قضايا وآراء

القمة الإسلامية

1300x600
لماذا لم تُدع مصر والسعودية إلى "قمة كوالالمبور 2019" التي تضم خمس دول (ماليزيا وتركيا وباكستان وقطر إندونيسيا)؟!

وما دلالة انعقادها في هذا التوقيت (18-21 كانون الأول/ ديسمبر المقبل) في ماليزيا؟

أولا: يجب أن ندقق النظر في أهداف هذه القمة كما ذكرها رئيس الوزراء الماليزي، مهاتير محمد:

1- تسليط الضوء على مشاكل العالم الإسلامي، واقتراح الحلول لها.

2- دور التنمية في الوصول إلى السيادة الوطنية.

3- الحفاظ على السيادة وقيم الثقافة والحرية والعدالة ومواكبة التكنولوجيا الحديثة.

4- مناقشة أبرز القضايا التي تواجه المسلمين بشكل عام حاليا، مثل "طرد المسلمين من أوطانهم، وتصنيف الإسلام كدين إرهاب".

5- مساعدة المسلمين على استعادة أمجادهم الماضية، أو على الأقل مساعدتهم على تجنُّب الإذلال والاضطهاد المنتشر حول العالم هذه الأيام.

6- إيجاد آلية فعالة لتنظيم التواصل بين قادة الدول الإسلامية، لتنسيق المواقف في القضايا التي تهم المسلمين بشكل عام، بهدف تشكيل موقف موحد يحافظ على حقوق المسلمين.

7- إشراك المفكرين والعلماء في آلية فعالة تُمكِّنهم من المشاركة بعلمهم وأفكارهم في وضع حلول يمكن تحقيقها على أرض الواقع.

8- مناقشة أسباب عدم قدرة العالم الإسلامي على وضع حد للعدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني.

وبالنظر إلى أهداف هذه القمة المصغرة، وتوقيت انعقادها، في تقديري أنّها تأتي في سياق الحرب "الاقتصادية والثقافية" على تركيا، والتي تمثل أقوى سلاح بيد من يخشى عودة تركيا لذَاتها أولا، ولطموحها ثانيا، ولدورها في تاريخ الأمة ثالثا.

كذلك بالنظر إلى هذه الأهداف المعلنة مرة أخرى، وربطها بالحرب الاقتصادية والثقافية على تركيا، يمكن فهم عدم دعوة السعودية ومصر لهذه القمة المصغرة، على اعتبار أن النظامين السعودي والعسكري المصري مشاركان في الحرب على ثورات الشعوب العربية.. مشاركان في الحرب الاقتصادية والثقافية على تركيا. فثمة تماهٍ لأنظمة الثورة المضادة (على رأسها النظامان السعودي والعسكري المصري) مع الموقف الأوروبي والأمريكي والإسرائيلي والإيراني من تعافي تركيا واستردادها المتدرج لهويتها الحضارية، جمعا بين الأصالة والحداثة.

إن تعافي تركيا ونهضتها المادية، فضلا عن المستوى الروحي المتمثل في الاستعادة المتدرجة للذات وموروثها الحضاري، هو الذي يرعبهم ويرعب أسيادهم في الغرب. ولفهم ذلك بشكل أكثر وضوحا نقول:

لا مشكل في فهم سياسة أمريكا، فهي بينة ولا تخفى إلا على “الصم البكم العمي الذين لا يعقلون" مـمن يتوهمون أن أمريكا وإسرائيل بحاجة لحلف استراتيجي مع حكام "أنظمة الثورة المضادة" التي يتوهم صبيانها أنهم يحكمون دولا وليست محميات.

فابن سلمان وابن زايد كانا يتصوران أن ترامب ينوي محاربة إيران، كما صدّقا من قبل "مسافة السكة" التي وعدهم بها العميل السيسي ليحصل على الرز. كذلك توهما القدرة على الحوثي الذي انقلب عليهم بعد أن سلحوه ضد ثورة اليمنيين.

لقد لعب معهما ترامب لعبة السيسي ليحصل على ما ينتظره من أموال لحرب لا ينوي خوضها أصلا. كما أنّ إيران لا تخيف إلاّ الجبناء أمثالهم ممن يحاربون خيرة شعوبهم ويحتمون بالأعداء.

كما توهم الأميران أن باستطاعتهما أن يؤسسا لهما سلطانا في النخبة السياسية الأمريكية يؤثر على قرارات أمريكا الاستراتيجية!! فكانا ضحية للنخبة الأمريكية فحلبت بلادهما مرتين. فهما لا يختلفان عن أجدادهم الذين تم استعمالهم في سايكس بيكو الأولى. 
فهؤلاء مثلهم كالسيسي وحفتر؛ تلاميذ المخابرات وليس العلماء. فلم يدرسوا شيئا، بل غُسِلت أدمغتهم لاستغلالهم من أجل زرع الخيانة لإنجاح المشروع الأمريكي الصهيوني (صفقة القرن أو سايكس بيكو الجديدة). فما يخيف أمريكا وإسرائيل هو إمكانية انبعاث المارد السني الجامع للشعوب التي قاومت طيلة القرون الماضية للمحافظة على دار الإسلام أي (سُنَّة العرب وسنة الترك وسنة الكرد وسنة الأمازيغ وسنة سودان أفريقيا). فمن الذي يصل به الغباء فيصدق أن أمريكا تتحالف استراتيجيا مع هؤلاء؟! لكن لا بأس إذا كان هذا الإيهام يُمَكِن من بناء القواعد العسكرية على حسابهم وتمويل الاحتلال باسم الحلف، ولا بأس بهذا الإيهام أيضا ما دام هؤلاء أدوات في صفقة القرن أو سايكس بيكو الأمريكية الصهيونية الجديدة، التي تجري وقائعها أمام أعيننا، ودليلها حربهم على شعوب الربيع العربي، وعلى تركيا رغم أن تركيا أنقذت جدودهم من حرب الاسترداد البرتغالية وحمت الإسلام في كل أفريقيا وآسيا وفي بعض أوروبا، حفظ الأتراك لنا كعرب هويتنا ولغتنا.

إن ما تزعمه أنظمة الثورة المضادة وأنظمة الممانعة من أن عداءها لتركيا بسبب الخوف منها على العروبة والإسلام غير صحيح، لأنه لا أحد في العالم أضر بالعروبة والإسلام أكثر من هذه الأنظمة والعملاء المستبدين بالعرب والإسلام، وما يسمونها دولا هي محميات صنعها الاستعمار، ولم يكن لها وجود قبل الحرب العالمية الثانية، وأن هذا الاستعمار هو الذي اختارهم خدما لمصالحه على حساب العروبة والإسلام وكل القيم الإنسانية.

إن ما تفعله هذه الأنظمة مع تركيا فعلت مثله وأكثر مع أي نظام عربي تشعر أنه بدأ يحقق شيئا قد يجعل شعوبها تحتقرها أكثر، وتشرع في التوق إلى شيء من الحرية والكرامة. وخير مثال على ذلك ما فعلته هذه الأنظمة في ثورة مصر وثورة سوريا وثورة اليمن وثورة ليبيا، وما تحاوله في ثورة تونس، وما حاولته ضد قطر، وتركيا منذ أن بدأ الغرب يشوه صورة نظامها الحالي الذي مكنها من الخروج من التبعية. تلك الأنظمة "باتت على وشك الإفلاس، نتيجة لدعمها اللامحدود لنزوات ترامب، ولوبيات إسرائيل. وإن تعافي تركيا ونهضتها المادية (فضلا عن المستوى الروحي المتمثل في الاستعادة المتدرجة للذات وموروثها الحضاري) هو الذي يرعبهم ويرعب أسيادهم في الغرب.

فالتعافي التركي أثبت أن تركيا حققت في عقد ونصف من استرداد الهوية الإسلامية على كافة المستويات؛ ما لم تحققه في 70 سنة من علمانية العسكر. فحيثما وجد القائد المسلم الذي يتكلم الكلام المناسب عن الإسلام، فإنه من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدي القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى، وهذا بالضبط ما أزعج الغرب وأذنابه والموالين له في المنطقة ودفعهم للتآمر المستمر ضد تركيا والرئيس أردوغان، فقد أفزعهم التفاف قلوب الشعوب العربية والإسلامية حوله وتنامي تأثير تركيا خارج الحدود. والأهم والأخطر من هذا كله هو الأمل الذي انبعث في نفوس تلك الشعوب من إمكانية أن تتقدم دولها وتنافس الغرب وتقارعه وتقف منه موقف الند للند وليس التابع، حين يتولى زمام الأمور فيها حكام وقادة مثل الرئيس أردوغان.

نعم إنه الأمل والسعي نحو التغيير والتقدم وامتلاك حرية القرار وسيادته، هو ما يغضب الغرب وغلمانه من الأعراب، ويدفعه لحافة الجنون من تركيا وأردوغان الذي اقترب بالفعل من تأسيس الجمهورية التركية الثانية المنتمية لعمقها العربي والإسلامي، وليست تركيا التابعة للغرب والسائرة في ركبه. لهذه الأسباب وغيرها لا يتوقف تحالف الغرب وغلمانه في المنطقة عن المؤامرات، ويشن الحرب تلو الحرب ضد تركيا والرئيس أردوغان، والتي ستفشل بإذن الله تعالى.

في هذا السياق تأتي "قمة كوالالمبور" المصغرة دعما لتركيا في مواجهة الحرب الاقتصادية والثقافية التي يشنها الغرب وغلمانه من العرب عليها، ولتحقيق ما فكر فيه القائد أربكان من "تعاون الدول الإسلامية الثمانية". فاليوم الفكرة تعاد وتبدأ بخمس دول: "تركيا وقطر وماليزيا وإندونيسيا وباكستان، وهي لها كل شروط الفعل السياسي الحديث. فمنها من تملك السلاح النووي، ومنها من تملك القوة الاقتصادية، ومنهم من تملك القوة البشرية.

وهو يقابل ما يسمى بالتحالف الإسلامي الذي انعقد في الرياض، وهو أبعد ما يكون عن الدفاع عن المسلمين، فهو حلف الثورة المضادة ضد الشعوب المسلمة الثائرة، والذي لم يحضره الرئيس التركي رجب طيب أردوغان. فقد فهم القصد منه، فتجنب الحضور واكتفى بإرسال من يمثله.

ويبدو أن الدول الخمس قد اقتنعت أخيرا بأنه بات الآن من واجبها السعي لتحقيق ما يمكن تحقيقه من حلف رادع؛ تجاه ما يحاك للمسلمين والإسلام من مصير لتأسيس نظام العالم الجديد من تقاسم السيطرة بين العمالقة على أرضهم وبحارهم وثرواتهم.

فالإقليم العربي والتركي هو الهدف الأول لهذه الخطة؛ لأن العرب هم أصل دولة الإسلام والأتراك هم حماتها طيلة 800 عام إلى بداية القرن الماضي.

وبالنظر إلى الدول الخمس المشاركة في قمة كوالالمبور (2019)، نجد أن الأمة العربية ممثلة فقط في دولة قطر.

والسؤال هنا: إذا كانت الجزائر وليبيا وسوريا والعراق واليمن.. تشهد أحداثا داخلية، فأين السعودية؟ وأين مصر؟ أين الكويت الدولة التي تقود المصالحات؟

هذا يؤكد أن العرب لم يعد لهم وزن ولا قيمة، حتى في الدول الإسلامية.

السعودية أقامت منظمة التعاون الإسلامي، وهي منظمة ليس لها أي قيمة ولا أدنى احترام ولا تمثل العالم الإسلامي. لقد أصبح العرب في الحضيض وفي وادي التهميش السحيق، في ظل أنظمة مستبدة فاسدة تابعة تقتل شعوبها ونهب ثرواتها.

من الذي دمر سوريا وليبيا واليمن؟ من الذي دمر العراق من قبل وسهل الاحتلال الأمريكي الإيراني؟!

من الذي باع ودمر فلسطين وطبع مع الكيان الصهيوني؟!

نعم.. لقد أصبح العرب في الحضيض، والمشاركون في هذه القمة لديهم حق في استبعاد السعودية ابن سلمان ومصر السيسي، فهما لا يستحقان أن يمثلا العالم الإسلامي في هذا الوضع المهلهل الذي يعيش العرب فيه؛ لأن الشعار الذي رفعة مهاتير محمد هو "التنمية من أجل الوصول إلى السيادة الوطنية".

فأين هي السيادة الوطنية في بلاد العرب؟ وأين هي التنمية؟ بل أين ذهبت تريليونات من الدولارات من عوائد النفط؟!

انظروا إلى السعودية أغنى دولة عربية؛ تشرع الآن في بيع أسهم شركة آرامكو لتحصل على السيولة بعد أن ذهبت التريليونات هباء منثورا في تدمير البلدان العربية وإلى الحلاب ترامب!!

وانظروا إلى مصر السيسي الآن تتسول؛ مصر التي كانت ضمن دول عدم الانحياز، والتي كانت تحكم أفريقيا، الآن باتت مهددة في مياه النيل وشريان حياة المصريين، بل إن الأفارقة الآن باتوا يكرهون العرب وصاروا يصوتون لمصلحة إسرائيل في الأمم المتحدة!!

لقد أصبح العرب للأسف الشديد في قاع الترتيبات وفي ذيل الأمم.

إن أخطر ما في هذه القمة أنها تكشف عجز وانهيار أوضاع العالم العربي ووصوله لدرجة الحضيض والتهميش، في ظل هذه الأنظمة المستبدة الفاسدة التابعة الفاقدة لشروط السيادة لدولها والرعاية لشعوبها، والتي ارتكبت أخطاء كارثية في حق الأمة العربية والإسلامية.