مقالات مختارة

غروب الأسد!

1300x600

في الوقت الذي يجتهد فيه بعض العرب ببذل مزيد من الجهد لتعويم نظام الأسد وإعادة الاعتبار لبشار، فإن العالم الآخر يبحث في سيناريوهات ما بعد الرجل، ويبحث -وفقا لتسريبات- في قوائم مرشحين للرئاسة هناك، للتوافق على أحدهم.


مشاهد ومؤشرات بداية النهاية للأسد أكثر من أن تُعدّ أو تُحصى؛ لعلّ في مقدمتها ذلك التصدّع في جبهة حلفائه، الذين كان لهم الفضل في بقاء نظامه منذ الأزمة في عام 2011، وأقصد هنا الحليف الإيراني، الذي بدأ مهمته مبكرا في عام 2013، وكان له الفضل في وقف التدهور، وبعده الروسي الذي منعه من السقوط؛ وفقا لما صرّح به علنا وزير الخارجية الروسي لافروف عندما قال -وبوضوح- في بداية عام 2017: «إن العاصمة دمشق كانت ستسقط خلال أسبوعين أو أكثر في يد الثوار، لولا تدخّلت روسيا في سوريا»؛ فنحن أمام التخلّي بالجبر في الحالة الإيرانية، والسعي إلى فعل التغيير كما هو الحال بالنسبة لروسيا، ناهيك عن الخلاف المفاجئ داخل بيت الحكم السوري، بين السلطات ورامي مخلوف صندوق أسرار النظام الاقتصادي، والداعم الأول لأجهزته الأمنية.


لعلّ أهم تطوّر يمكن رصده هو الهجوم النادر من أجهزة إعلام روسية محسوبة على «الكرملين»، ومملوكة لصديق مقرّب من بوتن، وهو يفغني بريغوجين، وهو أمر غير مسبوق، وكشفت عن أن صبر «الكرملين» بدأ ينفد تجاه الأسد، والذي تحوّل مع الأيام إلى عبء على موسكو، وتم توجيه حملة واسعة ضده، وصفته بأنه ضعيف وشعبيته في التدهور ووصلت إلى معدلات غير مسبوقة، ولم يعد قادرا على التأثير على الوضع الداخلي، لدرجة أن الأمر استدعى ردا غير مباشر من الأمين العام لمجلس الشعب السوري خالد العبود، أشار فيه إلى أن الأسد هو من قيّد الوجود الروسي في سوريا، بفضل معادلة سياسية تقول «امنع عن عدوك ما يريد، وامنح حليفك ما تريد»، وعدّد أسباب عدم قدرة بوتن إملاء أي شيء على الأسد، كل ذلك يأتي في إطار صفقة يتم الإعداد لها دوليا وإقليميا بمشاركة العديد من العواصم المعنية بالملف، لمحاولة إغلاقه خلال هذا العام، والتوصل إلى تسوية لا تستلزم وجود الأسد في السلطة.


وفي هذا الإطار، يمكن فهم طبيعة الأنباء التي تتحدّث عن انسحابات إيرانية من مواقع لها في سوريا، وإغلاق قواعد عسكرية تابعة للحرس الثوري، بالإضافة إلى انخفاض ملحوظ في عدد الميليشيات التابعة له، والأسباب لذلك كثيرة، قد تكون بفعل الضربات الإسرائيلية الأخيرة، التي استهدفت مواقع إيرانية، أو الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمرّ بها إيران؛ نتيجة انهيار أسعار النفط، وتأثيرات الحصار الاقتصادي، وتداعيات جائحة «كورونا»، يضاف إلى ذلك أن الآونة الأخيرة شهدت تنسيقا ثلاثيا بين موسكو وواشنطن وتل أبيب، على ضرورة إخراج إيران من سوريا، بعد أن تحوّلت إلى عبء على الروس أيضا، وكان من اللافت ما قاله المبعوث الأميركي لدى سوريا جيمس جيفري، من أن «موسكو مهتمة بالحديث معنا من أجل التوصل إلى تسوية سياسية للأوضاع في سوريا».

 

وقد يكون سعي طهران إلى عملية إعادة الانتشار أو الانسحاب، محاولة للتواجد على طاولة أي بحث يتم حول التسوية أو الترتيبات القادمة، ما بين روسيا وتركيا من جهة، ودخول أميركا وبالطبع من ورائها تل أبيب على الخط، يحفظ مصالحها هناك، وإن كان الكل مجمعا في هذه الحالة على أن الأسد كان جزءا من الأزمة، أو هو كل الأزمة؛ فلن يكون شريكا في الحل وعليه أن يختفي من المشهد.


يُضاف إلى ذلك الخلاف داخل بيت الحكم السوري، بين رامي مخلوف والنظام؛ حيث إن هناك روايتين، الأولى تتحدث عن دور روسي في دفع النظام مثل هذه المواجهة، في محاولة منهم للدخول على الاستثمار في مجال الاتصالات الذي يسيطر عليه مخلوف. والرواية الثانية تتحدّث عن معاقبته ؛ لامتناعه عن سدّ الاحتياجات المالية الخاصة، بعد تراجع الدعم الإيراني نتيجة الأزمة المالية.


وفي كل الأحوال، فإن بداية النهاية للأسد -كشخص ونظام- قد تبدو قريبة أكثر مما يتصوّر بعض العرب الداعمين للرجل.

(العرب القطرية)