ملفات وتقارير

احتجاجات العراق صرخة ضد اقتصاد مترهل.. هل توقفها الإصلاحات؟

تبلغ الموازنة العراقية لعام 2019 نحو 112 مليار دولار، بعجز يصل إلى 23 مليار دولار- جيتي

عكست التظاهرات المشتعلة في العراق منذ موجتها الأولى بداية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، صورة الأزمة الاقتصادية التي يعيشها المواطن،وعبر عنها المتظاهرون الغاضبون مطالبين بإنهاء البطالة ومحاربة الفساد وتحقيق العدالة.


وتُجمع الجهات السياسية العراقية كما المتظاهرين، على أن اقتصاد بلدهم الغني بالنفط والموارد الطبيعية بحاجة لإصلاح، حيث صرح رئيس الحكومة عادل عبد المهدي في أكثر من مناسبة "بضرورة محاربة الفساد وتشغيل العاطلين وتحقيق العدالة الاجتماعية".


وتسعى  رئاسات الجمهورية والحكومة والبرلمان بالعراق إلى تخفيف حدة الاحتجاجات عبر الإعلان عن برامج إصلاحية، استجابة لنداءات الشارع، بيد أن هناك شكوكا حول قدرة هذه الوعود على انتشال البلد من واقعه المتأزم واقناع المتظاهرين بالهدوء وإنهاء حالة الاحتجاج.


اقتصاد مترهل

 

حسب تقرير مؤشر مدركات الفساد لعامي 2017 و2018 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية كانت العراق أحد خمسة بلدان عربية هي الأكثر فسادا في العالم، فجاء في المرتبة الـ168 عالميا من أصل 180 دولة بواقع 18 نقطة من أصل 100 خلال العام الماضي.

 



ورغم أن العراق يمتلك موارد طبيعية متنوعة وكبيرة، إضافة لمخزونه النفطي المثبت والبالغ 153 مليار برميل، (بحسب إحصائية وزارة النفط العراقية نهاية 2018)، إلا أن إيرادات النفط وحدها تساهم بـقرابة 90 بالمئة من نفقاته، ما يطلق عليه الاقتصاديون بالدولة "الريعية".

 

اقرأ أيضا: الأمم المتحدة تقترح "خارطة طريق" لإنهاء أزمة العراق (طالع)

وزادت نسبة البطالة في صفوف الشباب الواقعة أعمارهم بين 15 إلى 24 عاما، حيث كانت 20 بالمئة في 2014 وأصبحت 22 بالمئة في 2016 (وفق آخر إحصائية نشرها الجهاز المركزي للإحصاء لمؤشرات التشغيل والبطالة)، فيما كانت معدل البطالة العام حول 10.5 بالمئة.

وتبلغ الموازنة العراقية لعام 2019 نحو 112 مليار دولار، بعجز يصل إلى 23 مليار دولار، يتم تسديده من قروض أجنبية (18 قرضا) وديون داخلية مدورة (لخمس جهات محلية) مستحقة الدفع أو مؤجلة بفوائد، إضافة إلى برنامج "السندات الوطنية"، وفق ما ذكرته جريدة الوقائع العراقية في عددها 5429.

وضاعفت موازنة 2019 من الاستنزاف المالي للدولة العراقية عما كانت عليه في العام 2018، إذ كان العجز المالي آنذاك نحو 11 مليار دولار.

وفي مطلع 2018 وجه البنك الدولي انتقادات لطريقة إدارة الاقتصاد العراقي، في ظل وجود مئات آلاف الموظفين الفائضين عن الحاجة في شركات القطاع العام، وشدد على ضرورة الشراكة بين القطاعين العام والخاص.

وأشارت ممثلة البنك الدولي يارا سالم في تقرير قدمته إلى الأمانة العامة لمجلس الوزراء في كانون ثاني/يناير 2018، إلى أن الاقتصاد العراقي لا يزال يعتبر اقتصادا مركزيا، وتعاني الشركات العامة فيه من تكاليف إنتاج عالية فضلا عن البطالة، واعتبرته حينها عائقا رئيسا يعترض الإصلاح وإعادة الهيكلة.

وفي ضوء الاحتجاجات الجارية في العراق، يؤكد الأكاديمي الاقتصادي جواد البكري أن مشكلة العراق ليست سياسية ولا أمنية بل هي مشكلة اقتصادية، قائلا: "جُل مطالب المتظاهرين هي مطالب اقتصادية".

ويضيف البكري في حديثه لـ"عربي21" "كلنا يعلم مدى ارتفاع نسب البطالة، وخاصة بين فئة الشباب، وتوقف الصناعة العراقية وتعثر الاستثمار وسبات القطاع الخاص وترهل الجهاز الإداري للدولة الذي يستنزف جل الموازنات الضخمة المتأتية عن المصدر الريعي الوحيد (النفط)، ناهيك عن البيروقراطية والفساد".

جدوى الإصلاحات

 

 ويعتقد البكري بأن الإصلاحات العاجلة التي اتخذتها الحكومة كرد فعل على التظاهرات تؤدي إلى ذات النتيجة وهي "ثقل كاهل الدولة بأعباء لا قبيل لتحملها".

وقال: "ينبغي أن تكون المعالجات اقتصادية حقيقية وليست ترقيعية قد تؤدي في المدى المتوسط إلى زيادة الطين بلة".

ويشير إلى أن حاجة العراق لنوعين من الإصلاحات والتي ينبغي على الحكومة اتخاذها، النوع الأول هي الإصلاحات قصيرة الأمد التي تهدف إلى امتصاص نقمة العاطلين عن العمل، والنوع الثاني هي الإصلاحات طويلة الأمد التي تهدف إلى استقرار الاقتصاد العراقي ومعالجة التشوهات الهيكلية التي يعاني منها.

وتحت ما أسماه "الوصفة السحرية" أوضح بأن الإجراءات التي أعلنتها الحكومة، في أغلبها، شملت زج الآلاف من العاطلين عن العمل في الجهاز الحكومي المترهل أصلا، والذي سيزيد من الأعباء على كاهل الموازنة.

 

اقرأ أيضا: رئاسات العراق: إجراءات لملاحقة الفاسدين وقانون انتخاب جديد

ولفت إلى أن "الإنفاق الجاري من مجموع الإيرادات الحكومية في موازنة عام 2019 بلغ 95 ترليون دينار عراقي أي نسبة 90 بالمئة، وكانت الإيرادات الكلية 105 ترليون دينار عراقي، وعليه لم يتبق للإنفاق الاستثماري إلا 10 في المئة".

وشدد البكري على أن الإنفاق الاستثماري هو الذي يطور البلدان وليس الإنفاق الجاري.

المعالجات الضرورية


ومن وجهة نظر الأكاديمي الاقتصادي فإن "إنعاش القطاع الخاص يجب أن يقع على رأس أولويات الحكومة لما له من دور في حل كثير من المشاكل المستعصية في الاقتصاد العراقي".

وقال: "عندما يكون هناك قطاع خاص فاعل فإنه ممكن أن يوفر عدد هائل من فرص العمل، كما أن زيادة الإنتاج الصناعي سيؤدي إلى تقليل الاستيراد ويوقف النزيف في العملة الصعبة، ومن ثم زيادة الاحتياطات النقدية، وهكذا فإن تنمية القطاع الخاص سيخفض معدلات البطالة ويقلل الضغط على الجهاز الحكومي ويقلل النفقات الجارية".

وأشار إلى ضرورة زيادة الائتمان المقدم للقطاع الخاص من قبل الحكومة، متوقعا أنه سيشكل قفزة نوعية في هذا القطاع.

وأوضح بأن الائتمان المقدم للقطاع الخاص كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي ارتفع إلى 9 بالمئة في عام 2017 مقارنة مع نسبة 1 بالمئة في 2004، وكان متوسط معدل النمو خلال المدة (2004-2017) قد بلغت 27 بالمئة، في حين بلغت نسبة متوسط معدل النمو للإنتاجية الصناعية لذات المدة 6 بالمئة فقط. وهذا يؤشر أن نسبة كبيرة من التوسع في الائتمان المحلي لا توجه إلى القطاعات الإنتاجية بل إلى القطاعات الاستهلاكية.

 

اقرأ أيضا: عبد المهدي يتحدث عن الإصلاحات ويبرر قطع الإنترنت

واعتبر تشجيع الاستثمار مطلب ضروري خلال المرحلة المقبلة، موضحا بأن الاستثمار ينشط في ظل قانون استثمار جيد، موضحا بأن قانون الاستثمار العراقي من أفضل القوانين الاستثمارية في المنطقة، لكن غياب الشفافية هو من يعيق عملية الاستثمار.


وقال: "لغرض الحصول على إجازة استثمارية في العراق يتطلب الأمر، في أفضل الحالات، سنة كاملة، فيواجه المستثمر جولات مكوكية بين مجموعة كبيرة من الدوائر التي تستخدم معه أعلى درجات البيروقراطية والابتزاز".


ووفق البكري تعد مكافحة الفساد مطلبا أساسيا لإصلاح الواقع الاقتصادي والذي لا يتم إلا بالبدء من أعلى الهرم السلطوي، متسائلا "لكن هل هناك إرادة سياسية لمعالجة الفساد من أعلى الهرم؟".


وختم بالقول: "مشكلة العراق ليست مالية فهو من دولة غنية تحتكم على احتياطات نقدية وذهبية كبيرة، فضلا عن إيرادات النفط التي تفوق (100) مليار دولار سنويا، لكن مشكلته تكمن في تدني الأداء الاقتصادي وضعف إدارة المال العام وسوء توزيع الدخل بين أفراد المجتمع".