كتاب عربي 21

السعودية والبحر الأحمر وحرب اليمن

1300x600
في الحادي عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 1977، صُدم اليمنيون بمقتل رئيسهم المحبوب الشهيد إبراهيم محمد الحمدي، في عملية اغتيال جسدت بشاعة الجريمة السياسية حينما تتورط فيها الدول وتسخّر لها كل إمكانياتها ونفوذها وتأثيرها في المجال الحيوي للدول الأخرى.

أحد الدوافع الأساسية لمقتل الرئيس الحمدي، الذي وقفت خلفه المخابرات السعودية، هو تحركه الإقليمي من أجل تأسيس منظومة تُعنى بأمن البحر الأحمر، وهو تحرك كان يتشاركه حينها مع الرئيس السوداني محمد جعفر نميري (1930-2009)، وأثمر عقد مؤتمر هو الأول من نوعه في مدينة تعز بجنوب غرب اليمن، في 22 آذار/ مارس 1977 شارك فيه أيضاً رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية سالم ربيع علي (1935-1978)، ورئيس وجمهورية الصومال محمد سياد بري (1919-1995).

اليوم تضع السعودية كل ثقلها وراء ما بات يعرف بـ"مجلس الدول العربية والأفريقية المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن"، الذي أُعلن عن تأسيسه رسمياً في السادس من كانون الأول/ يناير الجاري، في اجتماع عقد في الرياض، وحضره وزراء خارجية السعودية ومصر واليمن والأردن والسودان وإرتريا وجيبوتي والصومال، الذين وقعوا أيضاً ميثاق تأسيس المجلس.

ويوم الخميس الماضي، كان هذا المجلس وأهدافه موضوع نقاش أداره وزير الدولة السعودي للشؤون الأفريقية السفير أحمد قطان مع أعضاء السلك الدبلوماسي المعتمدين لدى بلاده، وكان قد أعلن قبل ذلك أن العمل بميثاق المجلس سيدخل حيز التنفيذ بعد تسعين يوماً من التوقيع عليه؛ من قبل أربع من الدول الموقعة على ميثاق تأسسيه، وأعلن كذلك أن أول أمين عام لهذا المجلس سيكون سعودياً.

ليس مستغرباً أن يكون قطان هو من يمسك بهذا الملف، إذ أن خمس دول أعضاء في هذا المجلس تنتمي إلى القارة الأفريقية، وبعضها تمثل مجالاً حيوياً تتنافس على النفوذ فيه أطرافٌ إقليمية، بعضها يفترض أنه عدو تاريخي لدول المنطقة، وأعني الكيان الصهيوني الذي حرص على التواجد المادي المستمر في البحر الأحمر خلال النصف الثاني من القرن الماضي، وخاض حروباً وجودية مع مصر عند الطرف الشمالي لهذا البحر، على خلفية المحاولات الإسرائيلية للسيطرة على مضيق تيران.

لكن يبدو أن الأولويات الأمنية والاستراتيجية للسعودية تبقى انتقائية في كل الأحوال، إذ أنها تأتي على خلفية قلق سعودي غير مبرر من التحركات التركية الأخيرة لتعزيز علاقاتها مع دول المنطقة، نجحت خلالها في تأسيس نماذج رائعة للتعاون والتكامل، وإرساء مناخ السلام والاستقرار في بلد مثل الصومال كان قد تحول إلى بلد فاشل تحت أنظار الجامعة العربية ودولها الغنية وفي مقدمتها السعودية، خصوصاً أن تركيا كانت قد شرعت في تأسيس نموذج آخر للشراكة التنموية مع السودان عبر ميناء سواكن السوداني، الذي أثار حفيظة السعودية ومعها مصر والإمارات.

بل إن خطوة كهذه دفعت بالرئيس السيسي إلى تأسيس قاعدة "البرنيس" العسكرية في جنوب البحر الأحمر، في الوقت الذي تتركز المخاوف الأمنية والاستراتيجية لمصر في شمال البحر الأحمر وسيناء وفي شرق المتوسط، فيما يبقى البحر الأحمر عملياً بحراً مغلقاً على أغلبية من الدول العربية المطلة عليه.

إن هذا الحرص الذي تبديه السعودية لفرض المجلس الجديد كمعطى جيوسياسي وجيوستراتيجي، في منطقة تتجاذبها الصراعات وتطحنها الأزمات، يعكس في المقام الأول أولوية الرياض وأنانيتها السياسية وضيق أفقها في ما يتعلق بتعيين الأصدقاء والأعداء.

ويكفي أنها تنتهج سياسة كارثية تجاه اليمن الذي يطل على معظم الساحل الشرقي لجنوب البحر الأحمر ويتحكم في باب المندب وخليج عدن، حيث زجت به في أتون حرب أهلية دخلت هي طرفاً رئيسياً ومتحكماً فيها، مدفوعة بأولوية وأد ثورة 11 شباط/ فبراير 2011 التي حملت معها بشائر الدولة اليمنية المزدهرة والمستقرة والأكثر ديمقراطية.

لذا تتبدى مهمةُ السعودية في حشد المسؤولية التضامنية للدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، كمحاولة غير ممكنة لإغلاق هذا المجال الحيوي أمام اللاعبين الإقليميين ومساعيهم لبناء نفوذ متعدد المستويات، وهو أمر غير ممكن بالأساس.

إن السعودية وهي تركز على طرف بعينه دون سواه من الأطراف في تأسيس مجلس الدول المطلة على البحر الأحمر وخليج عدن، تدفع إلى الشك من أن تكون الخطوة التالية هي إدماج الكيان الصهيوني ضمن المجلس الجديد، بالنظر إلى الاستحقاقات التي تفرضها صفقة القرن على السعودية ومصر وغيرهما من الدول التي تجسد النهج الشمولي الديكتاتوري في منطقتنا.