كتاب عربي 21

صفقة القرن والسلطة الفلسطينية.. هل يكفي إعلان الرفض؟!

1300x600

تتخذ السلطة الفلسطينية موقفا معلنا رافضا لما بات يُعرف بـ"صفقة القرن"، ومن المرجّح أنّ قيادتها على اطلاع جيد على الخطوط العريضة لهذه الخطّة، بل وعلى قدر لا بأس به من تفاصيلها. وهي، وعلى ضوء هذا الاطلاع، فإنّها لا تملك إلا أنّ تصدر موقفا رسميّا رافضا، عبّرت عنه على نحو أكثر عملية برفضها المشاركة في ورشة البحرين الاقتصادية؛ التي تُعدّ التمهيد الاقتصادي لبقية الصفقة.

على أيّ حال، ومهما كانت تفاصيل الصفقة التي يجري تسريب بعض مضامينها في الإعلام، بين حين وآخر، فإنّها في مجملها لا تتجاوز تكريس الوقائع الإسرائيلية على الأرض، وترسيمها قانونيّا بالاعتراف العربي والفلسطيني، مع وجود نمط من الإدارة الذاتية الفلسطينية الخاضعة للسيطرة الأمنية الإسرائيلية، مع احتمالات ربطها بالمملكة الأردنية الهاشمية، وفي إطار ما يسمّيه نتنياهو "السلام الاقتصادي"، بمعنى أنه سوف يُرشى الفلسطينيون بالرفاهية الاقتصادية مقابل تنازلهم عن حقوقهم السياسية.

 

سوف يُرشى الفلسطينيون بالرفاهية الاقتصادية مقابل تنازلهم عن حقوقهم السياسية

أمّا الشكل السياسي النهائي فيمكن تجميله ببعض التسميات التي لا تمسّ جوهر الرؤية الإسرائيلية، والتي مفادها استمرار الاحتلال الإسرائيلي استيطانيّا وأمنيّا للضفة الغربية، والتسليم بـ"إسرائيلية" القدس بشقيّها الغربي والشرقي نهائيّا، وبالتأكيد دون عودة اللاجئين. وهكذا، يمكن أن نسمي هذه صفقة.. صفقة "التنازل العربي عن فلسطين"، أو التطبيع العربي مع "إسرائيل"، دون استرجاع الحقوق العربية والفلسطينية، وهنا ينبغي أن نتذكّر أن الولايات المتحدة اعترفت أخيرا بالسيادة الإسرائيلية على الجولان، بعدما اعترفت بها على القدس!

صفقة هذا جوهرها، بصرف النظر عن بعض التفاصيل أو الحيثيات أو التسميات، لا يمكن للسلطة الفلسطينية إلا رفضها، إلا أنّ هذا الرفض قد ينطوي على قبول ضمني، ما لم يستند الموقف الرسمي المعلن إلى أشكال أخرى من التعبير عن الرفض تدفع الإسرائيليين وداعميهم في البيت الأبيض، وبالضرورة قيادة قاطرة التطبيع العربي، لإعادة النظر في فرض هذه الصفقة على الفلسطينيين.

منذ بدايات اتضاح معالم صفقة ترامب، ولا سيما وحين الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على القدس، والتوقيع على قرار نقل السفارة الأمريكية إلى القدس.. والحالة النضالية في الضفّة الغربية تراوح مكانها، باستثناء الهبّات الشعبية المحدودة وغير المؤطّرة ولا المستثمرة، والعمليات الفردية، وبعض العمليات المسلّحة التي وقفت خلفها حركة حماس، لكنّ المقاومة الشعبية الشاملة والواسعة بما أنّها الشكل النضالي الذي تبنته حركة فتح في السنوات الأخيرة في إعلاناتها الرسمية، وكذلك مؤسسات منظمة التحرير.. لا أثر لها في الواقع خارج تلك الإعلانات، وهو الأمر الذي دفع نتنياهو وإدارة ترامب للتأكيد على المضي أكثر نحو إنفاذ هذه الصفقة، بعد مراقبتهم للمشهد الفلسطيني وأدوات القيادة الفلسطينية في مواجهة التحديات منذ ذلك الوقت وحتى الآن.

 

لا يمكن للسلطة الفلسطينية إلا رفضها، إلا أنّ هذا الرفض قد ينطوي على قبول ضمني، ما لم يستند الموقف الرسمي المعلن إلى أشكال أخرى من التعبير عن الرفض تدفع الإسرائيليين وداعميهم

طوال السنوات الخمس الماضية، ومنذ هبّة الطفل محمد أبو خضير في القدس، والعدوان الكبير على غزّة، والفرص تتوالى على الصعيد النضالي، لإمكانية إدارة حالة كفاحية ضاغطة على الاحتلال وكابحة لمشاريع نتنياهو/ ترامب. فقد أطلق الفلسطينيون عددا من الهبّات المحدودة، التي لم يتقدّم إليها أحد لتعظيمها وتأطيرها وإدامتها ومدّها وتحويلها إلى أداة ضغط فلسطينية، والفصيل الفلسطيني الوحيد الذي كان يمكنه أن يفعل ذلك، أو يفترض أنه يمكنه ذلك، هو حركة فتح، باعتبارها الأكثر قدرة على الحركة في الضفة الغربية بحكم علاقتها الخاصّة بالسلطة وعدم استهدافها من الاحتلال.

لم تتجاوز المقاومة الشعبية إذن أن تكون شعارا في إعلان؛ لضرورات تجميل الممارسة السياسية. وفي حين ينبغي أن تَفرض مآلات مشروع التسوية الكارثية إعادة نظر في المشروع برمّته، وتدفع نحو تحقيق وحدة وطنية يستند إليها النضال الفلسطيني، فإنّ الخيارات السياسية ظلّت على النقيض من ذلك تماما.

 

لقد جاءت صفقة القرن في وقت كانت فيه القيادة الفلسطينية قد حطّمت فيه أهمّ أسلحتها التي يمكنها بها مواجهة هذه الصفقة، كما أن طول الأمد على واقع السلطة دون تحوّلها إلى أفق سياسي

وبالعودة قليلا إلى الوراء، فإنّه ينبغي القول إنّ إغراق الفلسطينيين في نمط استهلاكيّ يتعارض بالمطلق مع الواجب التاريخي الملقى على الفلسطينيين لإنهاء الاحتلال.. لا يصبّ إلا في خطّة السلام الاقتصادي لبنيامين نتنياهو، فضلا عن تحييدها للجماهير الصراع، وإفضائها إلى ثقافة مجتمعية منفصلة عن الصراع ومتطلباته. وفي السياق نفسه، يأتي إنهاء الطابع التحرري لحركة فتح وربطها عضويّا بمشروع السلطة، وتحطيم فصائل المقاومة، وتجريف منابر العمل الوطني.

لقد جاءت صفقة القرن في وقت كانت فيه القيادة الفلسطينية قد حطّمت فيه أهمّ أسلحتها التي يمكنها بها مواجهة هذه الصفقة، كما أن طول الأمد على واقع السلطة دون تحوّلها إلى أفق سياسي أرقى جعل مجرد وجودها هدفا قائما في ذاته ومحكوما بالشرط الإسرائيلي، وبالتالي، وفي أحسن الحالات القائمة، فإنّ واقع الحال هو السلبية العملية إزاء هذه الصفقة التصفوية.

لا يعني ذلك أن تعديل المسار مستحيل.. لكن الإجابة معلّقة بالإرادة وعافيتها.