قضايا وآراء

إقالة الرئيس الفلسطيني لمستشاريه: الدوافع الخطيرة والمآلات الأخطر

1300x600
على نحوٍ مفاجئ، أصدر الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، في 19 آب/ أغسطس الجاري، قراراً بإقالة جميع مستشاريه، بغض النظر عن مستواهم الإداري. ولم يكتفِ الرئيس عباس بإقالة المستشارين الذين يتجاوز عددهم 27 مستشاراً، بل أصدر قراراً يُلزم فيه رئيس وأعضاء الحكومة السابعة عشرة بإعادة المبالغ التي كانوا قد تقاضوها عن الفترة التي سبقت موافقة الرئيس الخاصة على رواتبهم ومكافآتهم، بما يشمل استعادة المبالغ التي تقاضاها أعضاء الحكومة بدل إيجار، في حال ثبت عدم استئجار أيٍ منهم خلال فترة عمله في الحكومة، على أن يُدفع المبلغ المُستحق عليهم دفعة واحدة.

يُشار، بحسب صحيفة الدستور الأردنية، إلى أن رئيس المخابرات العامة، اللواء ماجد فرج، هو الذي أقنع الرئيس عباس بضرورة إقالة هؤلاء المستشارين، بذريعة "عدم نجاعتهم في تأدية الأدوار المناطة بهم". وإن صحت هذه الأنباء، فإن ذلك يُشير إلى تفوق هيمنة الأجهزة الأمنية على جميع أجهزة السلطة الأخرى خلال الأيام القادمة.

ورداً على قرار الرئيس المُشار إليه، قال رئيس الوزراء السابق، رامي الحمد الله، عبر صفحته على "فيسبوك"، إنه: "من منطلق التزامي الكامل والدائم بالشرعية، فإنني أؤكد على الالتزام بالقرار الذي أصدره الرئيس، محمد عباس، بخصوص رواتب رئيس وأعضاء الحكومة السابعة عشرة"، مضيفاً: "أود التذكير بأنني وبتاريخ 17 حزيران/ يونيو الماضي، طالبت وزير المالية بإطلاع الرأي العام على تفاصيل الموضوع ولكنه لم يفعل.. علماً أن اعتماد فخامة الرئيس كان فقط لأعضاء الحكومة السابعة عشرة".

وتدل تصريحات الحمد لله، لا سيّما جملته الأخيرة، فعلاً عن وجود حالات اعتماد لعدد من المستشارين وكبار الموظفين بدون الرجوع إلى الرئيس، حيث تم رفع رواتب وزراء الحكومة السابقة وفقاً لقانون زيادة العلاوات، وهو ما لم يوافق عليه الرئييس عباس وطالب باسترداد هذه الزيادات تذرعاً بعدم اعتمادها.

أبرز الأسماء المُقالة:

لم تذكر وكالة "وفا" عدد المستشارين المُقالين، غير أن مصادر صحفية مُتطابقة أشارت إلى أن عدد المستشارين المُقالين تجاوز الـ27. وجاءت أبرز الأسماء المُقالة على النحو التالي:

- مأمون سويدان: مستشار الرئيس لشؤون الشباب.

- علي جميل مهنا: مستشار الرئيس للشؤون القانونية.

- مجدي الخالد: مستشار الرئيس للشؤون الدبلوماسية.

- محمود الهباش: مستشار الرئيس محمود عباس للشؤون الدينية والعلاقات الإسلامية.

- اللواء إسماعيل جبر: مستشار الرئيس للشؤون الأمنية.

- نبيل شعث: مستشار الرئيس للشؤون الخارجية والعلاقات الدولية.

- أحمد عبد الرحمن: مستشار الرئيسين الراحل والحالي للشؤون السياسية.

- أمين مقبول: المستشار في ديوان الرئاسة والسفير في الجزائر.

- فهمي الزعارير: المستشار في ديوان الرئاسة.

- كمال الشرافي: مستشار رئاسي.

الأسباب والدوافع:

1- أزمة مالية:

العامل الأكثر رجوحاً في دفع الرئيس نحو اتخاذ هذا القرار، هو الأزمة المالية الخانقة التي تعيشها السلطة الفلسطنية، حيث أنه منذ شباط/فبراير 2019، والسلطة ترفض استلام أموال الضرائب التي تجبيها "إسرائيل" لصالحها من الموانئ، والتي تبلغ 212 مليون يورو، اعتراضاً على اقتطاع "إسرائيل" جزءا منها للحيلولة دون تحويلها لأهالي الأسرى والشهداء.

وقد ازدادت حدة الأزمة بعد قطع واشنطن، في آب/ أغسطس 2018، 170 مليون يورو من المساعدة المالية عن السلطة التي أعلنت تجميد العلاقات مع واشنطن، احتجاجاً على اعتراف واشنطن بالقدس المحتلة عاصمة للكيان الصهيوني.

وبالنظر إلى أغلب هؤلاء المستشارين، يُلاحظ أن ذات الدور الوظيفي المُناط بهم يقوم به وزير في الحكومة، ما يجعل وجودهم عامل تكدس بيروقراطي لا أكثر.

2- العمل بتقرير اللجنة الفنية:

على صعيد آخر، أشارت مصادر مُتطابقة إلى أن الرئيس عباس اتخذ هذا القرار على إثر تقرير لجنة فنية يتضمن معلومات عن عدد المستشارين وكبار موظفي السلطة ورواتبهم، بالإضافة إلى رواتب ومكافآت وزراء الحكومة الـ17، التي جاءت بدون قرار من الرئيس عباس الذي اقتنع، في الغالب، بتقرير اللجنة الذي يأتي بالتزامن مع تطبيق الحكومة الحالية خطة تقشف مالي، شملت تقليص رواتب الموظفين والوزراء، وتقليل تكاليف السفر والمهمات للوزراء، وإلغاء الزيادة الممنوحة للوزراء.

3- انعدام أهمية ودور هؤلاء المستشارين:

في هذه المرحلة التي تمر بها السلطة بأزمة مالية، وانحسار دولي، لم يجد هؤلاء المستشارون لهما حلولاً إبداعيةً ناجع، يبدو أن دورهم غير مهم بالنسبة للرئيس عباس، وباتوا يشكّلون حالة تكدس لا أكثر، فقد أصبح عددهم يتجاوز العشرات، وعدد منهم يعود تعيينه إلى عهد الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، ما يجعل معظمهم لا يقومون بأي شيء سوى التمتع بامتيازات ورواتب واستغلال مواقعهم.

4- قضايا فساد فعلية:

أُشير سابقاً إلى ضلوع بعض المستشارين المُقالين في قضايا فساد واختلاسات مالية، كان أبرزها قضايا الفساد التي قام بها محمود الهباش، ومجدي الخالدي الذي اتهم بعدة قضايا اختلاسات بالتعاون مع مجموعة من السفراء في السفارات الفلسطنية، ما سبب للرئيس عباس حالة توتر مع الرأي العام؛ هو بغنى عنها في ظل الأزمة المالية وحالة الركود السياسي اللتين تمران بهما السلطة الفلسطنية.

5- الحفاظ على هيبة الحكم وتلميع الصورة:

بعد مروره بعدة وعكات صحية، لا زال الرئيس عباس يرغب على الأرجح في التأكيد على قدرته الفاعلة في الحكم، بعدما جاء رفع العلاوات دون الرجوع إليه. ومنعاً لتآكل شعبيته بشكلٍ كامل، في ظل الأزمة المالية التي أرهقت موظفي السلطة وبالتالي شرائح عدة من المجتمع، يبدو أن الرئيس يسعى للحفاظ على صورته مُؤيدة من قبل بعض فئات المجتمع من خلال التأكيد أنه يقف بالمرصاد للفساد، وبالأخص بعد حالة الغضب الشعبي التي رافقت الإعلان عن رفع علاوات وزراء الحكومة السابقة.

مآلات ما بعد صدور القرار:

في ضوء الدوافع المذكورة أعلاه، يُتوقع بأن يظهر للسطح خطوات تحرك جديدة للسلطة الفلسطينية في ما يتعلق بمناصب مستشاري الرئيس، وبعض أجهزة السلطة الفلسطنية.

في البداية، يجدر التوقع بأن مآل هذه القضية قد يشمل التقشف على عدة أصعدة، بما يشمل السفارات وبعض دوائر منظمة التحرير؛ إذ أضحت المنظمة تعتمد بشكلٍ كبير على ميزانية السلطة، وهذا ما قد يؤثر فعلاً على حيوية المسألة الفلسطينية على الصعيدين الداخلي والخارجي، وبالأخص في ظل تعقيدات الوضع الفلسطيني على الصعيدين الداخلي والخارجي. وفي سياق الحديث عن التقشف، من الجيد التوقع بمزيد من الخنقة الاقتصادية في قطاع غزة، حيث قد يتجه الرئيس عباس نحو تخفيف معدل الميزانيات الخاصة بموظفي السلطة وكوادر فتح ومكاتبها ونشاطتها في قطاع غزة.

أيضاً، يُتوقع تعيين الرئيس عباس مستشارين جدد بالاعتماد على مبدأ الثقة وليس الكفاءة، تمهيداً لإدارة المرحلة الحالية، ومرحلة ما بعده، وفقاً لطموحه، وبعيداً عن أي اختراق من المنافسين الآخرين، لا سيّما تيار دحلان.

وفي ظل الحديث عن تطبيق القرارات بالركون إلى دعم وتوصيات الأجهزة الأمنية، لا سيّما المخابرات العامة، فإن المتوقع زيادة هيمنة الأجهزة الأمنية على مسار التوصيات والقرارات القادمة. وبطبيعة الحال، يُؤثر ذلك سلباً على وطنية القرار، حيث أن العلاقة بين المخابرات العامة وأجهزة الأمن الخارجية، بما فيها جهاز الأمن "الإسرائيلي"، معروفة، ما يعني إمكان ارتفاع منسوب تأثير الدول الأخرى على القرار الفلسطيني. وفي هذا السياق، من الممكن استقاء مسار السلطة الفلسطينية، في مرحلة ما بعد عباس، على نحو سيناريو حدوث تقاسم أمني إداري للضفة بين قيادات الأجهزة الأمنية، لتُصبح مهمة الحكومة الفلسطينية فقط سياسياً واقتصادياً قائماً على توفير الأجواء المعيشية الملائمة للفلسطينيين بعيداً عن الخوض في سياسات تحديد مسار عمل الأجهزة الأمنية، أو سياسات استراتيجية في العلاقات مع الجانب "الإسرائيلية" أو العالم الخارجي دون الخضوع لتنسيق مع الأجهزة الأمنية.

في الختام، منذ شباط/ فبراير 2019، والسلطة الفلسطينية تمر بأزمة مالية قوية دفعتها نحو النظر لآليات تخفيف حدة هذه الأزمة، بما يضمن إمكانية توفير الحد الأدنى من الصمود أمام التحرك الأمريكي الجارف لنفي الحقوق الفلسطينية، وبما يشمل تسكين الرأي العام الفلسطيني ضد السلطة في أزمتها الحالية قدر الإمكان. لكن على صعيد استراتيجي، يُلاحظ بأن حيثيات اتخاذ القرار وآلياته وما قد يُبنى عليه، توحي باحتمال ارتفاع منسوب هيمنة الأجهزة الأمنية الفلسطينية على مسار صنع القرار ضمن السلطة الفلسطينية.