قضايا وآراء

تجديد فكر الإخوان المسلمين: الإخوان والشمولية (7)

1300x600
الإسلام دين شامل ينظم كل شؤون الحياة، ولقد عاش المسلمون الإسلام كحياة لقرون كانوا فيها أولي العلم والتقدم حتى انحسرت حضارتهم إلى ما نحن فيه الآن، بل وحصروا الدين في شعائر تعبدية لا علاقة لها بالحياة. قام المصلحون أمثال رشيد رضا والأفغاني ومحمد عبده للمناداة بالعودة لحياة الإسلام الحقيقية، ثم جاء الإمام البنا فتبنى هذه الأفكار وأبدع بأن أنشأ تنظيما يحمل هذا الفكر، وهو ما جعل الفكرة نتشر أكثر من مجرد كتابات لعلماء لا يقرأها إلا القليل.

يقول الإمام البنا: "الإخوان فكرة إصلاحية شاملة. كان من نتيجة هذا الفهم العام الشامل للإسلام عند الإخوان المسلمين أن شملت فكرتهم كل نواحي الإصلاح في الأمة، وتستطيع أن تقول ولا حرج عليك، إن الإخوان المسلمين: دعوة سلفية، وطريقة سنية، وحقيقة صوفية، وهيئة سياسية، وجماعة رياضية، ورابطة علمية ثقافية، وشركة اقتصادية، وفكرة اجتماعية".

أركز هنا على كلمة البنا الإخوان فكرة إصلاحية شاملة. فشمولية الفكرة عند البنا هي ذاتها شمولية الإسلام التي هي من أصول هذا الدين وثوابته.

شمولية الفكرة تعني أن المسلم معني بالرجوع إلى الإسلام في كل نواحي حياته، وليس فقط في أمور الشعائر. هناك فرق شاسع بين شمولية الفكرة وشمولية التنظيم. بمعنى آخر، جماعة الإخوان معنية بالشأن السياسي، ولا يعني هذا تأسيس حزب خاص بها وتهتم بالتعليم، ولكن ليس معناها أن تنشئ مدارس خاصة بها وتهتم بالصحة، ولكن لا يعني بالضرورة أن تقيم مستشفيات خاصة بها تملكها.

بالطبع، ليس حراما عليها أن تفعل هذا، لكن الممارسة العملية أثبتت أن الجماعة حين تقوم بثمة هكذا أمور فقد حولت الفكرة إلى كيانات يختلف عليها وسهلت اجتثاث هذه المؤسسات في كثير من الأوقات.

مثال آخر، كان بوسع الجماعة أن تشجع أعضاءها على التخصص في الإعلام، وتنشر فكرها وسط الإعلاميين دون أن يكون لهم رباط تنظيمي بالجماعة. بالقطع هذا سيكون عاملا مؤثرا في وصول صوتها إلى شريحة أكبر من المجتمع في فضاءات متعددة وأكثر من قناة فضائية واحدة تتحمل الجماعة تبعاتها (وكلاهما مطلوب).

الواقع العملي أيضا يشهد أن شمولية التنظيم كانت تجعل التنظيم فوق التخصصية. مثال ذلك، مجلس شورى الإخوان من قرر في مسألة الترشح للانتخابات الرئاسية، وليس حزب الحرية والعدالة الذي كانت اجتماعاته ديكورية لتنفيذ سياسات الجماعة المتفق عليها تنظيمياً.

أيضا كان مكتب الإرشاد ومكاتب المحافظات لها القرار الأخير فيمن يترشح للانتخابات السياسية أو المهنية أو المحلية أو حتى مسؤولي الجمعيات الخيرية.

إن التخوف من نجاحات هياكل ومؤسسات يقودها أو يشارك فيها أفراد من الإخوان يمكنها منافسة الجماعة؛ كان الهاجس الأكبر الذي جعل الجماعة تميل نحو المركزية القاتلة في كل شيء وقتل الإبداع، وليس أدل على ذلك من أنه في أقصى حالات الانفتاح التي شهدتها مصر بعد ثورة يناير، حرمت الجماعة على أعضائها الانتساب إلى أي حزب عدا حزبها.

هذا النمط من شمولية التنظيم أصبح سمتا للجماعة في العالم كله بما فيه أوروبا. وكل مقترح جديد لفتح آفاق عمل جديد حتى في ميادين لا تطأها الجماعة لا بد أن يخرج من رحم التنظيم وأن يشرف عليه التنظيم، وهذا كارثة في ظني.

إذا، المطلوب أن ينخرط الإخوان كأفراد في كل التنظيمات والجمعيات والجماعات والأحزاب والهيئات، للعمل بما فيه صالح الإسلام والوطن، دون أن يكون لهم أية مرجعية تنظيمية للجماعة وهم يقومون بهذا الدور. هذا سيجذر الفهم الوسطي الشمولي للإسلام في جميع مناحي الحياة، فانتشار الفكرة أسمى من انتشار التنظيم.