قضايا وآراء

لماذا نرفض نقل تماثيل الكباش لميدان التحرير؟!

1300x600
أعلنت حكومة مصطفى مدبولي في مصر، في 27 كانون الأول/ ديسمبر، عزمها على نقل أربعة تماثيل للكباش من خلف الصرح الأول لمعبد الكرنك في الأقصر، إلى ميدان التحرير في القاهرة، بالإضافة إلى مسلة لرمسيس الثاني التي تم نقلها من صان الحجر بالشرقية. وقد لاقى الإعلان هجوما لاذعا من المختصين والمهتمين بشؤون الآثار، فضلا عن الرفض العام من قبل المواطنين.

والغريب أن اللجنة الدائمة بالآثار (والمكونة من مسؤولي وزارة الآثار وعدد من الأكاديميين الأثريين وذوي التخصصات الأخرى المرتبطة بمجال الآثار) قد وافقت على هذا القرار رغم مخاطره؛ كما وافقت في الفترة الأخيرة على الكثير من القرارات التي أثارت الرأي العام، كنقل مقبرة "توتو" من محافظة سوهاج إلى متحف العاصمة الإدارية الجديدة.

وبالرغم من أن الحكومة حاولت تهدئة الوضع بإعلانها أن الكباش المزمع نقلها ليست هي تلك التماثيل الموجودة بطريق الكباش، إلا أن المختصين والمهتمين الرافضين للقرار يعلمون ذلك أيضا، ويعتبرون رد الحكومة هذا من قبل التدليس لا أكثر.

فالتماثيل الأربعة هي بالفعل ليست بطريق الكباش الواصل بين معبدي الكرنك والأقصر، وإنما هي ضمن 60 كبشا آخر بالفناء الأول خلف الصرح الأول لمعبد الكرنك؛ يعود تاريخها لأكثر من 3300 سنة، وهي ثابتة في مكانها منذ أن أقامها المصريون القدماء، فلم تتحرك غير مرة واحدة خلال تلك العصور، أيضا عندما أرادوا توسعة الصالة.

ولذا فنحن وغيرنا نرفض القرار لعدة أسباب؛ من أهمها:

- أن عملية النقل هذه تتم لأثر ثابت؛ وهذا مخالف للقوانين المحلية والمواثيق الدولية. فميثاق البندقية بإيطاليا الذي تبنته منظمة اليونسكو ووقّعت عليه مصر عام 1974؛ ينص على أن "الأثر ملازم للتاريخ، فهو شاهد عليه وكذلك النسيج العمراني الذي هو جزء منه وغير مسموح إطلاقا بتحريك الأثر أو أى جزء منه إلا إذا اقتضت وقاية الأثر ذلك، ويتم البت في هذا في حالة وجود مصلحة عالمية أو محلية على أعلى قدر من الأهمية". والمصلحة غير متوفرة هنا؛ وإنما المصلحة الحقيقية هي في عدم نقلها، أما ما ينقل طبقا للمصلحة فهو كما حدث أثناء إنقاذ معبد أبو سمبل ونقله من مكانه أثناء بناء السد العالي عام 1964 عندما تعرض لخطر الغرق التام.

- كما أن البيئة المحيطة بالمنطقة التي أقيمت فيها التماثيل تختلف عن تلك البيئة المزمع نقلها إليها؛ فبيئة الأقصر بيئة جافة، في حين أن بيئة القاهرة تتسم بالرطوبة العالية مما يؤثر سلبا الأثر.

- وهناك في القاهرة أيضا ازدحام سكاني، وتكدس مروري، ومصانع متعددة؛ ويترتب على كل ذلك عوادم ومخلفات وغازات ضارة تؤثر على الأثر المكشوف، مما يعرض التماثيل للأخطار وخاصة أنها توضع في أكبر ميادين مصر.

- كما أن تماثيل الكباش تلك منحوتة من الحجر الرملي، وهو صخر رسوبي يتكون أساساً من ثاني أكسيد السيلكون، وكربونات الكالسيوم وأكاسيد الحديد غير المتبلورة؛ وهي مواد من السهل تفاعلها مع الغازات والمواد الأخرى الناتجة من مداخن المصانع وعوادم السيارات، مثل غاز ثاني أكسيد الكبريت وكبريتيد الهيدروجين وغاز ثاني أكسيد الكربون؛ فتتحول هذه الغازات إلى أحماض بسبب الرطوبة العالية مما يسبب تلف الحجر الرملي. هذا فضلا عن الرياح الرملية التي تعتبر بمثابة منقار يضرب الحجر ويتسبب في ضرره.

- كما أن الوضع الطبيعي للكباش هو كما وضعه القدماء المصريين أنفسهم، وهو أن تكون التماثيل في خطين متوازيين، وليس في شكل دائري كما هو الزمع القيام به في ميدان التحرير.

- وكان من الممكن (بل ومن الأجدر) قيام الحكومة بعمل نسخ لتلك التماثيل بدلا من نقلها؛ ولدينا في مصر الكفاءات الفنية والعلمية القادرة على عملية الاستنساخ. ويمكننا من خلال تلك العملية أن نعمل على جذب السياحة نحو الكباش الأصلية بمعبد الكرنك، من خلال وضع اللافتات التي تبين للزائر أن الأصل موجود هناك بالأقصر.

- كما يمكن للحكومة إن كانت مصرة على وضع آثار حقيقية بميدان التحرير، أن تستفيد من الآثار المكدسة بمخازن متحف التحرير، وغيره من المتاحف وما أكثرها. لكن أن تقوم بنقل أثر ثابت من مكانه كي نزين به مكان آخر حتى لو كان من أجل الترويج السياحي، فهذا ما لا يقبله العقل والمنطق.

- ونادى البعض بتدخل منظمة اليونسكو من أجل إيقاف عملية نقل الكباش؛ خاصة وأن معبد الكرنك ضمن المواقع الأثرية الواقعة بمدينة طيبة القديمة المدرجة على قائمة اليونسكو للتراث العالمي منذ عام 1979.

ولم يتوقف الرافضون عند إبداء الرأي؛ ولكن انتقلوا إلى مرحلة أخرى، فقد قام عدد من المهتمين بتقديم التماس لرئيس الجمهورية؛ يطالبون فيه بمنع عملية النقل، كما أعلن محامو المركز المصري للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، رفع دعوى قضائية أمام محكمة القضاء الإداري، ضد رئيس مجلس الوزراء ووزير السياحة، للمطالبة بإلغاء القرار.

فهل بعد كل الأسباب التي ذكرناها، والتحركات التي قمنا بها وغيرنا من المختصين والمهتمين، هل بعد كل ذلك؛ ستتراجع الحكومة عن قرارها الخاطئ، أم ستنفذه كما نفذت ما قبله؟ وحينها أخاف أن يتطور الأمر نحو إصرار معارضي للقرار على مطالبة منظمة اليونسكو للتدخل من أجل إيقاف المهزلة!