ملفات وتقارير

محاكمة بورقيبة بجريمة اغتيال سياسي تثير جدلا في تونس

اعتبرت شخصيات من أنصار "التيار البورقيبي" أن المحاكمة تكتسي بعدا سياسيا، فيما رأى آخرون أن الجرائم لا تسقط بالتقادم- جيتي

فجرت أولى جلسات الدوائر القضائية المتخصصة في العدالة الانتقالية بتونس للنظر في قضية اغتيال الزعيم السياسي المعارض صالح بن يوسف جدلا واسعا، بعد توجيه تهمة القتل للرئيس الراحل الحبيب بورقيبة رفقة مجموعة من معاونيه.

واعتبرت شخصيات سياسية من أنصار "التيار البورقيبي"، أن المحاكمة التي جاءت بعد 58 عاما على وقوع الجريمة، تكتسي بعدا سياسيا ونزعة انتقامية، فيما رأى آخرون أن مسار العدالة الانتقالية يجب أن يتواصل بغض النظر عن الأشخاص، وبأن الجرائم لا تسقط بالتقادم.

وقاد ابن يوسف الحراك الوطني ضد الاستعمار الفرنسي إلى جانب رفيق دربه بورقيبة، ضمن ما سمي بـ"الحزب الحر الدستوري الجديد"، لكن تصاعد الخلاف بينهما حول وثيقة الاستقلال الداخلي عجلت بالقطيعة ثم الصدام.

وتم إصدار حكم الإعدام بحق صالح بن يوسف في مناسبتين الأولى سنة 1957 والثانية في 1958، إثر محاكمات قادها النظام البورقيبي ووصفت بالصورية والمفبركة، فيما قضى الراحل باقي حياته في المنفى قبل أن تتم تصفيته في ألمانيا.

وتتهم عائلة ابن يوسف بورقيبة رفقة شخصيات سياسية وأمنية بالتورط في اغتيال والدهم، الذي قتل بمدينة فرنكفورت في 12 آب/ أغسطس 1961، فيما ظلت القضية طي النسيان، لتفتحها مجددا هيئة الحقيقة والكرامة بعد الثورة.

"إعادة كتابة التاريخ"

واعتبر عفيف بن يوسف محامي عائلة الراحل في حديثه لـ"عربي21" أن القضية لا تكتسي بعدا سياسيا، بل تأتي ضمن مسار العدالة الانتقالية، ورغبة عائلة الضحية في إعادة كتابة التاريخ بشكل صحيح، ومحاكمة الجناة.

وأوضح أن القضية تشمل ستة متهمين لازال بعضهم على قيد الحياة، وآخرون تم حفظ حق التتبع بشأنهم بسبب وفاتهم، ومنهم الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة المتهم بإصدار الأوامر باغتيال ابن يوسف.

وأكد المحامي أنه خلال الجلسة الأولى تم الاستماع لشهادة نجل صالح بن يوسف، الذي يعيش في الولايات المتحدة، فيما طالبت هيئة الدفاع بإحضار المتهمين الثلاثة الذين لازالوا على قيد الحياة، وتم تأجيل القضية إلى تاريخ 7 تشرين الأول/أكتوبر القادم.

"تصفية حسابات"

وأدانت شخصيات سياسية وقائع الجلسة الأولى لمحاكمة قتلة ابن يوسف عبر تدوينات غاضبة على فيسبوك، معتبرة أنها إهانة بحق الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة، ولا تخلو في باطنها من تصفية حسابات.

ووصف القيادي في "نداء تونس" ناجي جلول المحاكمة بأنها "محاولة يائسة لطمس الذاكرة الوطنية"، وتابع في تدوينة أخرى: "أناس لا يؤمنون بالدولة الوطنية يحاكمون الدولة تحت غطاء محاكمة بورقيبة".


 

واعتبر الأمين العام لحركة "تحيا تونس" سليم العزابي، أن "العدالة الانتقالية في تونس انحرفت عن مسارها وتحولت إلى عدالة انتقامية، لتحقيق أغراض سياسوية دنيئة هدفها الوحيد تشويه مسيرة ونضال الزعيم الحبيب بورقيبة". 

وحذر في تدوينته، من استغلال القضية لإفشال المصالحة الوطنية الشاملة والعدالة الانتقالية، مؤكدا تفهمه لرغبة عائلة ابن يوسف في الكشف عن ملابسات الاغتيال.

 

 

 

مقابل ذلك، جدد الرئيس السابق المنصف المرزوقي مطالبته بكشف الحقيقة عن حقبة وصفها بالمظلمة في تاريخ تونس، مشددا على أن المحاكمات التي تتم ضمن مسار العدالة الانتقالية، هدفها إنصاف ضحايا الاستبداد وطي صفحة الماضي.

وتابع في تدوينة مطولة: "عودوا إلى الشهادات الحية في الاجتماعات العلنية للحقيقة والكرامة، تذكروا أقوال النساء والرجال والعسكريين ومدى شهامتهم وهم لا يطلبون إلا الحقيقة وردّ الاعتبار".

 

وتابع في تدوينة له: "هي رسالة صريحة بأن عصر طمس الحقيقة ولّى، وأنّ عصر الإفلات من العقاب آن أوان طيّه في تونس".

وخلص المؤرخ عبد الجليل بوقرة إلى أن الدولة التونسية أعادت الاعتبار لصالح بن يوسف منذ ثلاثين عاما، بعد أن أعادت رفاته من مصر ليدفن بمربّع الشهداء بمقبرة "الجلاز" بالعاصمة.

وقال في تدوينة له، إن الرئيس المخلوع ابن علي، كرم أرملة ابن يوسف وتم تعويضها من قبل الدولة التونسية، وأطلق اسمه على أحد شوارعها.