قضايا وآراء

المسيحيون درة التاج

1300x600
لم يكن يوما هذا المشرق مَشرقا ومُشرقا بلا المسيحية، فالمسيحيون ملح هذه الشرق وريحانة ترابه وزهرته الفوحة التي يفيض منها عبق يملا القطبين.

أدركت من أقوال جدي وأفعاله حبه للمسحيين، حيث كانت مقولته الثابتة "الأرض بلا نصارى... خسارة". وتحت هذه المقولة ترعرعت لأعلم وبكامل قناعاتي أن المسحيين لم يكونوا يوما عددا يقاس ولا نوعية للمباهاة.. إنهم الركيزة لبقاء المشرق حي ينبض، بل هم حجر الزاوية دورا وإشعاعا قبل ظهور الرسالة المحمدية وبعدها.

ونحن على أبواب عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام نظرت في حال المسيحيين المشرقيين الحقيقيين في أرض المسيحية الأصيلة، أرض المشرق.. من معجزة السيدة مريم عليها السلام في أرض بيت لحم الطاهرة في فلسطين المحتلة، إلى أرض الأعجوبة في قانا في لبنان المنهك اقتصاديا وماليا، مرورا بمعلولا الشامية أرض يوحنا المعمدان المغمسة بالدماء، وصولا إلى أرض الرافدين المشتاقة إلى أهلها المنتشرين في أصقاع الأرض عربا وكردا وكلدانا وسريانا وآشوريين.

أكتب هذا المقال وأنا المسلم الخائف على الوجود المسيحي، على غرار الإمام الأوزاعي الذي كان درعا بشريا حاميا لمسيحيي هذا الشرق في أصعب المحن ومع أشد الخلفاء.

إن المسيحيين اليوم في رأي البعض في حالة ضياع الهوية في ظل الأصوليات المنتشرة.

ففي العراق الأعداد إلى هبوط، وفي مصر حالة من اللا استقرار، وفي سوريا مقاومة الصمود والبقاء، وفي فلسطين صراعات متعددة، وفي لبنان خليط باحث عن ريادة في ركب الملحقين هنا وهناك.

فمع أجراس الكنائس ليلة الميلاد أقول إن المسيحيين في هذا الشرق ليسوا أهل ذمة ولا مواطنين ناقصي الهوية، وليسوا رعايا، بل هم جزء فاعل من أحلام وآمال المشرق.

وثقتي كاملة في أنهم حماة الشرق وليسوا بحاجة للالتحاق بأي كان من المحاور المنتشرة، ودورهم ليس خلف حلف الأقليات، فكلنا غدونا أقليات في هذا الشرق المعذب. إن تعزيز دور المسحيين يكمن في أن يكونوا جسر البناء والتواصل والتقارب بين مختلف المكونات الأخرى ضمن أوطانهم، ومتى تخلوا عن هذا الدور الريادي سقطوا، وإن كلفهم خوض غماره تضحيات ببعض المكاسب والمواقع.

يقين راسخ بأنه ليس لدى المسحيين بدائل برغم واقعهم المؤلم، إلا أن يكملوا مسيرة أجدادهم وآبائهم بصلابة من يوحنا مارون، مرورا بالبطاركة صفير وهزيم وحكيم، وصولا إلى الكاردينال الراعي والبطرك اليازجي والبطرك عبسي.

إن الدور السياسي المسيحي المشرقي لا بد أن يعود إلى الكتاب (الدستور) على ما يصفه علم من أعلام المؤسسات والانضباط والمناقبية، المغفور له الرئيس فؤاد شهاب، وأن يستلهم رؤية المغفور له فارس الخوري الذي غدا ملاذا للمسلمين وأوقافهم حينما كان فارس الخوري رئيس وزراء سوريا 1944، وفي ذات التاريخ وزيرا للأوقاف الإسلامية، وعندما اعترض البعض خرج نائب الكتلة الإسلامية في المجلس آنذاك عبد الحميد طباع ليتصدى للمعترضين قائلا: "إننا نؤمّن فارس بك الخوري على أوقافنا أكثر مما نؤمن أنفسنا".

وأختم مقالتي بقصة جرت بين المغفور له الملك فيصل بن عبد العزيز، ملك المملكة العربية السعودية، وأحد أبرز الصحفيين العرب اللبنانيين المسيحيين، حينما عرفه الإعلامي اللامع عن نفسه، فقال له الملك فيصل: "العرب تاج.. أنتم المسيحيون درة تاج العرب".