حقوق وحريات

كيف يهدد الشتاء معتقلي مصر بالموت البطيء؟

سجن العقرب من أكثر من السجون المصرية حراسة- أرشيفية

حذر حقوقيون مصريون ومعتقلون سابقون، من كارثة فصل الشتاء بالسجون المصرية، في ظل موجات البرد والأمطار والسيول التي ضربت عددا من المحافظات، وأدت لغرق عدد من السجون، منها سجن الزقازيق العمومي بمحافظة الشرقية (شرق القاهرة).

وحسب أسر المعتقلين بالسجن، فقد تعرض للسيول والأمطار الشديدة التي ضربت المحافظة خلال اليومين الماضيين، ما أدى لغرق الزنازين، وإتلاف أمتعة المعتقلين، الذين طالبوا بإخراجهم من الزنازين حتى يتم شفط المياه، ولكن الإدارة رفضت ذلك، وظلوا يومي الخميس والجمعة داخل الزنازين وسط مياه الأمطار، ما أدى لتعرضهم لنزلات برد شديدة.

شهادة خاصة

وفي شهادة خاصة لـ "عربي21"، يكشف الإعلامي مسعد البربري جزءا من المأساة التي يعانيها المعتقلون خلال فصل الشتاء، مؤكدا، أنه قضى 6 فصول شتاء في ثلاثة سجون مختلفة، كانت عبارة عن مأساة يعيشها المسجونون بشكل عام، والمعتقلون بشكل خاص، مشيرا إلى أن كل السجون تتشارك في كوارث بعينها، مثل غياب وسائل التدفئة وبناء معظمها بالصحراء، إلا أن هناك سجونا تمثل في حد ذاتها عقابا لمن يسكنها بالشتاء.

ويضيف البربري أنه سُجِن في بداية اعتقاله بسجن الاستقبال بمجمع سجون طرة جنوبي القاهرة، ثم انتقل بعد الحكم عليه بالمؤبد من محكمة أول درجة، لسجن 440 بوادي النطرون غرب القاهرة، وخلال إعادة محاكمته قبل حصوله على البراءة، كان يتم تخزينه بسجن العقرب في أوقات الجلسات.

 

إقرأ أيضا: أسرة إعلامي مصري معتقل تؤكد اختفاءه من سجن العقرب

وعن سجن الاستقبال يوضح ، أن به عنبران يطلق عليهما، عنابر التدفئة وهما عنبرا (ج، د) وكانا مخصصين لمعتقلي الجماعات الإسلامية في التسعينيات، وليس فيهما أية فتحات تهوية، باستثناء فتحة بالباب تسمي "النظارة"، لإدخال الطعام للمعتقلين، وبعد المراجعات التي جرت من الجماعة الإسلامية في العشرينيات بدأوا في التخفيف عليهم بعمل فتحات تهوية بهذه العنابر.

ويضيف البربري قائلا : "لقد سُجنت بهذه العنابر في فصل الشتاء، ولأنها كانت مصممة على عدم وجود فتحات تهوية بها، قام مسؤولو السجن بعمل فتحات في السقف مباشرة، بعرض متر، وبطول أكبر جدار بالغرفة وطوله تقريبا 8 متر، وهذه الفتحة كانت وسيلة تعذيب في فضل الشتاء ليس لها مثيل".

ويقول، أنهم لجؤوا لعدة اختراعات من أجل غلق هذه الفتحة في الشتاء، مثل شد بطانية بالحبال لتغطيتها وتخفيف الأمطار التي كانت تسقط عليهم منها مباشرة، كما أن البرد والصقيع الذي كان يدخل منها ليس له مثيل، خاصة وأن السجن خلفه مباشرة جبل المقطم وأمامه نهر النيل.

وحسب البربري فإن كثيرا من نزلاء هذه العنابر أصيبوا بأمراض المفاصل والبرد، مثل الربو والحساسية، والالتهابات الحادة في الحلق، وأمراض الروماتيزم.

ويتحدث عن مأساة صهاريج المياه العملاقة التي كانت تمد السجن بالمياه، مشيرا إلى أنها كانت على ارتفاع كبير من الأرض، وكانت المياه القادمة منها عبارة عن ثلوج تنزل من المواسير، وتزداد المأساة إذا أضطر أحد المعتقلين للاستحمام تحت أي ظرف من الظروف بالليل، حيث كان معرضا للموت بشكل واضح نتيجة برودة المياه.

وعن الشتاء بسجن 440 بوادي النطرون، يوضح أن السجن يقع بطريق القاهرة /الاسكندرية الصحراوي، ورغم أن الشتاء فيه كان عذاب حقيقي، إلا أن العنابر الموجودة بأطرافه، مثل عنبر ( 12 ) المخصص للدواعي الأمنية والعزل والتأديب، كانت مأساة لوحدها، حيث تصل الحرارة فيها دائما في الليل لتحت الصفر، ولم يكن تنفع بهذه العنابر أي بطاطين أو وسائل أخري للتدفئة.

ويشير البربري إلى أن إدارة السجن كانت تقوم بتفتيش دوري في فصل الشتاء على وجه التحديد، على كل زنانين السجن بعد صلاة الفجر، وهي الفترة التي يكون البرد فيها بذروته، ويتم اخراج المعتقل من تحت البطانية مباشرة، لفناء السجن في الهواء الطلق، وهو ما كان سببا في تعرض الكثيرين لأمراض صدرية كادت أن تقضي عليهم.

تعذيب ممنهج

ووفق الناشط الحقوقي علاء عبد المنصف مدير منظمة السلام لحقوق الإنسان، فإن المعتقلين يتعرضون للموت البطيء داخل السجون بفصل الشتاء، لعدة أسباب منها أن معظم السجون خارج المدن وغالبا في الصحراء، كما أن معظمها تم بناؤه بالحوائط الخرسانية سابقة التجهيز، بالإضافة لغياب سخانات المياه، وضعف الرعاية الصحية بشكل عام.

ويؤكد عبد المنصف لـ "عربي21"، أن الشكاوي التي وصلتهم من السجون المغلقة مثل العقرب، وشديد الحراسة 2، والوادي الجديد، و 440 بوادي النطرون وبعض عنابر سجن برج العرب، تشير إلى أن إدارة السجون تتعمد تعذيب المعتقلين بعمل تجريدات مستمرة على الزنازين، وتقوم بحرق الملابس والأمتعة والبطاطين، التي تم أحضرها الأهالي لذويهم.

ويشير الحقوقي المصري، أن سجون العقرب، وشديد الحراسة 2، لا يسمح للمعتقل إلا بثلاثة بطاطين "ميري" فقط، للنوم عليها والتدفئة بها، كما يتم منع ملابس التدفئة الداخلية، والمشروبات الساخنة، والسخانات العمومية بدورات المياه العمومية، وهي إجراءات تمثل جميعها وسائل تعذيب متعمدة في إطار سياسة الموت البطيء الذي يحدث مع المعتقلين السياسيين.