قضايا وآراء

مكافحة الإرهاب (أي الإسلام)!

1300x600
-1-
لا يكاد أحد يتحدث عن "الإرهاب اليهودي"، أو "الإرهاب المسيحي" مثلا، ولكن ثمة غزارة واستسهالا في استعمال مصطلح "الإرهاب الإسلامي"، بل إن الذهن الآن ينصرف إلى الإسلام والمسلمين فور استعمال كلمة الإرهاب، حتى أن ثمة معنى كامنا وخفيا في مصطلح "مكافحة الإرهاب" حيث تختبئ كلمة الإسلام داخل كلمة الإرهاب، ومن السهل استبدال كلمة الإرهاب بالإسلام في أي سياق، وحيثما ترد، ولا تكاد تشعر بأي اختلال للمعنى!

خذ مثلا محاولات عرب ومسلمين (للأسف) لإضفاء وصف الإرهاب على جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس.. إن هذا السلوك منسجم تماما مع محاولات الغرب (أمريكا والحركة الصهيونية) لشيطنة الإسلام والمقاومة على حد سواء، وإلا فأي عاقل يصدق أن الإخوان المسلمين بكل سلميتهم (وربما استسلامهم حتى) يمكن أن يكونوا إرهابيين؟ أما حماس فهي حتى في التشريع الدولي حركة مقاومة نشأت ردا على الاحتلال، وبادرته بشيء من أساليبه دفاعا عن شعبها، ولم تنشأ كالعصابات الصهيونية المسلحة التي أنشئت للاعتداء على أبناء الشعب الفلسطيني الأعزل، وسلبه أرضه، وتهجيره منها!

-2-
الإرهاب ليست ظاهرة عربية ابتداء، وبالضرورة ليست إسلامية، بل يمكن القول إن التاريخ البشري في معظمه قائم على سفك الدماء والحروب، سواء كانت بين أبناء الشعب الواحد (الحروب الأهلية) أو بين شعب وشعب آخر. الإرهاب كمصطلح جديد تمت صناعته في مختبرات الاستعمار الجديد لشيطنة المقاومة، أو أي نشاط مسلح لا يتفق ومصالح الدول الكبرى، وجرى تجريمه وفق القانون الدولي، الذي وضعه المنتصرون بعد الحرب العالمية الثانية، لإدامة سيطرتهم على العالم.

الإرهاب في كنهه هو سلاح فعال لأي مجموعة مقاومة ضعيفة، وبسبب فاعليته شكل تهديدا مباشرا لدول تمارس الإرهاب الرسمي الممنهج، لكنه لا يصنف تحت بند الإرهاب!

الإرهاب في العصر الحديث في منطقتنا تحديدا؛ صناعة إسرائيلية في الأساس، مارسته عصابات القتل اليهودية ضد قوات الانتداب في فلسطين، وضد أهل الأرض من الفلسطينيين، سواء كان على شكل قنابل تستهدف قتل الأبرياء تزرع في الأسواق أو المنشآت العامة، أو على شكل مجازر قتل أعمى لتحقيق أهداف معينة، كتهجير الفلسطينيين من أراضيهم. المقاومة الفلسطينية لم تلجا للعنف المسلح مثلا إلا بعد أن استقوت عليها قوات عسكرية لها اسم "جيش" مارست الإرهاب المنظم، عبر ما يسمى "جيش الدفاع الإسرائيلي" ومارسته فيما بعد قوات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق، وفي غير مكان تحت ستار من الكتمان والسرية. فنصبت حكاما ودعمت انقلابات عسكرية، وأزالت أنظمة، وكان ما سمي فيما بعد "الإرهاب العربي" أو "الإسلامي" أو ظاهرة "الجهاديين" رد فعل على إرهاب الدول الباغية.

معالجة الإرهاب (إن سلمنا بالمصطلح لضرورات الكتابة!) لا تتم بمزيد من الإرهاب، وقد ثبت فشل التحالفات الدولية التي قامت لمحاربة ظاهرة الجهاديين، عبر إعلان الحرب على الإرهاب الذي ألحق بتنظيم القاعدة، واضطرت القوى الاستعمارية الحديثة غير مرة لمحاورة من كانت تسميهم الإرهابيين، كقوات طالبان مثلا، والتحالف الغربي الجديد لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" أو ما عرف باسم داعش؛ لن يتمكن من القضاء على هذه الظاهرة، فحل المنازعات حسبما تنص عليه القوانين الدولية التي وضعها المنتصرون أنفسهم يجب أن يتم بالحوار. فالقتل يجر قتلا، والإرهاب يجر إرهابا. والحل الأمثل لظاهرة الإرهاب، هو دمقرطة المجتمعات ورفع الظلم، والتوقف عن استغلال خيرات الشعوب، وإشاعة العدالة الاجتماعية، وتوزيع الثروة على أبناء الأمة. وبغير هذا، فالظلم هو البيئة الحاضنة للعنف والإرهاب!

الإرهاب صناعة إسرائيلية المنشأ، أمريكية التمويل. لقد حولوا العالم إلى مجزرة مفتوحة. قبل جرائم إسرائيل وأمريكا البشعة، لم يسمع العالم عن هذا النوع البشع من الموت، إنه موت أعمى، يصدر عن ذهنية إجرامية.. ولدت ذهنيات تفننت في القتل، وقطع الرؤوس والأطراف؛ جاءت رد فعل طبيعيا على نمط الموت الأعمى، الذي يستهدف عرسا في أفغانستان حينا، أو بيتا آمنا في الفلوجة، او حيا سكنيا في رفح أو جنين، أو هدم بيوت مواطنين آمنين في القدس أو إزالة قرية في النقب، أحيانا أخرى.. إنها صناعة ممنهجة للارهاب والقتل البشع، الذي لا يفرق بين مقاتلين ومدنيين، وقد يلجأ البعض إلى "تقليد" القاتل في طريقة القتل.

قبل أن يسارع "أصحاب العقل" منا إلى إدانة عمليات الانتقام العربية، عليهم أن يدركوا أن براءة اختراع القتل الأعمى هي للصهاينة والأمريكان أولا، ومن سار على خطاهم، في البوسنة والهرسك وكشمير، وتركستان الشرقية.. قبل أن ندين "الإرهاب" علينا أن نسأل من أين جاءت هذا الجرثومة الخبيثة، ومن يربيها ويكاثرها في الدفيئات، ومختبرات الموت، ويرويها بنسغ الحياة المستخلص من دم أطفال العرب والمسلمين والمستضعفين في الأرض.. ندين القتل الأعمى ونرفضه بالقطع جملة وتفصيلا، ويقشعر بدننا لرؤية أشلاء القتلى وتشمئز نفوسنا لمنظر العنف العشوائي، ولكن لنسأل أولا من صاحب اختراع هذا النمط من السلوك الهمجي المجرم؟