كتب

جذور ودواعي الانشغال الأمريكي بمنطقة الشرق الأوسط

كتاب يسلط الضوء على بواكير الاهتمام الأمريكي بالشرق الأوسط (أنترنت)

الكتاب: "أورشليم القديمة" و"أورشليم الجديدة"
المؤلف: ماثيو إف جايكوبز
ترجمة: الدكتورة فاطمة نصر
الناشر: دار سطور الجديدة 2011 
عدد الصفحات: 384 صفحة من الحجم المتوسط.

صدرعن دار سطور الجديدة، كتاب بعنوان: "أورشليم القديمة" و"أورشليم الجديدة": مطامع الولايات المتحدة في الشرق الأوسط ومهمتها المقدسة (1918 ـ 1967). المعرفة في خدمة الهيمنة" (ط1، 2011)، للكاتب ماثيو إف جايكوبز، ونقلته إلى العربية المترجمة، الدكتورة فاطمة نصر. يقع الكتاب في 384 صفحة من الحجم المتوسط، ويتكون الكتاب من مقدمة، وخمسة فصول، وخاتمة.

المقدمة:

ينطلق المؤلف من الفرضية الأساسية، التي يعمل عليها، وهي "أن ممارسة الولايات المتحدة للقوة والسطوة ثقافياً، اقتصادياً، عسكرياً، وسياسياً فى الشرق الأوسط، ظلت ممكنة، ومسوغة، ومستدامة، ومدعومة من خلال الأساليب المحددة، التي يفكر بها الأمريكيون في المنطقة، وفي الشعوب التي تسكنها، والقوى النشطة هناك، ويفسرونها وفقاً لذلك(...)ويتفحص المؤلف في الكتاب الأساليب التي بها فهم الخبراء، والأكاديميون، ورجال الأعمال، ومسؤولو الحكومة، والصحفيون في الولايات المتحدة، والذين كانوا يتلقون الأموال من أجل تفسير الشرق الأوسط للجماهير الأمريكية، أساليب فهمهم للمنطقة منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، تقريباً، وحتى السنوات الأخيرة من ستينيات القرن العشرين" (ص 8 ـ 9). 

الفصل الأول: المهمة تناط بالمتخصصين في المنطقة

يشير المؤلف إلى دراسة نشرها أن إى. إيه. سبايزر، من جامعة بنسلفانيا، في العام 1947، عن الشرق الأوسط، ومصالح الولايات المتحدة هناك. دعا فيها إلى "تبني منهج جديد في دراسات الشرق الأوسط بالولايات المتحدة (بعد أن وجه) نقده إلى نمط إنتاج المعرفة المتخصصة، ونظامه الذي يمثله هو" (ص 41).

يُقيم المؤلف مزاعم سبايزر حول إنتاج المعرفة عن الشرق الأوسط، واستهلاكها في الولايات المتحدة الأمريكية، فيقول: "إن الأمريكيين الذين تخيلوا الشرق الأوسط في السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، وبدايات القرن العشرين، أو زاروه فعلوا ذلك في سياق سياسي دولي كان آخذا في التغير سريعاً" (ص 43). 

"لم يتعاط المبشرون، وكتاب الأسفار، والمتخصصون في الشرق القديم(...) بصراحة، ووضوح مع تضمينات تلك التطورات. أنيطت المهمة بطبقة علمانية جديدة من الاستراتيجيين، ومفكرى السياسة الخارجية، والصحفيين، وبيروقراطي الحكومة(...) هنا خطأ، من تلك الفجوة" (ص 44). 

 

ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون على وعى، واهتمام متنامٍ بمن يتحكم وسط آسيا، وبخاصة في نقاط الوصول، وخطوط الاتصال، التي يضمها النصف الغربي من المنطقة


زعم المُنظر البحري ألِفرد ثاير مِهان، "من خلال حماس المبشرين، والإجراءات الحكومية، سيكون بوسع مزايا المشروع الأمريكي المقدس، والعلماني الانتشار بالخارج، والوصول إلى آسيا بخاصة. كانت آراء مِهان عن المنطقة التي سرعان ما أطلق عليها مصطلح (الشرق الأوسط) ذات مركزية بالنسبة للمدركات الجديدة عن المنطقة، وتركزت على الاهتمامات العلمانية بالتقابل مع المقدسة. في كتابه (مشكلة آسيا) عام 1900، حدد مِهان مكاناً(...) أسماه (وسط آسيا). زعم(...) أنها ستكون موضع التنافس الدولي طوال المستقبل المنظور" (ص 45). 

حذر مِهان من أنه "ينبغي على الولايات المتحدة أن تكون على وعى، واهتمام متنامٍ بمن يتحكم وسط آسيا، وبخاصة في نقاط الوصول، وخطوط الاتصال، التي يضمها النصف الغربي من المنطقة (يضم خطوط الاتصال والسفر ـ قناة السويس، البحر الأحمر، والخليج الفارسي)، وأن تستعد للدفاع عن مصالحها هناك إذا اقتضى الأمر" (ص 45). 

لفت مِهان النظر، في مقال كتبه عام 1902، إلى أهمية الخليج الفارسي. و"أكد على وجود روابط بين مستقبل مصالح الولايات المتحدة هناك، وفي آسيا بعامة، وبين الحفاظ على الهيمنة البريطانية في المنطقة(...) يخلص المؤلف إلى أن كتابات مِهان تدعم الأساليب التي كانت موجودة لتخيل المشرق(...)بالإضافة إلى عرضه مادته بأسلوب أكاديمي علماني" (ص 47). 

بُعيد كتابة مِهان عن أهمية الشرق الأوسط، اضطلعت وزارة الخارجية "بمهمة إعادة تخيلها الخاص للمنطقة، بصفتها منطقة مصالح اقتصادية، واستراتيجية متناهية للولايات المتحدة" (ص 48). و"أصبح (الشرق الأدنى) و(الشرق الأوسط) جوهرياً مصطلحين قابلين للتبادل في التخيلات البازغة عن المنطقة الشعبية، والمتخصصة معاً" (ص 49). ظهرت مجموعة تنظيم (التقصي The Inquiry) للتخطيط لاتفاقية سلام بعد الحرب العالمية الأولى. ومن ثم، "يمكن القول إن عمل Inquiry كان يعكس الأهمية المتزايدة للشرق الأوسط في فكر صناع السياسة، والمستشارين الأمريكيين(...) تمسكوا (أعضاء جنوب آسيا) بالرواية السائدة التي من خلالها كان الأمريكيون قد تخيلوا المنطقة طوال القرن التاسع عشر" (ص 51). 

فقد "أتى الأفراد الذين شاركوا في تلك المحاولة معهم بنظرة القرن التاسع عشر المتمايزة، وأضفوها على جهودهم" (ص 52). بعد اكتشاف النفط، ظهر "مكتب العلاقات الخارجية" إلى الوجود من بقايا تنظيم Inquiry، ومن ثم، كانت أول مجموعة كونها "مجموعة دراسات الشرق الأوسط" (1927)؛ "على الرغم من أن تلك الخبرات اتسمت بطبيعة أكثر علمانية، واستراتيجية، فقد ظل المتخصصون الأوروبيون، هم المهيمنون، ومعهم طرق التفكير الاستشراقية(...) طرح إدوارد ميد إيرل، مؤرخ الشؤون العسكرية، والدبلوماسية، في عام 1923، مطلباً بمزيد من تدخل الولايات المتحدة في المنطقة، وأيضاً بتشكيل مجموعة جديدة من المتخصصين لإدارة مصالحها هناك (الشرق)" (ص 55 ـ 56). 

 

بداية من سنوات القرن العشرين المبكرة، وحتى عام 1945، أدت مصالح الولايات المتحدة المتوسعة، وتدخلها في أنحاء العالم بعدد متزايد من المجموعات المتخصصة المهنية، والعلمانية بالحكومة، والدوائر الأكاديمية، والإعلام، وعالم رجال الأعمال إلى مزيد من الاهتمام بالشرق الأوسط المعاصر


في عام 1929، تحدى إيرل الإطار التبشيري، والاستشراقي لتخيل المنطقة بالقول: "قدموا صورة قاصرة، مشوهة، بل وجرتسكية بشعة أحياناً(...) ينبغي على المبشرين العثور على نهج جديد في تعاطيهم مع جمهور أتباعهم في الشرق الأدنى، وأيضاً في تقاريرهم لأصدقائهم، وداعميهم في الوطن" (ص 58).  
 
أوضحت الحرب العالمية الثانية، أوجه القصور الفكرية للخبرات القائمة، وقلة عدد العاملين في آن. "كان ثمة عدد من التنظيمات واللجان بالداخل ـ مثلاً (مكتب الخدمات الاستراتيجية للإستخبارات) الـ OSS، ولجان التخطيط المختلفة لما بعد الحرب ـ في أمس الحاجة إلى عاملين من ذوي الاطلاع، والمعرفة. وهكذا، زاد الطلب بدرجة هائلة على الأمريكيين الذين لديهم معرفة بالشرق الأوسط،(...) سرعان ما استجاب ورثة قدامى المبشرين، ورجال البر للطلب المتنامي على الخبرة في المنطقة، بأن عرضوا صلاتهم، وتجاربهم، ومعرفتهم للاستخدام الحكومي فيما بدأت الحرب العالمية الثانية، يمثل أفراد ثلاثة ـ هارولد هوسكينز، ووليام إدى، وجون بادو ـ المسار الوظيفي لهذه المجموعة" (ص 59).

"على الرغم من أن أحداً من هؤلاء الثلاثة لم يتلق أي تدريب محدد في الشرق الأوسط المعاصر، أو كمحلل سياسي قبل الحرب، فقد اعترف الآخرون بهم خبراء في تلك المجالات بناء على معرفتهم بالعربية، وخبراتهم في المنطقة، والصلات التي كانت لهم روابط بأفراد فيها، كما عززت المهام التي اضطلعوا بها أثناء الحرب مصداقيتهم كمراقبين للشؤون الإقليمية في فترة ما بعد الحرب(...) جذبت الحرب العالمية الثانية مزيداً من المطلعين على المنطقة كانوا أركولوجيين، ومتخصصين في فقة اللغة، وباحثين في الدراسات الدينية" (ص 62). 

يرى المؤلف، أن سمات إى. إيه. سبايزر، تتسق "مع سمات نموذج (الخبراء) في زمن الحرب العالمية الثانية" (ص 63). و"أتاحت ندرة المعروض من الخبراء في الشرق الأوسط المعاصر أثناء الحرب العالمية الثانية الفرصة لورثة الإرساليات التبشيرية، ورجال البر للعودة إلى البروز" (ص 64). 

أتاحت الحرب تفعيل برامج جديدة أولية يمكن فيها تدريب المتخصصين الجدد. فاستثمر جايكوب كولمان هوورويتز الفرصة، "ليصبح أول أكاديمي تدرب كمتخصص في الشرق الأوسط المعاصر" (ص 65). وأرست جامعات عدة في الولايات المتحدة بإقامة برامج خاصة للتدريب. "وبداية من سنوات القرن العشرين المبكرة، وحتى عام 1945، أدت مصالح الولايات المتحدة المتوسعة، وتدخلها في أنحاء العالم بعدد متزايد من المجموعات المتخصصة المهنية، والعلمانية بالحكومة، والدوائر الأكاديمية، والإعلام، وعالم رجال الأعمال إلى مزيد من الاهتمام بالشرق الأوسط المعاصر" (ص 67).  

يقول المؤلف: "انتهز سبايزر، وآخرون فرصة الحرب الباردة البازغة، والتزامهم بها للحصول على موارد لخلق تشكيل من خبرات الشرق الأوسط ذي صبغة مؤسسية" (ص 68). "جعلت الحرب الباردة العثور على أموال لتوسيع مجال دراسات الشرق الأوسط من السهولة بمكان، لكنها لم تقدم سوى قليل من العون للتعاطي مع المشكلة ـ التي كانت على نفس القدر من الأهمية، أى مشكلة إيجاد أشخاص ينفذون تلك الأجندة، حيث لم يكن هناك سوى عدد قليل من الأشخاص في الولايات المتحدة مدربين كمتخصصين في الشرق الأوسط الحديث" (ص 71).  

"تغلبت هارفارد، والجامعات الأخرى، التي أنشأت مراكز مماثلة في الخمسينيات، والستينيات على ندرة المعروض من الخبرة، في ذلك المجال، بأن اجتذبت باحثين، وأكاديميين مرموقين من أوروبا، وكندا، بل، ومن الشرق الأوسط نفسه" (ص 72). فقد "أضفت الصبغة المؤسسية على هذا المجال، وشجعت على انبثاق أكبر لشبكة عبر/ دولية من الأفراد، والمنظمات المهتمة بتحليل المنطقة بما يتسق مع أطر المنظور السياسي الدولى للولايات المتحدة(...) كان مجلس العلاقات الخارجية في حد ذاته شبكة من مسؤولي الحكومة، والأكاديميين، والصحفيين، ورجال الأعمال من ذوي المكانة، والارتباطات الجيدة، مهتمين بعلاقات الولايات الخارجية" (ص 76). 

و"شكل معهد الشرق الأوسط العقدة الثانية في شبكة المتخصصين عبر/ الدولية غير الرسمية" (ص 78). وبذا تم "إضفاء الصبغة المؤسسية على المعرفة عن الشرق الأوسط، والخبرة في هذا المجال" (ص 80). "أن النفط، وصراع الحرب الباردة مع الاتحاد السوفييتي كانا يبرران اهتمام الولايات المتحدة بالشرق الأوسط، وتدخلها بالمنطقة، وكانا يتطلبان إنتاج مزيد من المعرفة عنه" (ص 83). 
 
الفصل الثاني: مخاطر الإسلام السياسي

في كانون أول (ديسمبر) 1948، تحدث وولتر ليفينجستون (ليفي) رايت، عن خاصيات الإسلام الجامعة بقوله: إن "الثقافة الإسلامية نسيج جامع من قطعة واحدة (لا تتكون من وصلات) ـ يغطي العالم الإسلامى بكامله" (ص 87). وجاء في تقرير عام 1953، الصادر من مجلس الاستراتيجية النفسية، "لا يمكن دراسة الذهنية العربية التقليدية بدون الأخذ في الاعتبار تأثير العقيدة الإسلامية المهيمنة بالكامل على التفكير العربي" (ص 89). وقامت وزارة الحرب بتوزيع مذكرة في عام 1955، على أعضاء مجلس الأمن القومي تبرر دراسة الدين ـ وبخاصة الإسلام. فالضرورة "تقتضى تطور فهم عملياتي (يتم العمل وفقه)  للإسلام، ودوره في الشؤون الدولية" (ص 92). 

 

أثناء العقد الأول الذي تلا الحرب العالمية الثانية، تخيل أعضاء الشبكة عبر/ الدولية غير الرسمية، أن المسلمين يقفون في مفترق الطرق، وأن أحد تلك الطرق قد يؤدي إلى الإسلام الراديكالي، والذي كان كثير من المحللين يعتقدون أن كثيراً من سكان المنطقة قد يجدونه الأكثر جاذبية

  
يتفحص المؤلف جهود أعضاء الشبكة عبر/ الدولية غير الرسمية، لإنتاج معرفة عن الدين تساعدهم على تطور فهم عملياتي لدوره في الشؤون الإقليمية، والدولية. تخيل المراقبون، والمحللون، الشرق الأوسط بصفته "(الأرض المقدسة)، ولعبت التوترات الدينية دوراً مركزياً في فهم أوروبا الغربية أثناء السنوات الأخيرة من القرن التاسع عشر، لما كان يسمى (المسألة الشرقية)، أو (رجل أوروبا المريض)" (ص 94). 

يكشف مقالان كتبهما السير فالنتين تشيرول، الصحفي البريطاني، بوضوح المشاعر السائدة عن الإسلام في تلك اللحظة الزمانية. ففي مقاله بعنوان "الإسلام وبريطانيا"، عبر فيه عن اعتقاده بأن "الهوية المشتركة (ستوحد) جميع المسلمين للقيام بـ (عمليات مشتركة)، وفاعلة ضد الغرب(...) فهم كالنمور التي لا تستطيع أبداً تغيير رقطات جلدها" (ص 97). عاد تشيرول إلى نشر مقال آخر، تحت عنوان (سقوط الخلافة)، عبر عن عظيم تفاؤله لإلغاء "الخلافة التي كانت قد أسست عليها زعمها في حقها لقيادة الإسلام" (ص 98). فإن "الإسلام لم يعد باستطاعته أن يكون على نفس درجة الخطورة التي كانها حينما كان موحداً تحت القيادة التركية" (ص 99).  

ظهر نوع جديد من التفكير، "يؤكد على التصدعات داخل ما افتُرض، وأنه جماعة إسلامية كوكبية تمثل كتلة متناغمة، حيث رأى مراقبون كثيرون، أن المسلمين يبدون وأنهم يمرون بأزمة هوية، يشكل من الصراع بين الأصالة والحداثة" (ص 100). 

يستعرض المؤلف أعمال هميلتون إيه. أر. جيب، الباحث البريطاني، وويليام بوك، المتخصص في شؤون الشرق الأوسط بجامعة هارفارد، وروبرت مونتان، المتخصص الفرنسي في شؤون أفريقيا، وويلفرد كانتول سميث، الأكاديمي المتخصص في الشئون الدينية. ويشير المؤلف إلى جزمهم "وجود مأزق روحاني في الإسلام،(...) ما رأوه مجموعتان متناقضتان تماماً تتنافسان على التحكم السياسي، والديني في الشرق الأوسط" (ص 103). 

 

لدى المتخصصين في الشرق الأوسط نزوع لرؤية الإسلام على أنه معاد للديمقراطية، هذا على الرغم من اعترافهم أحياناً بوجود بعض الملامح المؤيدة للديمقراطية في الإسلام


يتطرق المؤلف إلى دوافع جماعة (الإخوان المسلمين) بقوله: "في واقع الأمر، فقد رأت الجماعة أنه بالإمكان القيام بالتحديث، والإصلاح داخل إطار إسلامي، وأن ذلك لا يتطلب العلمنة، بل إن تأكيد الجماعة على التحديث القائم على المبادئ الدينية لعب دوراً حاسماً في تناميها السريع" (ص 106).

يذهب المؤلف إلى أنه "أثناء العقد الأول الذي تلا الحرب العالمية الثانية، تخيل أعضاء الشبكة عبر/ الدولية غير الرسمية، أن المسلمين يقفون في مفترق الطرق، وأن أحد تلك الطرق قد يؤدي إلى الإسلام الراديكالي، والذي كان كثير من المحللين يعتقدون أن كثيراً من سكان المنطقة قد يجدونه الأكثر جاذبية. بيد أنهم زعموا أن شعوب المنطقة إذا تخيرت هذا الطريق، فسيستمرون في استلهام خريطة عقلية لن يكون باستطاعتها أبداً أن تقودهم إلى الحداثة" (ص 111). 

اعتبر المتخصصون في الشرق الأوسط، الدين الإسلامي، "قوة سياسية منذرة محتملة" (ص 112). وكان "لدى المتخصصين في الشرق الأوسط نزوع لرؤية الإسلام على أنه معاد للديمقراطية، هذا على الرغم من اعترافهم أحياناً بوجود بعض الملامح المؤيدة للديمقراطية في الإسلام" (ص 113 ـ 114). أن غالبية خبراء الشرق الأوسط، اعتقدوا أن الإسلام يحدد السلوك اليومي لمعتنقية، فقد كان "الاعتقاد الشائع بأن الجماهير المسلمة، التي تنساق وراء عواطفها، كانت تدعم أنماطاً بعينها من القادة، وتنزع إلى الحروب، والغزو" (ص 115). 

ويحدثنا المؤلف عن شخصية المفتي، الحاج أمين الحسيني، الذي اعتبره كثير من المراقبين أقوى شخصية في الشرق الأوسط بقوله: "على الرغم من أن التقييمات الحكومية، والأكاديمية للمفتى لم تكن بهذا القدر من المبالغة، والوضوح، إلا أنها تطابقت مع المدركات الشائعة عن العلاقة بين المستبدين، والجماهير العاطفية، أو المتعصبة التابعين لهم بما يؤدى إلى الشمولية" (ص 118). أن تركيز المتخصصين المُتعمد على المفتى، يوضح بحسب المؤلف، "على تخيل الإسلام، في نهاية الأربعينيات، وبداية الخمسينيات، من خلال منظور (الشمولية)"(ص 119). وهكذا عمل استخدام مصطلح (الشمولية) لتعريف الشرق الأوسط في نهاية الأربعينيات على خدمة هدف محدد، هو أنه "ينبغى على الولايات المتحدة، أن تكون مستعدة لمواجهتهم" (ص 120). 

 



الإسلام والشيوعية:

ألقى جورج كنان، المتخصص البارز في الشأن السوفييتي، خطاباً بكلية الحرب القومية، في آذار (مارس) 1947، جاء فيه: "أن الشرق الأوسط هو من شؤون الأمن القومي الأمريكي، ومن ثم فإنه ينبغي على الولايات المتحدة فعل كل ما في استطاعتها للحيلولة دون سقوط المنطقة في أيدٍ سوفييتية(...) لكنه عبر عن شكوكه الجادة في استطاعة الاتحاد السوفييتي تخصيص موارد كافية (لنشر الشيوعية) بالتدخل العسكري المباشر للهيمنة على البلاد الإسلامية" (ص 123). "إلا أنه (كنان) رأى أن الأمريكيين سيلحقون بأنفسهم ضرراً كبيراً إن هم اكتفوا بالحفاظ على (هدوئهم) في مواجهة تلك القدرات السوفييتية المحدودة" (ص 124). 

ويذهب ويليام إدى وفقاً لتحليلاته، "أن جماهير الشرق الأوسط، وربما بمساعدة من القيادات الدينية، أو بناء على طلبهم، قد تتغاضى عن الخلافات الأيديولوجية المهمة مع الشيوعيين، وتتحالف مع الاتحاد السوفييتي من أجل شن حملة تحد خطيرة ضد مصالح الولايات المتحدة في المنطقة" (ص 126). 

وعلى الرغم من أنه لم ينتج إجماع واضح عن محاولات تفحص ما إذا كان الإسلام عائقاً في سبيل انتشار الشيوعية في الشرق الأوسط، أو مشجعاً لمثل هذا الانتشار. خلصت ورقة (الجيش) البحثية، عام 1955، إلى أن الإسلام قد أصبح "قوة عالمية لا تقل عن الشيوعية، وعلى الاستراتيجيين أن يتعاطوا معه بصفته هذه" (ص 129).

الإسلام والقومية:

كان ثمة اهتمام، منذ وقت طويل، بالعلاقة بين الدين والقومية في الشرق الأوسط. في نهاية الأربعينيات، وبدايات الخمسينيات، تصاعدت الدعوات إلى وحدة الأمة الإسلامية، "تلك الدعوات التي أسهمت أيضاً في وجود مخاوف على نطاق واسع حول توجهات الإسلام الشمولية(...) تملك القلق من المسؤولين بوزارة الخارجية، فيما جسدت حركات الوحدة الإسلامية نفسها، في سلسلة من المؤاتمرات عُقدت بين عامي 1949 و1955" (ص 130). 

و"على الرغم، من أن المؤتمرات لم تنجز شيئاً ملموساً، فقد ولدت مخاوف كافية من احتمال انتشار الإسلام السياسي الشمولي" (ص 131). ووجدت وزارة الخارجية أن الحل الأمثل، هو محاكاة الطريق الذي سار فيه مصطفي كمال أتاتورك في تركيا. واعتبرت الوزارة أن "محاكاة سياسة الأتراك هذه هدفاً مرغوباً فيه" (ص 134). 

 



أدت الآراء البازغة القائلة بأن "الإسلام، والقومية، ليسا بالضرورة الشيء ذاته، أو أنهما حتى يدعمان بعضهما، أدت بالخبراء إلى إعادة النظر في الإسلام" (ص 135). تظهر النقلة في مقاربة الإسلام جلية في ردود الأفعال على تنامي تيار القومية العربية العلمانية في منتصف الخمسينيات، وبخاصة بعد أن تولى جمال عبد الناصر، والضباط الأحرار السلطة في مصر. بحث "أيزنهاور عن أساليب قابلة للحياة لمجابهة طموح ناصر، ومكانته في المنطقة(...) وقع اختيار أيزنهاور على سعود ملك المملكة العربية السعودية للقيام بهذا الدور في تلك المنطقة(...) ويعتبر السعوديون أعمق الشعوب العربية تديناً. ومن ثم، فبالإمكان إعداد الملك للعب دور الزعيم الروحاني" (ص 137). 

"كشفت تلك السياسة عن تناقض جوهري في الأسلوب الذي تخيل به صناع السياسة، والخبراء الآخرون في الولايات المتحدة الشرق الأوسط، في أواخر الخمسينيات(...) كان يمثل تحدياً لذلك الحس الدائم بالمهمة المقدسة، والدنيوية (العلمانية) التي هيمنت على تخيلات الأمريكيين للشرق الأوسط" (ص 138). 

 


في عام 1958، توصلت مجموعة من (مجلس العلاقات الخارجية) لدراسة (الشرق الأوسط والإسلام الحديث)، "إلى أن الشرق الأوسط قد برهن في نهاية الخمسينيات على أنه منطقة قوية في حد ذاتها ترفض الخضوع للهيمنة الأجنبية" (ص 139). وبحسب المؤلف، "نظر المراقبون إلى صعود آية الله الخميني، وحركة المعارضة الدينية في إيران، وسقوطهما الظاهري في أواسط الستينات على أنه يدعم تفسيرهم الجديد الذي يذهب إلى أن القومية العلمانية كانت في سبيلها إلى تخطي الإسلام" (ص 142).

كاتب وباحث فلسطيني