ملفات وتقارير

بعد توقيعه من ترامب.. ما تأثير "قانون قيصر" على نظام الأسد؟

ترامب أقر مشروع قانون يفرض عقوبات على الأسد وداعميه- وكالة سونا
أثار توقيع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، على قانون "قيصر" لحماية المدنيين في سوريا، تساؤلات حول مدى تأثيره على سلوك النظام السوري، وتحديدا العسكري منه.

ويجيز القانون فرض عقوبات على النظام السوري وداعميه، تشمل مسؤولين حكوميين وقادة عسكريين، وكذلك يجيز توسيع العقوبات ضد النظام لتشمل قطاعات رئيسة تتحكم باقتصاد الأسد، وعلى رأسها المصرف المركزي، وقطاع النفط.

ويفسح القانون المجال أمام فرض عقوبات على المرتزقة الأجانب من روسيا وإيران، وشخصيات عسكرية ومدنية رفيعة لدى النظام، بما في ذلك رئيسه بشار الأسد.

وبحسب مراقبين، فإن كل ذلك سيؤدي إلى حرمان النظام من الموارد المالية لمواصلة الحرب، فما هي ارتدادات هذا القانون على واقع الأرض في المستقبل لا سيما على نظام الأسد؟

بعد توقيع ترامب، سجلت الليرة السورية تراجعا في قيمتها بعيد ساعات من توقيع ترامب القانون، إذ ارتفع سعر صرف الدولار الواحد صبيحة يوم السبت في أسواق العملات السورية 25 ليرة سورية، ووصل سعر الدولار الواحد إلى 920 ليرة سورية.

المدير التنفيذي لفريق "عمل سوريا للطوارئ" (منظمة أمريكية غير حكومية)، الفريق الذي شارك في قانون "قيصر"، قال إن "القانون سيعيد اهتمام الولايات المتحدة للوضع في سوريا".


وأضاف لـ"عربي21" من واشنطن، أن الولايات المتحدة قصرت سابقا في حماية المدنيين في سوريا، علما أن بمقدورها ممارسة دور كبير في هذا الجانب، وخصوصا في إدلب.

وتابع مصطفى، بأن القانون سيكون وسيلة من بين وسائل عدة للضغط على نظام الأسد، لردعه عن ارتكاب المزيد من المجازر، وكذلك سيقطع الطريق على أي جهود لإعادة الإعمار قبل التوصل إلى حل سياسي.

وبحسب مصطفى، فإن صدور القانون سيسهم حاليا في زيادة الضغط السياسي على الولايات المتحدة، لتقوم بالتحرك العاجل لوقف العمليات العسكرية من جانب روسيا والنظام السوري على إدلب.

مسيرة طويلة

الكاتب الصحفي، والناشط السياسي، درويش خليفة أكد بدوره، أن إقرار القانون كان ثمرة لجهد العديد من الناشطين السوريين المقيمين في الولايات المتحدة، إلى جانب العديد من العاملين في مجال توثيق الانتهاكات، وفي مقدمتهم العسكري المنشق (قيصر/سيزر) الذي قام بتسريب آلاف الصور للضحايا في معتقلات النظام السوري.

وتابع في حديثه لـ"عربي21"، بأن إقراره أخيرا بعد مسيرة طويلة من الإجراءات، يعد أمرا مبشرا للسوريين، وتحديدا للمعتقلين ولعائلات الضحايا الذين قضوا تحت التعذيب في المعتقلات السورية.

وقال خليفة، إن القانون سيؤثر على سلوك النظام السوري، وهذا الأمر بحاجة إلى تفاعل من المنظمات السورية المعنية بتوثيق الانتهاكات، والنشطاء لمعرفة ورصد طرق تمويل النظام السوري.

وفي هذا الصدد، دعا خليفة الأوساط المعارضة إلى أن يكونوا جزءا من قانون قيصر.

وعلى المنوال ذاته، دعا معاذ مصطفى النشطاء السوريين إلى تكثيف حراكهم السياسي والإعلامي والشعبي، على أمل أن يشكل ذلك مزيدا من الضغط على الإدارة الأمريكية.

ولفت في هذا السياق، إلى استغلال النظام السوري لفترة أعياد رأس السنة، لتنفيذ المجازر في إدلب، وعلق بقوله: "لا بد من فعل شيء، والقانون لن يسقط الأسد مباشرة".
  
لا عودة لشرعية الأسد
 
ومتفقا مع الآراء السابقة، يرى الباحث والمحلل السياسي، في "مركز الحوار السوري"، محمد سالم، أن القانون يشكل علامة فارقة في الملف السوري.

ويوضح في حديث مع "عربي21"، أن "قانون قيصر، سيحدث تأثيرات مهمة، منها منع إعادة الشرعية لنظام الأسد"، ويستدرك "لكن أثره سيظهر على المدى الطويل، وذلك بسبب التعقيدات القانونية التي تجعله قابلا للتنفيذ".

ويؤكد سالم، أن التأثيرات لن تقتصر على الجانب الاقتصادي، بل ستطال الجانب السياسي، حيث أغلق هذا القانون الطريق على إعادة افتتاح السفارات في دمشق، وكذلك على إعادة النظام إلى الجامعة العربية.

لا تأثيرات على الجانب العسكري

ومقابل ذلك، استبعد سالم أن يكون لقانون قيصر تأثير سريع على التصعيد العسكري الحاصل في شمال غرب سوريا (إدلب وريفها)، موضحا أن "روسيا هي من تقود التصعيد في إدلب، والملف خارج عن حسابات النظام السوري، أي النظام لا يملك التأثير الحقيقي فيما يجري على الأرض، وخصوصا أن الطائرات التي تقوم بعمليات القصف هي روسية".

ومشاطرا سالم في الرأي، أكد الباحث والمحلل السياسي، طلال الجاسم، أن تأثيرات قانون "قيصر" ستكون محدودة على مجريات العمليات العسكرية في الساحة السورية، في إدلب وشرقي الفرات.

وفي حديثه لـ"عربي21"، أعرب الجاسم عن اعتقاده، بأن حسابات الدول الفاعلة في الشأن السوري حيال ما يجري من تصعيد عسكري في إدلب، هي حسابات بعيدة تماما عن حسابات الشعب السوري.

وأوضح أن "الولايات المتحدة ستجعل القانون خدمة لمصالحها فقط في سوريا، أي جعله بمثابة العصا للضغط على النظام السوري لتنفيذ المطالب الأمريكية منه".

وتابع الجاسم بأن الولايات المتحدة غير معنية بمصلحة الشعب السوري، أو بالديمقراطية، وهي والغرب عموما لا تنظر إلى المعارضة السورية بشقيها السياسي والعسكري بديلا عن نظام الأسد.

ومضى قائلا: "اليوم يتم النظر إلى ما يجري في إدلب، على أنه هجوم على منطقة خاضعة لسيطرة منظمات إرهابية، وهذا ما أفقد هذا الملف التفاعل الدولي، وبات الاهتمام منصبا على عدم تسرب المزيد من اللاجئين إلى البلدان الأوروبية".
 
وأكد الجاسم، في هذا السياق، أن كل الدعوات لإيجاد آليات لحفظ سلامة المدنيين في إدلب، تنتهي إلى الفشل، بسبب إعطاء بعض الفصائل المصنفة بـ"الإرهابية"، الذريعة لروسيا لمواصلة الهجوم على إدلب.

وفي الاتجاه ذاته، اعتبر درويش خليفة أن الوضع الإنساني في إدلب لم يعد يحتمل التأخير أكثر، وعلق بقوله "الوقت في إدلب من دم، ومع كل يوم جديد تسجل المنطقة العشرات من الضحايا، جراء حملات القصف المروعة التي تقوم بها روسيا".

وقال: "ما من شك بأن قانون قيصر سيكون له تأثيرات محتملة على إدلب".

وتعليقا على تشكيك العديد من الأوساط السورية، بجدوى قانون "قيصر" على سلوك النظام السوري، أشار خليفة إلى الأثر السلبي الذي أحدثه عدم تطبيق القرارات الدولية في سوريا، نتيجة دفاع حلفاء النظام (روسيا، إيران، الصين)، مضيفا: "بات قسم كبير من السوريين لا يكترثون لكل الإجراءات ضد نظام الأسد، حيث لا زال يواصل قتل الشعب على مرأى من أنظار العالم".

في الوقت ذاته، تحدثت مصادر إعلامية، عن عقوبات اقتصادية أوروبية مرتقبة ضد النظام نفسه تضاف لما هو مفروض عليه، ما يعني زيادة الضغط الاقتصادي على النظام السوري في مقبل الأيام.

يذكر أن القانون سيدخل ضمن مشروع قانون الموازنة الدفاعية الأمريكية لعام 2020، بحجم 738 مليار دولار، التي أقرّها مجلس الشيوخ، الثلاثاء، بعد أسابيع من المفاوضات.

وسُمي قانون قيصر، نسبة إلى مصور عسكري سوري انشق عن نظام الأسد عام 2014، وسرب 55 ألف صورة لـ 11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب، وقد اختار العسكري السوري اسم "قيصر" لإخفاء هويته الحقيقية، خشية انكشافه لدى نظام الأسد, وعرضت تلك الصور في مجلس الشيوخ الأمريكي.