكرية.

 

هؤلاء نسخ مطورة من وحش طوروس المزيف، فبطل وحش طورس كان طيباً مسكيناً، وهؤلاء قادة عسكريون وأبناء ملوك.


ساهمت الدولة في صناعة الصورة الطوروسية فوظفت المثقف المدجج بالمصطلحات العلمية والنفسية والسياسية، والشيخ بالآيات والأحاديث والرقائق، والقس بالكهنوت والظلمات، لدعم اسطورة الوحش المزيف. 


يقول بريمر إنه عندما ذهب مندوباً إلى العراق عن الاحتلال الأمريكي كان مذعوراً من العراقيين وبأسهم لكنه فوجئ بهم يتوسلون إليه طمعا في حصة من السياسة أو الأموال وهم يجلسون على كنوز العراق، فصنعوا من بريمر وحش طوروس. 


مثلت قصة "وحش طوروس" في السينما التركية والمصرية، الفلم المصري من تمثيل نور الشريف، وهناك فلم آخر عن الطوروسية الروحية أو النفسية غير العضلية هو فلم "البيضة والحجر" بطولة أحمد زكي، وفيه يجد أحمد زكي نفسه بطلاً في السحر والتنجيم والكهانة، فيلعب الدور مضطراً، ثم يستحليه ويستعذبه.

 

وحش طوروس المزيف، وعجزه تظهر في حالة السيسي، في ضعفه العقلي الخطابي وصعوبات التعبير والنطق وكثرة القسم، وفي حالة حفتر في التقاعد والتاريخ المرذول والتعويض بالصورة مشياً على السجاد الأحمر أو سفراً في طائرة او الجلوس مع الملوك العرب.


تجري تحويلات معاكسة لتحولات وحوش طوروس كالتي طرأت على الرئيس الطيب للشعب الذي كان بطلاً مثل وحش طوروس الحقيقي، فالوحش الأصلي يغدو جباناً مسكيناً، لا يريد سوى رغيف الخبز والسلامة، وكان في سوريا يمشي من الحيط إلى الحيط، وقد سقطت الحيطان لكنه لا يزال يمشي جنب الأنقاض من أجل السترة. هناك جملة كان يكررها السوري معناها مقلوب تشبه الأضداد في العربية: ما "بخاف" غير من الله. والحق إنه كان يخاف من كل أحد إلا الله!


نجا الطغاة التقليديون أمثال الأسد ومبارك والقذافي الذين وصلوا في ماراتون الدم إلى قصور الحكم بجهودهم ومكرهم، "الطوروسية" مرض الطغاة الجدد الذين ولدوا وفي أفواههم ملعقة ذهب.