قضايا وآراء

ظروف غامضة وتحديات غريبة!

1300x600
السياسة هي فنّ تَذليل الصعوبات، ومواجهة التحدّيات والتعامل مع المواقف الصعبة بحنكة وحكمة ورجولة.

وفي السياسة تظهر قدرات القائد، أو السياسيّ المتمرّس القادر على ترتيب أوراق العمل السياسيّ وفقاً لأهمّيّتها وخطورتها، وأثرها على الأمن الوطنيّ، وتحقيقها لمصالح المواطنين ودفع، أو تقليل الضرر عنهم.

يدور العراق اليوم وسط عدّة دوّامات داخليّة معقّدة، وإقليميّة مركّبة لا يمكن لحكومة بغداد تجاهلها، وبالذات دوّامة الصراع المتنامي بين بعض دول المنطقة وإيران؛ عبر أجنحتها العسكريّة والسياسيّة في سوريا واليمن والعراق ولبنان!

بعض دول المنطقة، ومنها العراق، غارقة في فوضى لا حدود لها، وفي وسط هذه الفوضى يُعلن رئيس البرلمان العراقيّ محمد الحلبوسي قبوله تحدّي مبعوثة الأمم المتّحدة في بغداد جينين بلاسخارت، بشأن زرع شجرة من أجل السلام!

إعلان الحلبوسي مميّز ومقبول في الظروف الطبيعيّة، وليس في الظروف المتداخلة والغامضة القائمة الآن، فحينما تكون الظروف العامّة طبيعيّة، ويكون المواطن آمناً على عائلته وعمله ووظيفته وغذائه ودوائه وتعليم أولاده، وغيرها من ضروريات الحياة التي لا يمكن تصوّر حياة حرّة كريمة دونها، حينها يكون التحدّي راقياً ومنتجاً، بل وربّما كلّ مواطن عراقيّ سيزرع شجرة من أجل السلام، ويصبح لدينا أكثر من 30 مليون شجرة في يوم واحد!

لكن حينما تكون الحالة مربكة لدرجة أنّ الحكومة لا تدري حتّى منْ يُدير غالبيّة الملفّات الأمنيّة والعسكريّة، فهنا تكون المسألة مختلفة، وبحاجة لتأني وتدبّر قبل الإقدام على مثل هذه التحدّيات غير المجديّة، بل والإعلاميّة العبثيّة!

التحدّي الأكبر أمام الحكومة والبرلمان يتمثّل بجملة ملفّات حسّاسة ودقيقة، ومن أهمّها ملفّ حصر السلاح بيد الدولة. وقد أكّد رئيس الحكومة عادل عبد المهدي الثلاثاء الماضي بأنّ حكومته "تعمل بجِدّ لسيادة القانون وحصر السلاح بيد الدولة".

تصريحات عبد المهدي جاءت بعد اتّهامات غير مباشرة لبعض المليشيات في العراق، حيث أفادت بعض التقارير باحتمالية أن يكون الهجوم الذي استهدف أرامكو السعوديّة انطلق من الأراضي العراقيّة.

وقد سارعت حكومة المهدي لنفي "استخدام الأراضي العراقيّة لتنفيذ أيّ ضربة على المملكة، وأنّ مهمّة العراق هي الحفاظ على أمنه واستقراره، ومنع استخدام أراضيه ضدّ أيّ دولة مجاورة"!

جميع هذه التصريحات الحكوميّة لا يمكن تأكيدها أو نفيها إلا بعد انتهاء التحقيقات المتعلّقة بهجوم أرامكو، وبالذات مع تأكيد السعوديّة الخميس الماضي بأنّ "الهجمات جاءت من الشمال"، في إشارة واضحة إلى العراق وإيران!

ومن التحدّيات الأخرى، والتي لم تُحسم وما زالت تُسبّب قلقاً كبيراً لآلاف العوائل، ملفّ المغيّبين الذين تجاوزت أعدادهم 25 ألفا، بحسب إحصائيات رسميّة!

وحتى الآن لا أحد يعرف أعدادهم الدقيقة، وما مصيرهم، والجهة المسؤولة عن تغييبهم.

وفي المقابل، لا يمكن تجاهل إشكاليّة الجثث المجهولة، التي عاودت الظهور مجدّداً، وذكّرتنا بسنوات الفوضى بعد العام 2005!

ويوم الأربعاء الماضي أكدّ عضو مجلس محافظة كربلاء نافع داوود، أنّه "تمّ دفن 40 جثّة مجهولة الهويّة في مقبرة وادي السلام"!

فمنْ هؤلاء؟ وكيف يمكن تفّهم هذه الأعداد الكبيرة من الجثث "مجهولة الهويّة"؟ وهل هؤلاء من كوكب آخر، أم أنّهم من العراقيّين؟

القيادة التي تريد الفوز بالسلام وتحافظ عليه يتوجّب عليها أن تحقّق الأمن، وتوفّر الخبز والدواء للمواطنين، وتقضي على الاضطرابات الأمنيّة والاجتماعيّة والخدميّة والحقوقيّة والعدليّة. وهذه المهام الكبيرة لا يمكن تنفيذها عبر زراعة شجرة وسط الركام، أو عبر فريق إعلاميّ متخصّص بنشر صور لهذا المسؤول أو ذاك؛ وهو يباشر بعض المهام غير المنتجة في الواقع!

أعتقد أنّ الدولة التي لا تُؤسّس على المراقبة لأداء الحكومة هي دولة ميتة سريريّاً! وأنّ الإصلاح والعلاج الجذريّ لكلّ هذه التحدّيات يمرّ عبر برلمان مستقل، وليس عبر أداء سياسيّ مختلّ ومشلول، أو عبر البورصات البرلمانيّة، وذلك لأنّ البرلمان يمتلك القدرة الدستوريّة على متابعة أداء الحكومة وإنهاء جميع الملفّات العالقة التي يجب حسمها؛ لأنّها تتعلّق بحياة الناس وكرامتهم وخدماتهم ومستقبلهم وصحّتهم!