سياسة عربية

هكذا تتفاوت معاشات العسكريين والمدنيين في مصر

مسؤول حكومي سابق قال إن معاشات العسكريين وصلت خمس زيادات تم وضعها في صورة قانونية خلال حكم السيسي- جيتي

حالة من التفاوت الكبير بين معاشات المدنيين وأفراد الجيش في مصر؛ ففي الوقت الذي يبلغ معاش المعلم نحو (75 دولارا) شهريا، يحصل ضابط الصف بالجيش على ثمانية أضعاف هذا المعاش (600 دولار) تقريبا.

وفي الوقت الذي اضطر فيه كثير من العاملين في الحكومة، خاصة ممن سبق للنظام العسكري الحاكم اعتقالهم، للخروج من العمل عبر المعاش المبكر، إلا أنهم حصلوا في النهاية على معاش شهري نحو 1200 جنيه، ومكافأة نحو 10 آلاف جنيه، بعد مدة عمل ما بين 30 و35 عاما.

ورصدت "عربي21" عدّة نماذج من هذه الحالة لمعلمين في التربية والتعليم والأزهر الشريف، حكوا عن معاناة كبيرة، وأنهم لا يمكنهم العيش بهذا المعاش، ولا يمكنهم العمل بأي مجال مرة أخرى.

وأجمع ثلاثة معلمين بالتربية والتعليم وواحد بالأزهر الشريف، أن ظروف اعتقالهم والمطاردة الأمنية لهم دفعتهم بعد الإفراج عنهم إلى الخروج من العمل الحكومي عبر المعاش المبكر، مؤكدين لـ"عربي21"، أنهم تحمّلوا تعنت الإجراءات الحكومية، ليفاجأوا في النهاية بأن معاشهم الشهري ما بين 1200 و1500 جنيها (75 إلى 90 دولار شهريا).

وقالوا لـ"عربي21"، إنه لو تمت مقارنتنا بزملائنا الذين تطوعوا في الجيش بعد مرحلة الإعدادية الدراسية، فإن معاش الواحد منهم يساوي معاش ثمانية معلمين من خريجي الجامعات، مشيرين إلى أنهم لا يمكنهم ممارسة أي أعمال، حيث يمنعهم القانون، ولا يجيدون مهنا أخرى كي يمتهنوها.

 

اقرأ أيضا: السيسي: إن لم تدعمنا الدول الكبرى فسيصل الإرهاب إليها

وعلى الجانب الآخر، رصدت "عربي21" أربعة نماذج من المتطوعين بالخدمة في القوات المسلحة الذين خرجوا معاشا مبكرا بنحو 10 آلاف جنيه شهريا ومكافأة نحو 600 ألف جنيه، وتم استدعاؤهم للعمل بمشروعات الجيش في محطات الوقود "وطنية"، والصوب الزراعية، والمشروعات المعمارية، بمبالغ تصل 10 آلاف جنيه شهريا.

وأكد طارق، أحد المتطوعين بالمعاش، أنه تم استدعاؤه على الفور ليعمل بإحدى محطات وقود الجيش بالطريق الإقليمي، للعمل مدة 3 أيام وإجازة مثلها، بمقابل شهري يقترب من معاشه، ليحصل على نحو 20 ألف جنيه شهريا (1250 دولارا)، بعقد مع الجيش، موضحا لـ"عربي21"، أن الأمر ليس منحة خاصة به، ولكن بنسبة كبيرة يتم التعاقد مع المتطوعين بعد خروجهم للمعاش للعمل بمشروعات الجيش.

"معاش الطبيب والعسكري"

من جانبه، قال المسؤول الحكومي السابق بوزارة الصحة مصطفى جاويش،: "معاشات العسكريين شهدت ارتفاعا ملحوظا، ووصلت خمس زيادات تم وضعها في صورة قانونية خلال حكم السيسي".

وأشار بحديثه لـ"عربي21"، إلى "دراسة حالة لمجند قضى 25 عاما بالجيش برتبة صفّ ضابط يتنقّل بين وحداته العسكرية، قبل أن تنتهي خدمته بناء على طلبه برتبة (ملازم أول) معاشه تسعة آلاف جنيه شهريا (550 دولار)، ومكافأة نهاية خدمة نحو 600 ألف جنيه (36 ألف دولار)، جعلته يعيش حياة كريمة".

وأكد جاويش أنه "يُصرف للعسكريين معاش أساسي وآخر متغير، ومكافأة شهر لكل سنة بالخدمة، ويُسوَّى المعاش على أساس آخر راتب اقتُطع منه احتياطي المعاش، ويدخل بحساب الراتب ما استحقه المنتفع من زيادة براتبه، حتى وإن لم يكن قد صُرف له".

وجزم المسؤول الحكومي السابق بأن "معاش المجند المتطوع يصل ثمانية أضعاف المعاش الذي حددته وزارة الصحة للطبيب الاستشاري الذي انتهت فترة عمله مديرا لمستشفى حكومي لأكثر من 37 عاما بالمستشفيات الحكومية، فيأخذ الطبيب نحو 1350 جنيها (80 دولارا)، لا يكفي متطلباته الأساسية".

وقال إنه "تم ضرب المثل بحالة مجند؛ لأنه لا يوجد مجال للمقارنة بين معاشات الموظفين المدنيين مثل الأطباء، وبين معاشات القادة العسكريين، التي تزيد بنسب كبيرة جدا تصل لعشرات الأضعاف".

"وفق التكييف القانوني"

وأكد جاويش أن "الارتفاعات غير المسبوقة بمعاشات العسكريين وُضع لها تكييف قانوني"، موضحا أن "زيادة أجور ومعاشات العسكريين جزء من استراتيجية تدعيم سلطات من هم بهذه المؤسسات عبر الامتيازات المالية التي هي ملمح من ملامح تشكيل سلطة معنوية ومادية للعسكريين بمصر".

وقال إنه "من الغريب أن يدفع المدنيون أكثر مما يدفع العسكريون كاحتياطي معاش، إلا أن طريقة حساب المعاشات لكل منهما تجعلهم يتقاضون أقل من خُمس ما يتقاضاه العسكريون، بحالات الخروج للمعاش بسن التقاعد، والمعاش المبكر لكل منهما، بالإضافة للتعويض التقاعدي للعسكري، الذي يجعله يتقاضى المبلغ ذاته الذي يتقاضاه زميله بالخدمة".

وذكر جاويش أن "عدد الموظفين المدنيين الذين يتقاضون معاشا شهريا يبلغ تسعة ملايين موظف حكومي، وأن القيمة المالية للمعاشات مخالفة لما هو منصوص عليه بالمادة 17 من دستور 2014، حيث تكفل الدولة توفير خدمات التأمين الاجتماعي، ولكل مواطن لا يتمتع بنظام التأمين الاجتماعي الحق في الضمان الاجتماعي".

"أمر شكلي ومخالفة للقانون"

وأضاف أنه "وبالرغم من أن هيئة مفوضي محكمة القضاء الإداري أصدرت حكما سابقا بأحقيّة صاحب المعاش بالحصول على 80 بالمئة من العلاوات خلال تأدية وظيفتهم دون اللجوء للقضاء، والحكومة امتنعت عن التنفيذ، وضربت بأحكام القضاء عرض الحائط".

وأكد المسؤول الحكومي السابق أنه "وفي محاولة تلفزيونية شكلية لإرضاء أصحاب المعاشات، أعلن السيسي قبل أشهر صرف تلك العلاوات دون جديد، وفي حين وافق البرلمان على زيادات جديدة للعسكريين تم الإعلان عن عدم قدرة الدولة على صرف أي إضافات لمعاشات المدنيين".

وختم جاويش بقوله: "كثير من العسكريين يتم السماح لهم بتقلد وظائف حكومية بعد سن التقاعد، عكس المدنيين، ويتم وضع مسميات إدارية ومالية تسمح لهم بصرف مستحقات مالية بمسمى مكافآت وغيرها، بحيث يتم الجمع بين المعاش وراتب الوظيفة الجديدة بالمخالفة للقانون، ولكن يتم التكييف الشكلي لصرف تلك الأموال".