ملفات وتقارير

هذه أسباب فشل "برامج السيسي" في حماية المصريين من الفقر

اقتصاديون: ارتفاع نسبة الفقر في مصر دليل فشل برامج الحماية الاجتماعية التي أطلقها السيسي- أ ف ب/ أرشيفية

كشف تقرير حديث لوزارة التخطيط المصرية أن الحكومة أنفقت أكثر من 1.3 تريليون جنيه على برامج الحماية الاجتماعية خلال السنوات الخمس الماضية.


ونفذت الحكومة المصرية، بحسب وزيرة التضامن الاجتماعي غادة والي، 8 برامج حماية اجتماعية، خلال السنوات الماضية، أبرزها (حياة كريمة، تكافل وكرامة، وبرنامج مستورة، صندوق تأمين الأسرة، وبرنامج "2 كفاية"، وبرنامج "مودة"، ونظام بطاقة الخدمات المتكاملة للأشخاص ذوي الإعاقة).


وفي المقابل، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء في مصر ارتفاع معدلات الفقر في البلاد إلى 32.5 في المئة من عدد السكان بنهاية العام المالي 2017/ 2018، مقابل 27.8 في المئة لعام 2015/ 2016، بنسبة زيادة بلغت 4.7 بالمئة، وهي أكبر زيادة لنسبة الفقر في البلاد منذ 19 عاماً.


وهو ما اعتبره خبراء اقتصاد دليل فشل برامج الحماية الاجتماعية التي أطلقها رئيس سلطة الانقلاب عبد الفتاح السيسي، لكن السؤال لماذا فشلت هذه البرامج في حماية ملايين المصريين من الفقر؟

 

"برامج شكلية"


الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، قال إن برامج الحماية الاجتماعية التي أطلقها السيسي ونفذتها الحكومة المصرية، برامج شكلية من حيث الموضوع ومن حيث عدد المستفيدين منها.


وأكد الصاوي في تصريحات لـ"عربي21"، أن هذه البرامج مفروضة على مصر بحكم اتفاق صندوق النقد الدولي الذي تم توقيعه في أغسطس 2016، وحصلت مصر بموجبه على قرض قيمته 12 مليار دولار، على مدار ثلاث سنوات، موضحا أن غياب الذاتية عن هذه البرامج من قبل الحكومة المصرية، كان سببا في تنفيذها بشكل روتيني أو ورقي لكي تثبت السلطات المصرية لصندوق النقد أنها نفذت برامج حماية اجتماعية.


وأشار الخبير الاقتصادي، إلى أن أموال برامج الحماية الاجتماعية التي يطلقها السيسي، وآخرها كانت مبادرة حياة كريمة، تأتي في إطار قروض من البنك الدولي، وهو ما يشكل عبئا كبيرا على المديونية المصرية، واصفا ذلك بـ"الكارثة".

 

اقرأ أيضا: "معركة المؤشرات".. هل يتعافى اقتصاد مصر أم ينهار؟ (ملف)

والأسبوع الماضي، أعاد السيسي طرح مبادرة حياة كريمة، خلال فعاليات المؤتمر الوطني السابع للشباب الذي عقد بالعاصمة الإدارية الجديدة، بهدف مكافحة الفقر، والارتقاء بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي والبيئي للأسر الأكثر احتياجا في القرى الفقيرة، وتمكينها من الحصول على كافة الخدمات السياسية وتوفير فرص عمل وتعظيم قدراتها الإنتاجية، بما يسهم في تحقيق حياة كريمة لهم.


وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 أطلقت مصر برنامج "تكافل وكرامة"، الذي يمنح مساعدات نقدية شهرية لكبار السن (فوق 65 عاماً)، وممن لديهم عجز كلي أو إعاقة، ولا يستطيعون العمل، أو ليس لديهم دخل ثابت، بقيمة 350 جنيهاً (20 دولاراً تقريباً)، وذلك خلال عملية التنقية التي أجرتها مؤخراً وزارة التضامن الاجتماعي.

 

"الفقر المدقع"


وقال الخبير الاقتصادي عبد الحافظ الصاوي، خلال حديثه لـ"عربي21"، إن برنامج تكافل وكرامة يعطي الحد الأقصى للمعاش 450 جنيها للأسرة وليس الفرد، وهذا يعني أن الأسر المكونة من فردين، ترزخ تحت خط الفقر المدقع، لافتا إلى أن 2 مليون أسرة ممن تقدموا للاستفادة من برنامج تكافل وكرامة لم يحصلوا على هذه الحماية النقدية التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وفقا لبيانات الموازنة العامة للدولة (2018/2019)، التي أظهرت أن عدد الأسر المستفيدة من هذا البرنامج 3.5 ملايين أسرة، وعدد المتقدمين لاستفادة منه 5.5 ملايين أسرة.


وأوضح أن جهاز التعبئة العامة والإحصاء، في تقريره الأخير، تعمد وضع خط الفقر القومي عند معدل 735 جنيها، وهوأقل من معدل البنك الدولي الذي يقدر بنحو 950 جنيها، لكي يخفض نسبة الفقر، مؤكدا أن التقرير لو اعتمد على معدل قياس البنك الدولي للفقر، لكانت نسبته في مصر أعلى بكثير من الأرقام الرسمية المعلنة.


وأضاف الصاوي: "برامج الحماية الاجتماعية ليست مجرد عدد كمي من البرامج، بل يجب أن تمثل سياجا حقيقيا للمستفيدين منها، تحميهم من حياة غير كريمة، وتحميهم من الأمراض، وتدفعهم للتعليم الصحيح، وتؤهلهم لسوق العمل، لكن الواقع غير ذلك".

 

"الجمعيات الخيرية"


وأكد الصاوي، أن الجمعيات الخيرية، التي أغلقها السيسي، كانت تمثل شبكة ضمان اجتماعي واسعة للفقراء، وتقوم بدور كبير في سد حاجة الفقراء، لافتا إلى أن تقديرات الحكومة المصرية لقيمة العمل الخيري في 2007/2008 بلغت 17 مليار جنيه، وهي تتجاوز حاليا هذا الرقم بكثير.


وتابع: "إغلاق الجمعيات الخيرية، ساهم بشكل كبير في تعرية دور الدولة بشأن حماية الفقراء، وحتى الجمعيات الخيرية القائمة حاليا لا تعمل بالكفاءة التي كانت عليها، لأنها تحت رقابة أمنية مشددة، ويحجم الكثير من المتبرعين عن دعم تلك الجمعيات خشية الملاحقة الأمنية أو الاتهام بتمويل الإرهاب".


وبعد أشهر من الانقلاب على الرئيس محمد مرسي في 3 تموز/ يوليو2013، أعلنت الحكومة المصرية تشكيل لجنة لمصادرة وإدارة أملاك جماعة الإخوان المسلمين، قبل أن تستبدلها في نيسان/أبريل 2017، بقانون "تنظيم إجراءات التحفظ والإدارة والتصرف في أموال الجماعات الإرهابية والإرهابيين".


ومنذ الإعلان عن تشكيل اللجنة الأولى، صدرت قرارات تحفظ على أكثر من 1200 جمعية خيرية، والمئات من المؤسسات الأهلية والمستفيات الخيرية، في مختلف محافظات مصر، دون بيانات إجمالية عن حجم المؤسسات والجمعيات والأموال المتحفظ عليها.

 

"إجراءات تقشفية"


ومن ناحيته، قال الخبير الاقتصادي، ورئيس قسم الدراسات الاقتصادية بأكاديمية العلاقات الدولية بإسطنبول، أحمد ذكر الله، لـ"عربي21"، إن "مصر نفذت برنامج إصلاح اقتصادي مع صندوق النقد الدولي حصلت بموجبه على قرض من بقيمة 12 مليار دولار، وقامت بتحميل المواطن المصري كل أعباء تنفيذ هذا البرنامج، ووقع معظم المصريين تحت مستوى خط الفقر، ولم يجنوا أي شيء على الإطلاق".


واليوم الإثنين، أعلنت مصر، أنها تسلمت 2 مليار دولار قيمة الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي البالغ قيمته 12 مليار دولار، بموحب الاتفاق الذي وقعته الحكومة المصرية في آب/أغسطس 2016.

 

اقرأ أيضا: مصر تتسلم الشريحة الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي

وبموجب الاتفاق مع الصندوق، طبقت مصر سياسات وإجراءات تقشفية شملت خفض دعم الوقود والكهرباء وخدمات أخرى، إضافة إلى تحرير سعر صرف الجنيه (التعويم). 


ونتيجة لتلك الإجراءات، ارتفعت معدلات التضخم بمصر إلى مستويات قياسية (35 في المائة) غير مسبوقة خلال عقود، ما أدى إلى تآكل قيمة الدخول الحقيقية للمواطنين، قبل أن تبدأ في التراجع دون 10 في المائة مؤخرا، وهي النسبة التي شكك فيها خبراء اقتصاد، وسجل صافي الاحتياطات الأجنبية للبنك المركزي المصري، 44.351 مليار دولار في نهاية يونيو/ حزيران الماضي، وارتفع الدين الخارجي لمصر في نهاية 2018إلى 96.6 مليار دولار بما يعادل 35.1 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي.

 

"برامج هشة"


وأضاف ذكرالله، خلال حديثه لـ"عربي21" أن "برنامج الإصلاح الاقتصادي الذي نفذته مصر ترتب عليه فرض ضريبة القيمة المضافة، وزيادة رسوم الجمارك 3 مرات، ورفع الدعم عن الكهرباء والوقود 5 مرات، ولا تزال الحكومة مستمرة"، مؤكدا أن كل برامج الحماية الاجتماعية المساندة لبرنامج صندق النقد الدولي (تكافل وكرامة) كانت برامج هشة للغاية.


وأشار إلى أن برنامج تكافل يعطي 350 جنيها للفرد (أقل من 18 دولارات، نصف دولار تقريبا في اليوم، وخط الفقر المدقع 1.25 دولار، وخط الفقر العالمي 1.9 دولار في اليوم)، فضلا عن أن وفورات الدعم لم تذهب إلى هذه البرامج، ونصف ما أنفقته على هذه البرامج كان من القروض.


وأردف: "كان من المنتظر أن يجد المواطن أي صدى لهذه البرامج، لكن طبقا لنشرة بحوث الداخل بالجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء التي تم تأجيل نشرها، قالت إن 32 بالمئة من المصريين تحت خط الفقر، و25 بالمئة آخرين قريبين جدا من خط الفقر أو عرضة للفقر، وهو ما يعني أن 57 بالمئة من المصريين تقريبا فقراء، وهي النسبة التي أكدها البنك الدولي الذي قال في تقريره الأخير إن الفقر في مصر يبلغ 60 بالمئة، وسط توقعات بزيادتها إلى 70 بالمئة بعد الزيادات الجديدة لأسعار المحروقات (أي أن ما يقارب الـ70 مليون مصري يعيشون تحت خط الفقر)".