مقالات مختارة

الخليل توأم القدس

1300x600

قبل أيام قليلة من موعد إجراء الانتخابات العامة الأصعب في حياة بنيامين نتنياهو وحزب الليكود، وبعد أن فشل الرجل وحزبه في الحصول على هدية من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بترتيب مؤتمر إقليمي في كامب ديفيد الشهر الماضي، وبعد أن فوّت عليه حزب الله اللبناني فرصة الاحتفاء بنصر أمني برده العسكري، وجد الرجل وحزبه ضالتهما في مدينة الخليل الفلسطينية المحتلة، التي هي توأم القدس، أو تعتبر المدينة الثانية بعد أولى القبلتين وثالث الحرمين، من حيث المكانة الدينية المقدسة عند المسلمين من الفلسطينيين والعرب.


وباحثا عن أصوات المستوطنين الذين عادة ما يصوتون للأحزاب اليمينية المتطرفة، اقتحم نتنياهو الحرم الإبراهيمي الشريف وذهب إلى الخليل مدججا بحراسة أمنية مشددة، فيما كان «رئيس الدولة «الليكودي الآخر رئوفين ريبلين قد سبقه إلى ارتكاب الفعل الاستفزازي المشين.


اللافت للنظر هو ما قاله رئيس الحكومة الإسرائيلية الحالي والمرشح الأول للاستمرار في منصبه، فبعد أن اختار الذكرى التسعين لثورة البراق، عام 1929، التي حدثت بدافع الصراع على الحائط المقدسي، ما بين المسلمين واليهود، الذي هو حائط البراق حيث ربط الرسول محمد صلى الله عليه وسلم فرسه «البراق»، حين أَسرى به ربُه إلى المسجد الأقصى الذي بارك حوله، في حين يعتبره اليهود حائط البكاء على خراب الهيكل!


الكلام الذي ينضح بالكراهية وإثارة الأحقاد، الذي يحرض على العنف هو ما قاله بنيامين نتنياهو اليميني الإسرائيلي المتطرف: جئنا للتوحد مع الذاكرة، جئنا للتعبير عن النصر. وفي إشارة للثوار الفلسطينيين الذي كانوا في تلك الثورة قد حققوا الانتصار بدفاعهم عن قدسهم وحائط براقهم، أضاف : كانوا على يقين بأنهم قد اقتلعونا من هذا المكان، ولكنهم ارتكبوا خطأ مريرا.


الهدف الحقيقي من وراء الزيارة الانتخابية لقائد الليكود لمدينة الخليل، أفصح عنه الليكودي الثالث في الأهمية، ونقصد به رئيس الكنيست يولي أدلشتاين، الذي قال أول من أمس في المناسبة ذاتها، بأنهم سيفرضون السيادة الإسرائيلية على الخليل، وطالب بتوسيع الحي اليهودي في المدينة.


لم يتحدث رئيس الحكومة الإسرائيلية ولا رئيس الدولة ولا رئيس الكنيست بحرف له علاقة بالتعايش أو السلام أو حسن الجوار، فضلا عن الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، ولا عن التعايش بين الأديان، بل إن خطابهم كان خطاب تحريض على الكراهية والعنف، لذا فإن «فوز الليكود» و«اليمين الإسرائيلي» بعد أقل من عشرة أيام، يعني بأن حربا ذات طابع ديني وأن حرب إقصاء للشعب الفلسطيني عن الخريطة السياسية للعالم، ستندلع على الفور، لذا فإن على الشعب الفلسطيني وبكل قواه وفصائله وشرائحه الاجتماعية أن يتحضر لها بكل ما أوتي من قوة.


في الحقيقة، وفي سياق الرد أو التعليق على خطاب نتنياهو، نقول، إن من يرتكب الخطأ اليوم هو وحزبه ومعسكره اليميني المتطرف والعنصري، باستعلائه وعنجهيته، ذلك أن ذاكرته الضعيفة، تتذكر جانبا واحدا من التاريخ، أو أنها تتذكر لحظته القريبة، ولا تقرأ التاريخ كله، لذا فإنها ستظل ذاكرة ضعيفة ومهزومة، ولو كانت غير ذلك، لتوقفت قليلا عند مغزى أن ينتصر بضعة ثوار هبوا للدفاع عن حائط البراق، وهم فلاحون لا يمتلكون من مقومات القوة العسكرية إلا النزر اليسير، وفي ظل انتداب منحاز لهم، كما هو حال ترامب اليوم، ودون أي إسناد عربي أو إسلامي، وأن هؤلاء الثوار قد أنجبوا ثورات فلسطينية متتابعة، وأنجبوا أحفادا سيرونهم في ساحات المواجهة، وسيثبتون له ولأدليشتاين بأن مدينة الخليل ستظل إلى الأبد مدينة فلسطينية.


وفي فلسطين، سيتوقف «الوهم الصهيوني» بلوثاته الفكرية والعقائدية المريضة، فالتاريخ لم يصنعه الوهم ولا الطغاة، والعنجهية التي ترافق القوة مصيرها سلة مهملات التاريخ.


لكن مع كل هذا، لا بد من قول سياسي، مفاده أن الموقع البيروقراطي الحاكم الذي يستند إليه نتنياهو قد «شطح به»، فهو يظن بأن قرار ترامب بفرض السيادة الإسرائيلية على القدس، يمكن جرّه على الخليل تاليا، وأن فرض إسرائيل من قبل لسياسة التقاسم المكاني والزماني للحرم الإبراهيمي يشكل مدخلا لهذا الغلو السياسي، الذي لا يترك كما يقول المثل «للصلح مطرحا».


ثم إن تضمين «المفردة الدينية» خطاب الليكود السياسي، لن يتوقف عند حدود، ذلك أنه سيتجاوز الخليل والقدس وفلسطين كلها، ليصل إلى مكة والمدينة في الحجاز مرورا بالبتراء ومأدبا والسلط والأردن كله وكذلك العراق، لذا فإنه سرعان ما سيجد نفسه في مواجهة كل المنطقة، بل كل العرب وكل المسلمين.


لن يكون الحديث إذا عن «دولة» تريد العيش في سلام مع جيرانها في المنطقة، بل عن دولة التوسع والحرب والعدوان، وخطاب الكراهية والتفوق. وهنا من سوء حظ نتنياهو وحزبه ومعسكره، أن الفلسطينيين بين ظهرانيهم، ومن حولهم العرب والمسلمون، وأن العصر صار عصر الشعوب وزمن المساواة والحقوق المدنية، وفي الوقت الذي يخلع فيه قادة الليكود بزاتهم المدنية ويرتدون عباءات اللاهوت، فإنهم يظهرون على شاكلة أبو بكر البغدادي، وشيئا فشيئا، سيراكمون الأعداء من حولهم. وإن كان هنالك من تغيير واجب الحدوث حتى يمكن التوصل إلى حل تاريخي، فإنما يكون بتغيير هؤلاء وليس بتغيير كل الشرق الأوسط من أجل خاطر عيونهم التي تقدح بشرر الحرب والكراهية.

 

عن صحيفة الأيام الفلسطينية