ملفات وتقارير

دول مستفيدة من أزمة في مضيق هرمز.. ما موقف الإمارات؟

بحر العرب يتمتع بأهمية كبيرة على طرق التجارة الدولية - جيتي

رسم التوتر المتصاعد في مضيق هرمز ملامح قاتمة لمشهد أزمة أوسع نطاقا، في الممر الذي يشكل بوابة لـ30% من إمدادات النفط المنقولة بحرا، نحو الأسواق العالمية.


وكما هو الحال في مختلف الأزمات، فإن هناك أطرافا تتضرر وأخرى تستفيد، سواء أكانت الانعكاسات تتمثل في ارتفاع أسعار موارد الطاقة أو انخفاضها، أو تبدل المصادر والأسواق، أو غيرها.


ولا تتوقف أهمية هرمز عند كونه معبرا مهما لموارد الطاقة، فهو يحتل كذلك موقعا استراتيجيا على طريق التجارة الدولي بين الشرق والغرب، لا سيما بين الصين وأوروبا، فضلا عن منتجين وأسواق أخرى مثل اليابان وجنوب شرق آسيا والهند، من جهة، والشرق الأوسط وشمال وغرب إفريقيا، من جهة أخرى.


وتشكل أوروبا سوقا لنحو 22% من صادرات الصين، بواقع 528 مليار دولار، حسب بيانات موقع OEC الاقتصادي، لعام 2017، فيما يستورد العملاق الآسيوي بما قيمته 299 مليار دولار من القارة العجوز أي نحو 19% من إجمالي وارداته.


وتستفيد الموانئ المنتشرة على امتداد طريق التجارة بين الشرق والغرب من تلك الحركة الكثيفة للسفن المحملة بالبضائع، سواء من حيث تقديم الخدمات اللوجستية أو كل ما يرتبط بعمليات التبادل التجاري، فضلا عن جذبها استثمارات كبيرة وسياحا وفروعا لكبريات الشركات حول العالم.


وبحسب تقرير لمعهد "ستراتفور" الأمريكي، فإن قطاع الموانئ في الخليج العربي يشكل فرصة أمام دول المنطقة للتخفيف من الاعتمادية الكبيرة على النفط، وهو ما تميزت به دولة الإمارات، وإمارة دبي بالتحديد، منذ نهاية التسعينيات.

 

اقرأ أيضا: FT: ما هي تداعيات الأزمة مع إيران على اقتصاد الإمارات؟

وبالفعل، تساهم الموانئ والقطاعات المرتبطة بها بشكل كبير في ثراء دبي، وفي الواقع، فإن قطاع الطاقة بات يساهم بـ5% فقط من الناتج المحلي الإجمالي للإمارة، بحسب وكالة بلومبرغ الأمريكية، فيما ترتبط القطاعات الأخرى بشكل مباشر أو غير مباشر بموقع الإمارات على تقاطع خطوط نقل البضائع والركاب والبنى التحتية المهيئة لهذا الغرض.


الاحتكار والصدام


إلا أن سياسات أبو ظبي توجهت في السنوات الأخيرة نحو احتكار قطاع الموانئ في المنطقة، بغض النظر عن الوسائل، وهو ما ظهر في تدخلاتها بعدة دول، بينها اليمن والصومال وجيبوتي.


وتدير شركة موانئ دبي العملاقة 78 ميناء في 40 دولة حول العالم، لكن الإمارات تبدي عدم اطمئنان إزاء مستقبل احتكارها هذا القطاع في المنطقة، ويظهر من سياساتها استبدال مبدأ الشراكة الحقيقية بالصدام والاستحواذ واللعب على التناقضات الداخلية في مختلف الدول، كما يحدث في تعاونها مع إدارة إقليم أرض الصومال لتطوير ميناء بربرة، متجاهلة الحكومة الشرعية في مقديشو.

 

وعن هذا الموضوع، يرى الكاتب والمحلل السياسي الأردني، عمر عياصرة، إن مشروع الإمارات للسيطرة على موانئ المنطقة أخذ زخما أكبر منذ بدايات الربيع العربي.


وأضاف في حديث لـ"عربي21": "هدف أبو ظبي يكمن في السيطرة التجارية على المنطقة، وتعزيز النفوذ وتضخيم الدور الإقليمي كوكيل قوي ومتنفذ على مختلف المستويات".


لكن أزمة محتملة بمضيق هرمز قد تصب في مصلحة عدة دول على حساب الإمارات، حيث تمتلك باكستان والهند وسلطنة عُمان موانئ يمكن أن تشكل محطات بديلة للسفن التجارية والشركات والاستثمارات.

 

اقرأ أيضا: "بلومبيرغ": تراجع الطلب على ميناء الفجيرة بعد هجوم الناقلات


ومن أهم تلك الموانئ "جوادر" الباكستاني، الذي تطوره الصين ليكون محطة أساسية في رؤية "الحزام والطريق" الاستراتيجية، والقريب في الوقت ذاته من إيران، ما يشكل منفذا تجاريا لطهران يتجاوز مضيق هرمز.


ولا تقل منطقة القرن الإفريقي أهمية في هذا السياق، وقد شهدت جيبوتي العام الماضي صراعا على مينائها بين الإمارات والصين، حيث أنهت جيبوتي امتيازات شركة موانئ دبي، بدعوى "انتهاكها لسيادة الدولة ومصالحها الوطنية"، ومنحتها في المقابل لبكين.


وفي الإطار ذاته، تسببت الازمات والحروب المتتالية بحرمان اليمن من استغلال موقعه الأهم على طرق التجارة الدولية، عبر تطوير ميناءي عدن والحديدة، بل إن الحرب الجارية اليوم تهدد مستقبل البلاد برمته، وسط تساؤلات حول نوايا الإمارات الحقيقية من دورها في الصراع.


وفي الواقع فإن مضيق باب المندب يتمتع بأهمية أكبر على مستوى التجارة غير النفطية من مضيق هرمز، وهو رديف أساسي لقناة السويس التي اشتعلت لأجل السيطرة عليها حرب ذات أبعاد دولية عام 1956.


وتمر عبر باب المندب 12.5 إلى 20% من التجارة الدولية، وكان الرئيس المصري الراحل محمد مرسي يخطط لإنشاء محور اقتصادي على السويس يقدم مختلف الخدمات اللوجستية ويجتذب الاستثمارات والشركات، وذلك لتحقيق أعلى استفادة ممكنة من القناة، إلا أن نظام الانقلاب العسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي لم يأخذ من المشروع سوى "التفريعة"، التي انتقدها كثير من الاقتصاديين، ولم تظهر بعد جدواها الاقتصادية.


خطوة إلى الوراء


وفي هذا السياق، فإنه لا يبدو أن للإمارات مصلحة في تحويل مضيق هرمز إلى منطقة خطر ملاحي، وفقدان أهمية موانئها على طرق التجارة الدولية لصالح دول أخرى، وهو ما قد يفسر توجهها مؤخرا لمحاولة التهدئة مع إيران، متجاوزة حلفاءها في واشنطن والرياض، بحسب تقارير.


وحيال هذه النقطة، يشير "عياصرة" إلى أن تأثر أبو ظبي السلبي بدأ منذ تغير المعادلة في اليمن لصالح الحوثيين، ثم تهديد طهران بأن الإمارات ستكون جزءا من أي حرب تندلع في المنطقة، بل وساحة لمعركتها الأولى؛ هو ما دفع الأخيرة إلى التراجع خطوات إلى الوراء.


ويضيف أن الإمارات لا تريد تعكير صفو مشروعها دون طائل حقيقي، وقد تخوفت من تردد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في الإقدام على مواجهة إيران.


تجدر الإشارة هنا إلى أن "تردد" ترامب، تزامن مع حديثه مؤخرا عن ضرورة أن "تدفع" دول المنطقة لقاء حمايتها من طهران.

 

اقرأ أيضا: ترامب: لسنا بحاجة لنفط الشرق الأوسط ولن نحمي أحدا بالخليج


ويوضح "عياصرة" أن الرئيس الأمريكي ينظر إلى المنطقة برؤية استراتيجية جديدة، حيث استبدل المعادلة الكلاسيكية "النفط + أمن إسرائيل" بمعادلة جديدة هي "أمن إسرائيل + تسليع العلاقات"، مشيرا أن ترامب أعلن صراحة أن نفط الخليج لم يعد يحظى بأهمية كبيرة لبلاده.


وفي كل الأحوال، فقد ازدادت خطورة الملاحة في مضيق هرمز، وربما تسعى الدول المصدرة والمستوردة على السواء، سيما الصين وأوروبا، إلى تسريع عجلة تنويع الخيارات والتدخل لتطوير موانئ مختلفة في المنطقة والعمل على تحقيق استقرار سياسي وأمني فيها، لتجنب السقوط في فخ مغامرات ترامب ورفاقه.