قضايا وآراء

سقوط نظرية ابن سلمان والسبهان في احتواء الشيعة في العراق!

1300x600

لا ندري كيف كان ردّ فعل ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان؟ وأين توارى مستشاره الأثير لشؤون العراق، الوزير ثامر السبهان؟ عند اعتراض الوفد العراقي برئاسة رئيس الجمهورية برهم صالح، على البيان الختامي للقمة العربية في مكة، والإثنان: الأمير والوزير، أسهما بدفع الرياض إلى منح حكومة بغداد، مليار دولار، مساعدة لها، وأشرفا على عقد 13 اتفاقية تجارية بين البلدين، لإنعاش الاقتصاد العراقي، المنخور بالفساد والاختلاسات.

 

موقف صاعق

أغلب الظن أن ولي العهد السعودي صعق من الموقف الحكومي العراقي الذي كان سريعاً، بحيث وصلت مذكرة الاعتراض العراقية إلى الأمين العام للجامعة العربية أبو الغيط، وهو يتلو البيان الختامي للقمة، كما ذكرت وسائل الإعلام الرسمية العراقية. وكان واضحاً من نص المذكرة، أن الاعتراض العراقي كان على مضمون البيان بالكامل، وليس على الفقرات المتعلقة بشجب التدخلات الإيرانية في شؤون الدول العربية، كما أشارت بعض الصحف السعودية، التي حاولت التخفيف من وقع الاعتراض، الذي شمل النص الكامل للبيان، من البداية إلى النهاية، مع تثبيت عبارة استفزازية، وردت في آخر المذكرة العراقية المعترضة تقول: إن الوفد العراقي لم يسهم في صياغته، في تهكم واضح على البيان، وسخرية منه.

 

اللوبي الشيعي، الذي عمل ثامر السبهان على استحداثه في العراق، وخصص أموالاً طائلة لتوسيعه، كما كان يتوهم، وأقنع ولي العهد السعودي بتبنيه، لم يقم على أسس صحيحة،


أما عرّاب العلاقات السعودية العراقية الجديدة ثامر السبهان، فقد حاول لقاء وزير الخارجية العراقي محمد علي الحكيم، كما نقلت الفضائيات الشيعية استناداً إلى (مصادر مطلعة) في الوفد العراقي، إلا أن الحكيم تهرب من اللقاء، ولم يُولِ اهتماماً لإلحاح الوزير السعودي، في عقد اجتماع ثنائي لخمس دقائق فقط، الأمر، الذي أصاب السبهان بإحباط شديد، وهو الذي كان يعتقد إلى ما قبل يوم أو يومين، أن الحكومة العراقية، تقدّر مواقفه في منحة المليار دولار، ودوره في عقد سلسلة الإتفاقيات التجارية، التي من شأنها، إذا نفذت، سدّ حاجة السوق العراقية إلى كثير من المواد والسلع، وانتفاع العراق من المشاريع الخدمية، التي وعدت الرياض بإقامتها في النجف وجنوب العراق وتحمّل تكاليفها.


وهذا الموقف السياسي العراقي، الذي هو بالضد من السعودية، ليس الأول، فقد سبق لزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، الذي توهّم ابن السبهان، أنه صار في جيب دشداشته البيضاء، ودعاه إلى زيارة الرياض وسط حفاوة بالغة، أن طالب، ببيان رسمي، بتغيير النظام الملكي في البحرين، واستقالة الحكومة اليمنية برئاسة عبد ربه منصور هادي، وهو يدرك تماماً أن هذا البيان يمسّ السعودية في الصميم، بصفتها الشقيقة الكبرى للبحرين، وقائدة مجلس التعاون الخليجي، وزعيمة التحالف العربي، وهكذا راحت المساعدات والمنح المالية السعودية إلى الصدر تندب حظها، مع أن الأخير اعترف بها، ولكن على طريقة (التقية) الشيعية، عندما وصفها بأنها مجرد صناديق (بخور) فاخر!

 

سير في الاتجاه الخطأ

وعندما قلنا وأكدنا إن السعودية، تسير في اتجاهات خاطئة في علاقاتها الجديدة مع الحكومة العراقية، فإننا انطلقنا، من أرضية موضوعية، وملاحظات سياسية ميدانية، استناداً إلى مواقف السلطة وسياسات أحزابها ومليشياتها، التي باتت جزءاً من المؤسسة العسكرية الرسمية من ناحية الرواتب والتجهيزات فقط، حتى وصل الأمر بكتل نيابية مؤثرة في البرلمان العراقي، إلى مطالبة المملكة بتعويضات مالية لمن سمّتهم (شهداء ومعوقي الحشد الشعبي) في مواجهة قوات داعش (الوهابية)، بل إن عدداً من النواب الشيعة أعلنوا في تصريحات موثقة، بالصوت والصورة، أنهم بصدد إعداد قانون في مجلس النواب العراقي وتمريره، يكون على غرار قانون (جوستا) الأمريكي، وتثبيت اسم السعودية، صراحة، كحاضنة ومصدرة للإرهاب، على خلاف القانون الأمريكي، الذي لم يسم السعودية بالإسم، وإنما لمّح إليها.

إن اللوبي الشيعي، الذي عمل ثامر السبهان على استحداثه في العراق، وخصص أموالاً طائلة لتوسيعه، كما كان يتوهم، وأقنع ولي العهد السعودي بتبنيه، على أساس أنه سيكون إلى جانب السعودية ضد إيران، ويعمل على تقليص النفوذ الإيراني في العراق، لم يقم على أسس صحيحة، واعتمد، منذ البداية، على مواصفات مزاجية وانتقائية، وقد سدّ ابن السبهان أذنيه عن نصائح سعت إلى تنبيهه إلى مغبة نشاطه وتبصيره بسوء تحركاته، وأكدت له أنه ماض في طريق محفوف بالمخاطر على بلاده، فجميع الأحزاب والكتل والمرجعيات الشيعية في العراق، ترتبط مع إيران بخيوط متينة، مذهبية وتاريخية، لا يمكن اختراقها أو تحويل مسارها، ولكن الرجل الحالم، الذي كان يتصور أن المال السعودي سيفعل الأعاجيب في الوسط الشيعي العراقي، قد ركب رأسه بعنجهية، بل إنه رفض مناقشة شيخ قبلي عراقي، معروف بأنه محسوب على آل سعود، منذ سنوات طويلة، مجرد مناقشة، قضية إعادة اعمار مطار الموصل، الذي دُمّر تماماً، خلال العمليات العسكرية بين القوات العراقية والأمريكية وتنظيم داعش، بدلاً من تطوير مطار النجف، الذي انتشرت أمام بوابته الرئيسة، لافتات تحمل عبارة (لا نريد دعم الوهابيين لمطار النجف المقدسة)، إلى جانب لافتات أخرى تحتج على افتتاح قنصلية في المدينة، وحملت عبارات صادمة مثل (افتتاح قنصلية سعودية في مدينتنا المقدسة.. يعني وداعاً للأمن في النجف الأشرف)، ونشرت العديد من المواقع وشبكات الأخبار الشيعية في بغداد والنجف، صوراً لتلك اللافتات المذيّلة بتوقيع (أهالي النجف الأشرف) مع تعليقات جارحة.

 

نواب شيعة في البرلمان العراقي بصدد تمرير قانون يُثبّت اسم السعودية، صراحة، كحاضنة ومصدرة للإرهاب.


إن منحة المليار دولار السعودية للحكومة العراقية، تعدّها الأطراف والكتل الشيعية، جزية واجبة الدفع، كما جاء في بيان لعصائب قيس الخزعلي، وتصريحات هستيرية للنائب الشيعي رحيم الخالدي، الذي اتهم السعودية بأنها مصدر جميع المفخخات، التي انفجرت في العراق، منذ عام 2003، وعدّ أيضا الانتحاريين كلهم الذين قُتلوا سعوديين، حتى لو كانوا من جنسيات ودول أخرى.

لقد سقطت نظرية ثامر السبهان في استقطاب الطبقة السياسية الشيعية إلى صف الرياض، وتحييد الحكومة العراقية، في قضية النزاع السعودي الإيراني، في أول اختبار جدّي، والمفارقة أنه وقع في داخل السعودية وفي مكة المكرمة تحديداً، عندما اعترض رئيس جمهورية العراق برهم صالح والوفد الرسمي المرافق له على البيان الختامي للقمة العربية، جملة وتفصيلاّ، وهذا يعني أن وزير شؤون الخليج السعودي والمسؤول عن الملف العراقي، شخص لا يعي ولا يفهم في الشأن العراقي، وصار عبئاً ثقيلاً على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، الذي ما زال يلتزمه مع الأسف، برغم أخطائه المتلاحقة، وخطاياه المتعاقبة.