ملفات وتقارير

تضييق على الحريات في الجزائر.. هل عاد زمن بوتفليقة؟

تراجع في المستوى الحقوقي بالجزائر مقارنة بعهد بوتفليقة - جيتي

لم يتغير الواقع الحقوقي في الجزائر كثيرا بل انتكس حسب الخبراء في بعض المجالات، رغم الأمل الذي حمله الحراك الشعبي في تغيير سلوك السلطة وفك الخناق على الحريات الفردية والجماعية بالبلاد.

ويذهب حقوقيون إلى أن واقع الحال في مجال الحقوق والحريات، تراجع حتى بالمقارنة مع زمن الرئيس السابق، عبد العزيز بوتفليقة، الذي كان الوضع الحقوقي العام فيه سيئا بشهادة التقارير المحلية والدولية.

وكسر الجزائريون، في 22 شباط/ فبراير الحظر على حرية التظاهر في العاصمة، إثر خروجهم رفضا للولاية الخامسة للرئيس بوتفليقة، في أول تمرد جماعي على هذا الواقع المستمر منذ 18 سنة.

وتركت السلطات منذ ذلك الوقت المظاهرات تسير بحرية كل يوم جمعة في العاصمة، ما أعطى الانطباع بوجود تغير في سلوك السلطة، إلا أن هذه المعاينة سرعان ما تغيرت في الأسابيع الأخيرة بفعل العديد من الانتهاكات المسجلة.

ورغم أن الدستور الجزائري، يضم فصلا كاملا من 46 مادة بعنوان "الحقوق والحريات"، ينص على تمكين الجزائريين من كافة حقوقهم السياسية والمدنية ويضمن حرية التجمع والتعبير والتظاهر السلمي، إلا أن التطبيق في الميدان يبقى معاكسا لهذه النصوص في كثير من الأحيان.

كثرة المعتقلين

وأوضح المحامي عبد الغني بادي، المتخصص في القضايا الحقوقية، أن التراجع الكبير في الجانب الحقوقي يمكن ملاحظته مثلا في عدد المعتقلين الذي صار خياليا بتهم أغلبها ذات مضمون سياسي.

وقال في حديثه مع "عربي21"، إن المواطنين أصبحوا يعتقلون فقط لحملهم الراية الأمازيغية (حوالي 30 معتقلا) أو بسبب انتقاد قائد المؤسسة العسكرية أو المناداة لإضراب عام، ويتم تكييف تهم لهم تصل عقوبتها أحيانا لـ10 سنوات سجنا مثل المساس بمعنويات الجيش أو ضرب الاقتصاد الوطني أو تهديد الوحدة الوطنية.

وأوضح بادي أن أبرز مثال على ذلك، هي قضية لخضر بورقعة القائد التاريخي المعروف في الثورة ضد المستعمر الفرنسي، والذي أودع السجن بسبب تصريحات له تنتقد قيادة المؤسسة العسكرية.

وأضاف أن بعضا من التهم الموجهة اليوم لم تكن حتى في زمن الرئيس السابق، وهي كلها تندرج ضمن حرية التعبير والرأي، ما يُثبت تراجع الوضع الحقوقي في البلاد رغم الحراك الشعبي المنادي في جوهره إلى بناء دولة الحقوق والحريات والقانون.

 

الإفراط في الحبس

وفي نفس السياق، أبرز فاروق قسنطيني، الرئيس السابق للجنة الاستشارية لترقية حقوق الإنسان، أن هناك مبالغة شديدة في استعمال الحبس الاحتياطي من طرف القضاة رغم أن القانون والدستور يقيد ذلك بشكل كبير.

وأوضح قسنطيني، في حديثه مع "عربي21" أن الحبس الاحتياطي يُفترض أن يكون للأشخاص الذين لا يوفرون ضمانات البقاء في الجزائر والامتثال لأمر القضاء، وهو ما لا ينطبق على كثير من المسجونين حاليا.

وأبرز قسنطيني أن التعديلات الدستورية لسنة 2016 تؤكد أن الحبس الاحتياطي إجراء استثنائي كما أن المادة 123 من قانون الإجراءات الجزائية تُحدد بوضوح طبيعة الأشخاص الذين ينبغي أن يشملهم الحبس الاحتياطي.

تقييد حرية التنقل

من جانب آخر، يلمح نور الدين بن يسعد رئيس الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، انتهاكات فيما يتعلق بتقييد حرية التنقل، خصوصا في أيام التظاهر، حيث يتم وضع حواجز أمنية كثيفة على مداخل العاصمة للتقليل من تدفق المواطنين عليها، وهو ما ينافي حسبه، الدستور الحالي وحتى المعاهدات الدولية التي وقعت عليها الجزائر.

 

اقرأ أيضا: إيداع وزير العدل الجزائري السابق السجن بتهم فساد

وأضاف بن يسعد لذلك في حديثه مع "عربي21"، القيود المفروضة على حرية التجمع والنشاط السياسي، حيث باتت الكثير من الجمعيات والأحزاب لا تحصل على الرخص من أجل عقد نشاطاتها.

ومُنع في الأسابيع الأخيرة، جيلالي سفيان رئيس حزب جيل جديد ومصطفى بوشاشي المحامي والناشط في الحراك الشعبي وأحمد بن بيتور رئيس الحكومة سابقا من تنشيط محاضرات في قاعات عمومية أو في الجامعات.

ورصد بن يسعد أيضا، صعوبة منح الجمعيات والأحزاب الاعتماد القانوني للنشاط، على الرغم من تعهد الحكومة بالنظر في هذا الإشكال قبل أشهر.

"ثورة مضادة"

كما يستمر إغلاق الإعلام العمومي في وجه شخصيات من المعارضة الجزائرية، لا تُقاسم بالضرورة نظرة السلطة الحالية لحل الأزمة السياسية في البلاد.

وذكر بوجمعة غشير، الرئيس السابق للرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان، أن ما يحدث في الجانب الحقوقي ينبئ بوجود "ثورة مضادة" تريد إعادة عجلة الحقوق والحريات إلى الوراء.

وأبرز غشير في حديثه مع "عربي21" أن السلطة تُحاول اليوم تقديم فكرة "محاربة الفساد" بحبس كبار المسؤولين على أنها تلبية كاملة لمطالب الحراك، في حين تُغفل تماما محاربة "الفساد السياسي".

 

اقرأ أيضا: مجلس الدولة الجزائري: استرجاع الأموال المنهوبة أولوية العدالة

وأضاف المحامي أن الفساد السياسي لا يمكن محاربته دون إطلاق الحريات العامة، مثل حرية التعبير والتجمع والتظاهر، وهي المنطلقات التي تفتح المجال للتغيير السياسي.

التأثير على الرئاسيات

وتأسف غشير من كون الأحزاب السياسية دخلت في لعبة السلطة، عندما قبلت المشاركة في الحوار المعروض حاليا دون الحصول على أدنى ضمانات تحسين واقع الحقوق والحريات في البلاد.

وتابع الحقوقي بأن الانتخابات الرئاسية، لا يمكن إجراؤها في ظروف قمع الحريات، لأنها تتطلب من قبل مناخا صحيا تسوده حرية الرأي والتعبير وفتح الإعلام العمومي أمام الجميع.

واعتبر بأن تركيز الاهتمام في مسألة نزاهة الانتخابات الرئاسية رغم أهمية ذلك، لا يجب أن ينسينا في أن الانتخابات تتطلب أولا تمكين جميع الفاعلين من إبداء رأيهم والسماح لكل الجزائريين بالانتقاء بين الأفكار على أساس ذلك.