قضايا وآراء

بِمَ تبشّر مجريات الأحداث في قطاع غزة؟

1300x600
ليس بالأمر الجديد أن تبالغ دولة الاحتلال الإسرائيلي في استخدامها للقوة المفرطة ضد قطاع غزة هذه المرة، فقد اعتاد العالم على بطش آلة الإجرام لدى دولة الاحتلال، واستهدافها للأحياء السكنية ومنازل المدنيين ومؤسسات الإغاثة، بالإضافة إلى هجومها المسعور على مكاتب ومقرات وسائل الإعلام التي تبث عين الحقيقة داخل قطاع غزة، وتدميرها للفضائيات المناصرة للحق الفلسطيني..

واليوم يقدم هذا الكيان حلقة جديدة من مسلسل العدوان على قطاع غزة، من خلال قتله للطفلة الفلسطينية الرضيعة صبا عرار ووالدتها الحامل، واستهدافه جموع المدنيين، ومكتب وكالة الأناضول التركية، وإصراره على إسكات الحقيقة، رغم أصوات الشجب والاستنكار التي تبلورت على ألسنة المسؤولين الأتراك بعد استهداف وكالة الأناضول هناك..

والمراقب عن كثب للأوضاع الميدانية والعسكرية والسياسية في قطاع غزة، يقوده الغليان هناك إلى عدة دلالات وبشريات، منها:

أولاً: الالتفاف الشعبي الواضح حول خيار الرد على جرائم الاحتلال، وتأييد غرفة عمليات المقاومة في إطلاقها رشقات الصواريخ باتجاه المواقع الإسرائيلية، لعل الرسالة تصل جيداً إلى العمق الإسرائيلي، بأن صواريخ المقاومة الفلسطينية قادرة اليوم على إحداث بلبلة في الأوساط الإسرائيلية، وبث حالة من الهلع والقلق في صفوف الإسرائيليين على كافة الصعد، وبأن غزة لن تكون الوحيدة في فقدانها للأمن إذا ما تفجرت الأوضاع، بل سيكون المستوطنون في القرى والبلدات الإسرائيلية المحاذية لقطاع غزة تحت مرمى الصواريخ أيضاً، لا سيما أنّ وزير الداخلية الإسرائيلي نشر على حسابه في تويتر صورة له مختبئاً في الملجأ، وينتظر رأفة المقاومة الفلسطينية للخروج منه، كما التقطت بعض العدسات مشاهد لمراسلي بعض القنوات الإسرائيلية وقد أصيبوا بالهلع والخوف الشديد، نتيجة سقوط صواريخ المقاومة الفلسطينية على مقربة منهم..

ثانياً: تثبت الأحداث الأخيرة في قطاع غزة أنّ قسطاً كبيراً من المدنيين، وخاصةً الشباب منهم، قد علّمتهم ضراوة الحصار وضنك الحياة هناك، فنَّ التعامل مع الصواريخ والغارات الإسرائيلية. فأمارات اللامبالاة واضحة تماماً على وجوههم، وشيءٌ من الحياة الطبيعية يخيّم على الأجواء في قطاع غزة بين الفينة والأخرى، وكأن شيئاً لم يحدث، وقوافل حملة الوفاء الأوروبية التي وصلت قبل أيام إلى غزة، تواصل توزيع المساعدات الإنسانية والإغاثية والعلاجية على أبناء القطاع المحاصر، رغم تساقط الصواريخ على الأحياء والمباني السكنية.

وخيرُ دليلٍ على صحة هذا القول، ما جاء على لسان نائب رئيس الكنيست الإسرائيلي موئير كوهين، الذي قال: "في الوقت الذي يعيش فيه أبناء قطاع غزة حالة من الابتهاج والفرح بسبب سقوط الصواريخ الفلسطينية على بلداتنا، تخيّم أجواء الرعب والقلق على المستوطنات الإسرائيلية التي تقع في مرمى تلك الصواريخ"..

ثالثاً: كل من يراقب الأوضاع الأخيرة في قطاع غزة، يعي تماماً أنّ المقاومة الفلسطينية اليوم أصبحت جزءاً من الحل، ولم تعد دولة الاحتلال قادرة على امتلاك خيار الحرب وإنهائها في الوقت الذي تريده، بل أصبحت المقاومة طرفاً أساسياً في تهدئة الأوضاع هناك، لا سيما أنها أصدرت بياناً تقول فيه إنها سوف تصعّد في استهدافها البلدات الإسرائيلية، رداً على تصعيد دولة الاحتلال واستهدافها للمدنيين والمنازل والأحياء الشعبية. وبهذا تتمكن المقاومة الفلسطينية من الذهاب بعيداً إلى ما وراء التوقعات الإسرائيلية، وذلك بدعم جماهيري واسع النطاق، بلغ ذروته في المسيرات التي خرجت تحت القصف تهتف للمقاومة، وتطالبها بالرد على جرائم دولة الاحتلال وعدم السكوت والخضوع، الأمر الذي دفع بدولة الاحتلال إلى درجة الجنون، وجعلها تستخدم قوتها المفرطة ضد المدنيين والأطفال ووكالات الأنباء..

رابعاً: إصرار دولة الاحتلال في كل مرة على استخدام العقلية الإجرامية في تعاملها مع أي طارئ على قطاع غزة، جعلها تفقد أنصارها في المجتمع الدولي، مما أدى إلى ازدياد أعداد المناصرين للقضية الفلسطينية، رغم ازدواجية المعايير التي تعمل بها بعض الأنظمة الدولية الداعمة لدولة الاحتلال..

فعلى سبيل المثال، دعت المتحدثة باسم الاتحاد الأوروبي إلى وقف التصعيد في قطاع غزة وعدم استهداف المدنيين، وتفضيل الحل السياسي على الخيار العسكري، وطالبت الفلسطينيين بعدم إطلاق الصواريخ من قطاع غزة باتجاه القرى الإسرائيلية، في حين أنها لم تطلب بشكل واضح من مسؤولي دولة الاحتلال الكف عن استخدامهم العنف ضد المدنيين هناك، في انحيازٍ واضح لدولة الاحتلال. ولكنّ هذه الازدواجية لا تمثل الموقف الأوروبي كَكُلّ، بل إن ملامح المقاطعة الأوروبية لدولة الاحتلال بدأت تظهر في الأفق، بعد ظهور نداءات من عدة أحزاب أوروبية تطالب بوضع حد لتجاوزات دولة الاحتلال، ورفع الحصار المفروض على قطاع غزة، وإجبار دولة الاحتلال على إعادة الحقوق لأصحابها، وما كان هذا ليحصل لولا الحراك السياسي الذي يقوم به فلسطينيو أوروبا، والذي يتم من خلاله تسليط الأضواء على جرائم دولة الاحتلال بحق الفلسطينيين، والتي تمتد تاريخياً منذ نكبة فلسطين عام 1948 وحتى يومنا هذا..

وبهذا تكون دولة الاحتلال الإسرائيلي هي الخاسر الوحيد في كل معركة تشنّها ضد قطاع غزة، فليس دائماً يتعلق ميزان الربح والخسارة بأعداد الضحايا، بل إنّ غزة تقلب الموازين اليوم لتكون هي المنتصر الوحيد في كل عدوان يطال القطاع..