مقالات مختارة

عن المجتمع الدولي ومواقفه وقراراته

1300x600

موقفان دوليان صدرا في الأيام الأخيرة يعيدان، على ما بينهما من تناقض، إلى دائرة الجدل الحامي موضوع المجتمع الدولي وقراراته ومواقفه ومستوى تأثيرها وفاعليتها.

الموقف الأول، جاء على شكل قرار اتخذته الجمعية العامة للأمم المتحدة بالموافقة على تمديد ولاية «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين». وكان لافتا صدور القرار بأغلبية واسعة جدا، خصوصا وان الولايات المتحدة ومعها دولة الاحتلال» قاتلتا» بكل الوسائل لمنع صدور هذا القرار.

الموقف الثاني، هو إعلان وزير الخارجية الأميركي بأن المستوطنات في القدس والضفة الغربية المحتلتين لا تخالف القانون الدولي.

الموقف الأول، هو إعلان موقف للمجتمع الدولي على شكل قرار ملزم، رغم الصعوبات المتوقعة التي ستواجه تنفيذه لجهة التمويل، ولجهة العراقيل التي ستضعها دولة الاحتلال. والقرار جاء باتساق مع مواقف وقرارات المجتمع الدولي المتواصلة.

أما الموقف الثاني، فهو تأكيد لمواقف إدارة الرئيس ترامب في انحيازها ودعمها غير المسبوق لدولة الاحتلال، وجاء في تضاد مع المجتمع الدولي وهيئاته المتنوعة ومواقفها وقراراتها.

من الناحية القانونية، الموقف الأميركي لا ينتقص من شرعيه قرار الجمعية العامة، ولا يعدّل القانون الدولي القائم، ولا تفسير محكمة العدل الدولية ولا مجلس الأمن له. والموقف جاء نقيضا للقانون الأميركي العام 1978 الذي ينص على أن واشنطن تعتبر المستوطنات انتهاكا للقانون الدولي.

والموقف الجديد رفض واسع من الأمم المتحدة ومن العديد من الهيئات الدولية وكثير من الدول، ووصل حد الإدانة من بعضها. من الناحية العملية الميدانية لا يضيف هذا الموقف إلى موضوع الاستيطان شيئا يذكر، فدولة الاحتلال لم تكن تنتظره كي «تفرد» أجنحة استيطانها، بل هي آخذة راحتها بالاستيطان على الآخر دونما التفات إلى أي قانون.
إن إعلان هذا الموقف، وبهذا التوقيت، يصدر كبادرة دعم سياسي ومعنوي أميركية لنتنياهو في ظروفه الصعبة المعروفة.، وأيضا لتصحيح ما يعتبره ترامب واحدا من أخطاء سلفه التاريخية، والتي يعتبر إلغاؤها احدى مسؤولياته الهامة، وذلك، حينما سمح الرئيس أوباما بتمرير القرار 2334 لسنة 2016 في مجلس الأمن الذي يدين الاستيطان الصهيوني ويدعو لوقفه.

نتنياهو بدوره التقط المبادرة ورأى فيها «أن أميركا صححت المسار التاريخي الخاطئ».

الجدل الساخن المشار إليه يكشف أن هناك أكواما من القرارات تراكمت عبر السنين الطويلة تخص القضية الوطنية الفلسطينية ونضالات شعبها.

أكوام القرارات هذه، ظل مفعولها محدودا في الدعم السياسي والمعنوي، بشكل عام، ولم تكتسب تعبيرات مادية وعملية إلا في حالات نادرة.

لم توقف هذه القرارات عدوانا ضد ارض الوطن الفلسطيني وتسارع قضمها، ولا ضد الشعب الفلسطيني وسياسات التمييز العنصري والقتل والاعتقال والاضطهاد الذي تمارسه دولة الاحتلال ضده. ولم ترجع للشعب الفلسطيني أيا من حقوقه التي يقرها له المجتمع الدولي.

ولم يكن لهذه القرارات بالمقابل، قيمة أو تأثير يذكر على دولة الاحتلال ولم تعن لها أكثر من زوبعة تفتعلها ضد أي من تلك القرارات لفترة قصيرة ثم تمضي في سبيلها وبنفس سياساتها وممارساتها دون اكتراث. ولا هي خففت من عنفها، ولا كبحت شهيتها لقضم الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولا عدّلت في تنكرها لأيّ من حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية أو المرحلية.

المفتاح الرئيسي لفهم وتفسير هذه الحالة هو أن أيا من تلك القرارات والمواقف، لم يمتلك آلية تنفيذ ولم يقترن بأي إجراء رادع مهما كان محدودا.

يضاف إلى ذلك أن الكثير من الدول التي كانت توافق على القرارات لم تكن تتقيد بها بشكل جدي. وظلت دولة الاحتلال تراهن أن معظم تلك الدول ستنسى القرار ولن تتقيد بتنفيذ ما يدعو إليه، وكانت غالبا تكسب الرهان.

ساعد في حصول الحالة الموصوفة متغيرات عديدة وأساسية شهدها الوضع الدولي على أكثر من مستوى وفي أكثر من مجال، معظمها لم يكن في صالح النضال الوطني الفلسطيني. ويبرز بشكل خاص، المتغير المتمثل في الزيادة الكبيرة لثقل وفعل الدور الأميركي في الوضع الدولي، ومن موقع المنحاز الداعم لدولة الاحتلال، والمدافع عنها.

وبلغ الانحياز الأميركي ذروته بوصول ترامب إلى سدة الرئاسة والرمي بثقله وراء دولة الاحتلال بكل وضوح وانكشاف واتخذ تعبيرات مفصلية أصبحت معروفة.

كما ساعد في الوصول إلى الحالة الموصوفة، تراجع فعل الدور العربي على المستوى الدولي. ولا يمكن تجاهل مسؤولية الانقسام الوطني الفلسطيني في الوصول إلى هذه الحالة، على محدودية هذه المسؤولية ونسبتها.

 ليس القصد من كل ما تقدم الدعوة إلى التسليم وإدارة الظهر للعمل الدولي، بل يبقى من الضروري والمطلوب تصعيد العمل الدولي في كل المؤسسات والهيئات الدولية والقارية والمناطقية بنفس الحماس والزخم، بل وأكثر، ودعوة كل الأطراف الفلسطينية إلى تجنيبه خلافاتها وانقساماتها،
وأيضا دعم وتنشيط العمل الدولي في الأوساط المجتمعية، والتعاون مع ودعم الهيئات والجمعيات القائمة والناشطة مثل الـ BDS ، وجمعيات المناصرة في اكثر من بلد عربي ودولي، ودعوتها للخروج إلى فضاء الإجراءات العملية وحول قضايا محددة، تعتمد على الجماهير وقواها المجتمعية.

عن صحيفة الأيام الفلسطينية