كتاب عربي 21

ليبيا: اتفاق دولي على وقف الحرب وغموض يكتنف أجندة التسوية

1300x600

بعد جولات ورحلات بين عواصم عديدة قال المبعوث الأممي غسان سلامة: إن هناك تطورا مهما في الموقف الدولي تجاه الأزمة الليبية، ويبدو أن تفاؤل المبعوث الأممي له علاقة بتصريحات السفير الأمريكي لليبيا، الجديد، والذي ألتقى بأطراف النزاع وأعلن عزم بلاده لعب دور في وقف الحرب.

حراك له دلالة

اجتماعات تونس التي ضمت رئيس المجلس الرئاسي وقائد القوات الأمريكية في أفريقيا، الأفريكوم، وكذلك التقاء سلامة به، فُهمت على أنها للبحث في دور يمكن أن تلعبه الأفريكوم  في الفصل بين القوات المتحاربة والإشراف على وقف إطلاق النار.

 

هناك خيار تدعمه واشنطن ولا تعارضه باريس يقضي بتشكيل حكومة وفاق جديدة يوكل إليها إدارة الشأن العام والتمهيد للانتخابات،


التطور في المواقف الدولية والتصريحات الجديدة للدول الإقليمية الداعمة لحفتر، ومنها بيان الخارجية الإماراتية وكلام السيسي مؤخرا، يشير إلى أن وقف الحرب صار وشيكا، أو هكذا النية لدى اللاعبين الدوليين.

تصريحات العواصم الرئيسية الستة وهي واشنطن وموسكو ولندن وباريس وبرلين وروما خلال الأسبوعين الماضيين، شكلت مظلة لمسار عام يقضي بضرورة الوقف الفوري للحرب والعودة إلى المسار السياسي.

الغموض حول أجندة ما بعد الحرب

لكن تفاصيل ما بعد وقف القتال ما تزال طي الكتمان، إذ لم يتضح بشكل مؤكد أجندة ما بعد الحرب والمبادئ التي على أساسها سيتم استئناف العملية السياسية.

صحيح أن الأطراف الدولية الفاعلة أعلنت عن دعمها لخطة سلامة والتي تحدث عنها في إحاطته الأخيرة أمام مجلس الأمن، غير أن مقاربة سلامة ظلت إطارا عاما ومسائل تتعلق بآليات التوصل لتسوية سياسية مثل عقد اجتماعي دولي حول القضية الليبية، والتأكيد على الثوابت القديمة وهي الاتفاق على إجراء انتخابات ومعالجة القاعدة الدستورية والقانونية التي ستجرى على أساسها الانتخابات.

يمكن القول إن هناك خيارا تدعمه واشنطن ولا تعارضه باريس يقضي بتشكيل حكومة وفاق جديدة يوكل إليها إدارة الشأن العام والتمهيد للانتخابات، ويمكن التكهن بأن التفاوض لن يكون ثنائيا (السراج-حفتر)، إذ ترى الخارجية الأمريكية، وفق ما ورد على لسان السفيرة السابقة، أن الحل يكمن في تغيير هذه الثنائية وتنويع واجهات التفاوض.

تحديات وبدائل

المنتظم الدولي أمامه تحد يسعى إلى تخطيه هو إجماع بين كافة مكونات جبهة الوفاق، المكونات السياسية والاجتماعية والعسكرية، على ضرورة استبعاد حفتر من أي حوار حول التسوية السياسية الجديدة، إذ إن هناك تفاهما بين كافة العواصم الفاعلة على أن حفتر أساسي في أي اتفاق سياسي قادم، فكيف يمكن أن يتحقق لهم ذلك أمام الصدود الكبير لدى الجبهة الغربية العريضة؟

بحسب الصورة الحالية، وأمام إصرار أطراف غربية وإقليمية على ضرورة إشراك حفتر، فإن السبيل إلى تحقيق ذلك إما بكسر الإرادة السياسية لجبهة الوفاق من خلال إضعاف قدراتها العسكرية عبر عمل عسكري غربي مكثف، أو من خلال الضغط السياسي والدبلوماسي الذي يسنده تغييب حفتر عن الصورة (شكليا) وتقديم وكلاء عنه للتفاوض.

 

دور أنقرة مكن حكومة الوفاق من الصمود أمام الهجوم على العاصمة بل والانتصار في عدة محاور وجبهات


لا أستبعد الخيار الأول، وربما يستخدمه الفاعلون الدوليون بجانب فكرة تغييب حفتر شكليا وتوسيع دائرة التفاوض والمشاركين فيه ليتم تخطي ثنائية السراج-حفتر.

هذا السيناريو يحتاج إلى توافق دولي إقليمي وضغط لتحييد دور أنقرة الذي مكن حكومة الوفاق من الصمود أمام الهجوم على العاصمة بل والانتصار في عدة محاور وجبهات، قد لا يحقق الضغط النتائج المرغوبة، وقد يحتاج لينجح إلى جهد ووقت وذلك في ظل اتجاهات أنقرة التي تناور بعيدا عن نفوذ واشنطن مستغلة تطلعات روسيا لفرض نفسها كلاعب دولي مهم.

لزيارة أردوغان إلى روسيا الثلاثاء الماضي دلالات، فقد جاءت بعد إتمام صفقة المنظومة الدفاعية الروسية المتطورة إس400، كما أن إعلان الرئيس بوتين عن موافقة بلاده على بيع الطائرات الروسية الحديثة "سو57" لأنقرة وإشراك تركيا في عمليات التصنيع والإنتاج، أمر يتخطى التعاون العسكري إلى المناكفة السياسية وربما يقود إلى إعادة رسم خارطة التوازنات الدولية والتحالفات الإقليمية التي يمكن أن يكون لها تداعياتها في المنطقة العربية.

أمام حالة عدم اليقين والمناورة والمناكفة بين الأطراف الدولية المؤثرة سيقع وقف إطلاق النار مصحوبا بمراوحة تسبق التفاوض قد تطول، ثم الدخول في تفاوض قد يستغرق وقتا أطول، وربما تكون النتيجة اتفاقا هزيلا يعتمد بطريقة لا تختلف عن اعتماد اتفاق الصخيرات الذي عارضه فاعلون من الجانبين وقادت معارضتهم له إلى فشله.