قضايا وآراء

المقاربة الإيرانية بشأن العملية التركية في شرق الفرات

1300x600

إيران ربما هي الدولة الإقليمية الأكثر اهتماما ومتابعة للعملية العسكرية التي بدأتها تركيا في شرق الفرات، الأربعاء الماضي، وبرز ذلك في جملة مواقف صدرت عنها سواء قبل العملية أو بعدها، حملت عنوانا رئيسيا وهو رفض العملية التركية والإعلان عن معارضتها لها. ولم تكتف السلطات الإيرانية بإصدار بيانات وتصريحات في هذا الشأن فحسب، وإنما أرفقتها أيضا بخطوة احتجاجية، تمثلت في إلغاء رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، زيارته المقررة إلى تركيا بدعوة نظيره التركي، مصطفى شنطوب للمشاركة في اجتماع برلماني في إسطنبول خلال الأيام المقبلة.

 

اتفاق سعودي ـ إيراني نادر

والمفارقة أن السعودية أيضا ضمت صوتها إلى إيران، لتتفق القوتان المتصارعتان في الموقف الرافض من العملية التركية في حدث نادر لم تشهده على الأقل السنوات الأخيرة، مما انسحب موقفهما الموحد إلى حلفائهما في المنطقة، ليرفضوا هم أيضا التحرك العسكري التركي. لكن اللغة والمفردات التي استخدمتها طهران في التعبير عن موقفها لم تكن حادة وشديدة اللهجة، على عكس الرياض والقاهرة، اللتين تحدثتا عن "العدوان التركي"، بينما إيران من جهة امتنعت عن هذه اللغة والتنديد بهذا الشكل، ومن جهة ثانية، أبدت نوعا من التفهم للموقف التركي من التطورات على حدودها الجنوبية، حيث قال الرئيس الإيراني، حسن روحاني، الأربعاء الماضي، ساعات قبل بدء العملية إن تركيا تواجه قلاقل على حدودها الجنوبية، ويحق لها أن ترفع تلك المخاوف، لكنه في الوقت نفسه، دعاها إلى "اختيار الطريقة الصحيحة" بدلا من العمليات العسكرية.

بيد أن إيران التي وجدت أنه لا يمكنها أن تمنع تركيا من تنفيذ هذه العملية، حاولت التعبير عن رفضها بشكل دبلوماسي هادئ، في محاولة لعدم الإضرار بالعلاقات بين البلدين في هذه الظروف الإقليمية الحساسة على ضوء التوترات المتصاعدة بين إيران وحلفائها وأمريكا وحلفائها، وخصوصا أن هذه العلاقات شهدت تحسنا كبيرا خلال السنوات الأخيرة. 

 

المفارقة أن السعودية أيضا ضمت صوتها إلى إيران، لتتفق القوتان المتصارعتان في الموقف الرافض من العملية التركية في حدث نادر لم تشهده على الأقل السنوات الأخيرة،


ومن التمظهرات الأخيرة للتطور الحاصل في العلاقات بين طهران وأنقرة، هو الموقف التركي الرافض للعقوبات الأمريكية على إيران وكذلك تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الرافضة لتحميل إيران مسؤولية الهجمات على المنشآت النفطية السعودية في الرابع من عشر من الشهر السابق.
 
على الرغم من الاتفاق في الموقفين السعودي والإيراني من العملية التركية، لكن المنطلقات والحسابات مختلفة تماما، وهذا من الواضح جدا، حيث فيما يتعلق بالاعتبارات والحسابات الإيرانية، والتي هي موضوع المقال، فرفض طهران للعملية العسكرية يتسق تماما مع موقفها منذ بداية الأزمة السورية إلى الآن، ضد أي تدخل عسكري خارجي داخل سوريا من دون موافقة النظام السياسي الحاكم في دمشق على ذلك، وخاصة عندما يتعلق الأمر بقوة إقليمية منافسة وندية، مثل تركيا التي وقفت منذ البداية في الضفة الأخرى للمعادلة السورية في نقيض المصالح الإيرانية في سوريا، من خلال اصطفافها إلى جانب المعارضة في مواجهة النظام الحليف لإيران. 

 

حسابات طهران وأنقرة في سوريا

وفي هذا السياق، دعت طهران أكثر من مرة أنقرة إلى "احترام وحدة أراضي وسيادة سوريا" و"إنهاء الهجمات وانسحاب القوات التركية من الأراضي السورية فورا".

إلا أن هذا الرفض لم يكن فقط بدافع أن العملية تتم خارج دائرة التنسيق مع النظام السوري وما شابه ذلك، بل كان من ضمن الحسابات الإيرانية، أيضا على ما يبدو هو مراعاة الحساسية الكردية في المنطقة بما فيها داخل إيران تجاه الموضوع، وخصوصا على ضوء العلاقات الجيدة التي تربطها بجماعات وأحزاب كردية بارزة، والتي نسجتها إيران خلال العقود الماضية مع الأكراد في المنطقة باعتبار أنها الأرض الأم لهم، وذلك على الرغم من علاقات العداء بينها وبين المعارضة الكردية الإيرانية. 

مع ذلك، فنجاح العملية التركية في إنهاء سيطرة القوى الكردية على شمال وشرق سوريا، هو أيضا مصلحة إيرانية، ليس فقط لأنه يحبط المشروع الكردي في سوريا من تشكيل دولة مستقلة، بل لأن ذلك من شأنه أن يمهّد الطريق لعودة قوات الحليف السوري إلى منطقة شمال سوريا وشرقها، التي لطالما سعت إلى ذلك، لكن التواجد الأمريكي في المنطقة حال دون ذلك. 

 

نجاح العملية التركية في إنهاء سيطرة القوى الكردية على شمال وشرق سوريا، هو أيضا مصلحة إيرانية


لكن لدى طهران مخاوف حقيقية من أن أهداف عملية تركيا تتجاوز إنهاء سيطرة قوات "سوريا الديمقراطية" (قسد) إلى إيجاد موطيء قدم دائم داخل سوريا عبر إنشاء منطقة آمنة، اعتبرتها الخارجية الإيرانية، في وقت سابق، "مستفزة ومثيرة للقلق".

وعليه، ثمة قلق من أن تعزز نتائج العملية العسكرية دور تركيا في سوريا ومعه دور المعارضة السورية على حساب المصالح الإيرانية في سوريا، مما يمنح الطرف التركي تأثيرا أكثر مما يتمتع به اليوم في رسم مستقبل سوريا، والذي قلّ خلال السنوات الأخيرة بسبب التطورات الميدانية لصالح النظام السوري وانحسار السيطرة الجغرافية للمعارضة السورية المدعومة من قبل تركيا. 

وفي هذا السياق، في حال ظهور مؤشرات خلال سير العملية، تؤكد المخاوف الإيرانية، يتوقع أن يتصاعد الموقف الإيراني شيئا فشيئا، وأن تشهد جبهة إدلب تطورات ضاغطة على تركيا والقوى المتحالفة معها، وعليه كان لافتا تأكيد الرئيس الإيراني، الأربعاء الماضي، القاضي بأن الأولوية هي موضوع إدلب وليس شمال سوريا وشرق الفرات، في إشارة إضافية إلى تعارض الأولويات بين طهران وأنقرة في سوريا.

أما إلى جانب رفضها التحرك العسكري التركي، فاقترحت طهران أيضا تصورها لرفع "القلاقل التركية" من حدودها الجنوبية، وهو ينبني أساسا على أمرين، الأول، التنسيق بين دمشق وأنقرة أي عودة العلاقات بينهما، والثاني العودة إلى اتفاقية "أضنة" لعام 1998 بين الطرفين وهو يعني إعطاء هامش للتحرك العسكري التركي المحدود بحسب ما تسمح به الاتفاقية. لكن النتيجة المحددة التي تريد طهران الوصول إليها في نهاية المطاف من خلال الأمرين المذكورين، هي إعادة المناطق الشمالية والشرقية لسوريا إلى سيطرة النظام، حيث ترى في ذلك الحل الوحيد للمشكلة، إلا أن هذا التصور على ضوء التعقيدات الراهنة للوضع السوري لا مجال أمامه ليرى النور، أقله في الوقت الراهن.