أخبار ثقافية

مسلسل "حكاية خادمة": موسم الحنين إلى القرون الوسطى

تقوم +الفكرة على تخيّل ما ستؤول إليه الأمور بأمريكا بعد وصول اليمين المتطرّف إلى الحكم- ا ف ب

وأنت تشاهد المسلسل الأمريكي "حكاية خادمة"، إنتاج 2017، سيحضر في ذهنك مسلسل موازٍ لهذا المسلسل المأخوذ عن رواية بنفس العنوان للكاتبة الكندية مارغريت آتوود، غير أنه مسلسل حقيقي شاهدنا حلقاته عبر شاشات القنوات الإخبارية وفيديوهات اليوتيوب وأخبار الصحافة العربية والعالمية، ألا وهو مسلسل دولة "داعش"، لكن الدولة في المسلسل الخيالي ستحمل اسم دولة جلعاد القادمة من الكتاب المقدّس.


تقوم فكرة المسلسل على تخيّل ما ستؤول إليه الأمور في أمريكا فيما لو وصل اليمين المسيحي المتطرّف إلى سدة الحكم؛ إذ سيقوم المتشددون بالسيطرة على البلاد وتعطيل الحياة الديمقراطية لصالح فرض منظومة دينية أحادية يتوجب على الجميع الخضوع والإذعان لها.


 ستبدأ هذه المنظومة بردم الإنجازات التي حققتها الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية فيما يتعلّق بحقوق المرأة والحريات الجنسية، ومن ثم ستأخذ في محاولة جعل العالم أفضل حسب تعبير القائد "وترفورد"؛ وذلك من خلال سحب الإنسان الحديث وتجريده من عالمه وإرساله إلى عالم القرون الوسطى، وهو العالم المثالي للمتطرفين، حيث سيتم منع القراءة والكتابة وتحريمهما على المرأة التي ستعود إلى بيتها بعد حرمانها من العمل ومن حق الملكية ومنعها من ممارسة أي نشاط خارج ما كان مألوفًا في تلك القرون.

 

اقرأ أيضا: مسلسل "فوضى".. والإيهام بالحياد

كما سيتم هدم الكنائس التابعة للمذاهب الدينية المخالفة وقمع أتباعها، وسيعيد النظام المتشدّد إنتاجَ هواياته القديمة؛ بتعليق المشانق في الحدائق والساحات العامة التي ستكون مسرحًا يوميا للموت والقتل. ومن خلال استعادة الأحكام والشرائع التي تجاوزها العالم الغربي وأصبح يتعامل معها كماض لا يسمح بإحيائه، وكذلك استعادة نظام الجواري لأغراض استخدامهن في الإنجاب نيابة عن زوجات القادة اللواتي لا يستطعن الإنجاب بسبب العقم.


يقوم المسلسل بتسليط الضوء على عالم النساء الصالحات للإنجاب اللواتي يتم خطفهن ووضعهن في مراكز تدريب خاصة لأغراض تحويلهن إلى جواري تُستخدم الواحدة منهن كرحم بديل لرحم زوجة القائد العاقر في طقس ديني يقام مرة واحدة شهريا في فترة إخصاب الجارية؛ إذ يقوم الزوج بممارسة الجنس مع الجارية وهي على ركبتي زوجته بطريقة آلية خالية من العواطف والمشاعر باستثناء مشاعر الجارية وعواطفها التي تغتصب وتهان دون أن تملك حق الاعتراض أو الرفض. بل إنها ستفقد كل خصالها السابقة بما في ذلك اسمها السابق إذ ستكتسب اسمًا جديدًا يحدد تبعا للقائد الذي يمتلكها.


هكذا ستجد (جون) بطلة المسلسل نفسها أصبحت تحمل اسم "أوفريد" بعد أن التحقت بخدمة القائد "وترفورد" وبعد أن فقدت الاتصال بزوجها الذي نجح في الهروب إلى كندا وبابنتها التي تمت مصادرتها من والدتها. وستأخذ أسماء الجواري طابعًا آليًا أيضًا وفاقدًا لمضمونه الإنساني؛ إذ ستحمل كل جارية تخدم هذا القائد اسم "أوفريد" الأمر الذي ينطبق على أسماء الجواري اللواتي سيحملن أسماء مشتقة من أسماء القادة الآخرين.


وسينجح النظام الشمولي بفرض الآلية والصرامة على مختلف مظاهر الحياة: ألوان الملابس ستكون موحدة ومقسمة حسب الطبقات والمهن إذ لن يترك للمواطن حق اختيار ملابسه وألوانها، والعلاقات مرسومة بدقة وعناية لا يتم خرقها إلا سرًا وفي الخفاء، والعقوبات تطبّق بصرامة جعلت من الأفعال الصغرى والعادية جرائم كبرى قد يكون عقابها الرجم والموت. والفسحة الوحيدة المتاحة للجواري هي فسحة الذهاب إلى السوق واختيار الطريق الطويلة أثناء العودة ويكون الترف قد وصل حده بالجلوس قليلا قرب حائط الإعدام حيث يتم شنق عصّاة جدد بشكل دوري.

 

اقرأ أيضا: "أناشيد الملح".. أول كتاب بتوقيع جزائري عائد من الموت

وسيصبح أكبر هواجس الجارية "أوفريد/جون" أن تنجح في التحدي والاستمرار في العيش وسط جحيم "العالم الأفضل" على أمل النجاة والعثور على العائلة. إن مواصلة الحياة في عالم قاتم هو حلم المقهورين في دولة جلعاد الذي يواجهون به وحشية النظام الشمولي. وفي مقابل العيون والجواسيس الذين يسلّطهم النظام على الأتباع تتشكّل فرق النجدة والأمل التي تحاول اختراق صرامة المنظومة الدينية والوصول إلى شاطئ النجاة.


على الرغم من أنّ فكرة المسلسل قائمة على رواية خيالية فإن المُشاهِد العربي لن يجد نفسه غريبًا عن هذه الأجواء التي عايشها مع قيام دولة "داعش" في العراق وسوريا بكل تفاصيلها، وكل ما نحتاجه فقط هو استبدال النصوص الدينية التي يستند المتشددون إليها في تبرير الجحيم الذي يصنعونه. كما أنه عايش الكثير من الأنظمة الشمولية والبوليسية التي سلبته كرامته، تارةً باسم الدين وأخرى باسم القومية والوحدة العربية. أمّا عالميًا فإن العالم الغربي يواجه اليوم ردّة قوية نحو التشدّد عبّر عنها بالصعود غير المسبوق لليمين المتطرّف الذي نشهده اليوم، ولربما جاء هذا المسلسل ليذكرنا بالمصير الذي ينتظر العالم في حال استطاع هؤلاء أن يسيطروا عليه!