كتاب عربي 21

"استشهاد الرئيس" و"خطة الأمل".. أحداث كاشفة (12)

1300x600
لا يزال النظام الانقلابي يمارس ألاعيبه؛ حينما يتهم كافة القوى السياسية والمجتمعية، ويجعلها في وضع تكرس فيه حال الانشقاق، وتستند الى عقلية الاستقطاب، وتقوم بشكل أو بآخر بالدفاع عن مظالم كل قوى سياسية على حدة في ما يخصها؛ في شعوبية لا تتحملها أحوال الوطن، بينما تمرر مظالم القوى السياسية والمجتمعية الأخرى.

فليس اعتباطا (حتى لو كان الأمر مفبركا من جانب القوى الأمنية ووزارة الداخلية) أن تؤكد الداخلية في بيانها إحباط "خطة الأمل"؛ فالأمر في حقيقته ليس كما تحكيه تلك الرواية الأمنية المفبركة التي اعتدناها حينما نتوقع حدثا أمنيا جللا آتيا في الطريق، أو قضية مستجدة تكون موضع حديث الناس. فباستدعاء عالم الأحداث بتتابعه، تتشكل بحق أحداث كاشفة لقضايا مهمة ذات معنى وذات مغزى؛ يجب أن نتوقف عندها بربط بين عالم الأحداث، والتعرف على علاقاتها وعلى تأثيراتها في بعضها البعض.

لعل ما أعلن عنه في الآونة الأخيرة عن إحباط "خطة الأمل" يكون أمرا مقصودا. والأمل في الحقيقة ليس عملية مشبوهة وسرية، أو تنظيما يعمل في الليل بأفراد هنا وهناك، أو شركات تمول، وإخوانا ومتهمين من يسار وليبراليين مستهدفين في هذه القضية فتم القبض عليهم؛ ولكن المقصود هو المعنى في قتل كل أمل. وفي حقيقة الأمر أن اغتيال الرئيس مرسي واستشهاده مثّل حالة من الإجماع والاجتماع إلى حد كبير بين الأفراد (على اختلاف توجهاتهم وتنوع التوجه السياسي والمجتمعي) بأن الرئيس مرسي كان مستهدفا، وأن استهدافه من قبل النظام مع الخروج من أي عباءة سياسية إنما يمثل حالة حقوقية وإنسانية. فقد قام النظام بعمل ممنهج في ممارسة القتل البطيء أو القتل العمدي المباشر له.

وأيا كانت الأمور والتحليلات، فإنه من المؤكد أن ذلك الموقف مثّل بارقة أمل في الاجتماع والاصطفاف حول الملف الحقوقي والإنساني في مصر، وملف المعتقلين بكافة أطيافهم وتوجهاتهم؛ مستثمرين في ذلك رمزية الرئيس مرسي، والمطالبات التي تصاعدت بتحقيق محلي (إن لم يكن دوليا) على كافة الأصعدة، ومتابعة هذا الملف بما يستحق من عناية وجدية، هذا في واقع الأمر مثّل بارقة الأمل.

ولكن في واقع الحال فإن النظام الانقلابي بأجهزته الأمنية حينما يستشعر الخطر في الاجتماع والتجمع بتلك المطالبات التي أجمع عليها الداخل والخارج وصارت حالة، استنفر وزارة الخارجية في النظام الانقلابي للرد على كل هؤلاء الذين طالبوا بتحقيق دولي محايد، فماذا يعني ذلك بالنسبة للنظام المستبد؟! حالة اجتماع وتجمع تلوح في الأفق تمثل بارقة أمل، وتجعل ملف المعتقلين على الطاولة من حيث الاهتمام ومن حيث الأولوية.. هذا هو لب القضية، فما كان من النظام إلا أن استخرج من جرابه قضية وهمية؛ قصد بها شق الصفوف وإعلان كل فريق التملص، وانزواء كل طرف في ركن استقطابه يأوي إليه، وقد خال عليه الاتهام.

وفي محاولة إعلامية دنيئة، يضرب القوى الاسلامية وقوى اليسار والقوى الليبرالية بضربة واحدة؛ في إعلان استيقظنا عليه بالقبض على أطراف تعمل عملا سريا، وتتخذ من توقيت الثلاثين من حزيران/ يونيو توقيتا للتحرك ضد هذا النظام! ولك مع استعراض الأسماء التي أُعلن عن القبض عليها، تتكشف حالة عبثية تستعصي على الفهم، ولكنها في النهاية اتهام بالانضمام لجماعة إرهابية أو المساعدة في تحقيق أهدافها.

ومن هنا دارت عجلة الاستقطاب مرة أخرى ما بين سباب وهجاء من كل طرف لطرف، حتى يمكن القضاء على بارقة الأمل في التجمع والتوحد الذي حدث بصورة طبيعية ورمزية حول قضية المعتقلين، والمعاملة في السجون والقتل البطيء، وفاشية النظام الذي لا يستحي أن يطلق على أحد سجونه اسم "سجن المستقبل".. نعم المستقبل بين خطة الأمل في معنى الأمل الذي أُحبط، وسجن المستقبل الذي شُيد ليرمز الى تحويل مصر إلى سجن كبير.

ومن أسف أن انزلق البعض، وقد تناسوا رمزية الاجتماع والاصطفاف في حادثة مقتل الرئيس مرسي، إلى التنابذ والهجاء المتبادل. بل إن مطالعة لهذا البيان الهزيل الذليل الذي خرج باسم من يسمون أنفسهم بـ"القوى المدنية"، والذي يتوسل البراءة من أن يكون مع الإخوان في قضية حتى لو كانت حقا وعدلا.. ذلك البيان الذي طفح بعبارات الذل والهوان ليُقسموا جهد أيمانهم أنهم لا علاقة لهم بالإخوان وأنهم مع الدولة، وتغافلوا عن سياسات النظام الفاشي المعتمدة والممنهجة، والذي لم يعد يقيم حسابا لأي أيديولوجية أو لأي مواقف سابقة أو مساندة سابقة للانقلاب العسكري، طالما أن هؤلاء عبّروا من طرف خفي عن احتجاجهم ومعارضتهم أو تحفظهم على سياسات النظام. المهم في ذلك المقام استطاع النظام أن يعيدنا جميعا بعد اجتماعنا إلى حال تفرقنا، رغم أنه جمع في تنكيله بين هؤلاء وهؤلاء، ولا يعرف كل فصيل أن النجاة لا بد وأن تكون للوطن جميعا وليست بنجاة فئة على حساب فئة.. القول موجه للجميع من كافة الاتجاهات من إسلامييها ويسارييها وليبرالييها.. الكل مستهدف جمعته الزنازين؛ وللأسف الشديد نسينا درس ثورة يناير حينما جمعتنا الميادين.

وفي ذات الأجواء، خرجت علينا الأنباء عن "مؤتمر المنامة"، أو إن شئت الدقة "مؤتمر الندامة" حول صفقة القرن.. يأتي هذا الصغير "كوشنر" ليقود بلاد العرب إلى حتفهم الكبير، في مزاد خطير لبيع وتصفية القضية الفلسطينية، ليمارسوا أيضا كل ما يتعلق بقتل بارقة الأمل أو بقية أمل.. خطة كبرى تربط بين هذا الحادث الأمني وبين اغتيال الرئيس مرسي وبين صفقة القرن، هذا الربط بين هذه الأحداث الكاشفة والفاضحة يشكل ما يراد بأوطاننا؛ فهل سيناء في المزاد؟ وهل الأردن مدعو لأن يبيع؟ ولبنان مدعو كذلك بأن يُسهم في هذه الصفقة الصفعة؟ نعم، فما هذه الأرقام التي ذكرها الصغير كوشنر، رغم تلك التصريحات التي أطلقها ترامب، إلا إيذانا بصفقة قرن تقوم على تصفية القضية وافتتاح الطريق لإعادة فك وتركيب المنطقة بأسرها، في محاولة للتمكين لحلف الصهاينة والثورات المضادة حتى يأمنوا على عروشهم وعلى كراسي سلطانهم.

ومن هنا، فإنني أؤكد على ذلك الرقم الصعب الذي يتناسونه أو يتغافلون عنه، وهو رقم يتعلق بإرادة الشعوب في عملية التغيير والتأثير. إن إرادة الشعوب لا يمكن أن تباع بدراهم معدودة، وإن أرض الوطن ليست محلا للتنازل أو المقايضة، والقضايا الكبرى لا تحتمل إلا المقاومة لا المساومة والمقاولة. ولهؤلاء الذين تصدروا المشهد في بلاد العرب من المتصهينة ومن النخب السياسية الواهنة؛ نقول: فلتنظروا إلى هبة شعب السودان والجزائر، ولتتأملوا هذه الشعوب حينما تتحدث عن السيسي عدو الله وعن تدخل محمد بن سلمان ومحمد بن زايد في شأن هذه الشعوب وثوراتها.. إذا لم تستمعوا إلى هذه النداءات وصرتم هكذا تساقون إلى صفقة قرن وأجهزة أمنية فاشية صناعتها إحباط خطط الأمل، فإننا نترك الفرص التي تتوالى تنفد الواحدة تلو الأخرى لإحداث تأثير نوعي في معركة التغيير الكبير.. إنها الأحداث الكاشفة من عالم أحداث يجتمع علينا وللشعوب أن تقول في النهاية كلمتها.