مقالات مختارة

ناظم الغزالي في بيتنا المحتل!

1300x600

عندما دق أبي باب بيتهم،الذي هُجروا منه العام،1948 في ضواحي يافا «زائرا» كان صوت ناظم الغزالي يغني «حياك..حياك بابا حياك، ألف رحمة على بياك». فتح الباب رجل في مثل سنه. عرف من هو والدي ومن معه من إخوته. وبدون أن يرد التحية دمعت عيناه وقال : ياااا ريتنا ما طلعنا من بغداد وانتو ما طلعتوا من هون «. تفضلوا..تفضلوا.


جلس أبي ومن معه في بيتهم، أعني بيتهم المحتل. وراح ساكن البيت اليهودي العراقي يحكي لهم عن معاناة اليهود العرب في «أرض الميعاد»!


تذكرت هذا المشهد وأنا أقرأ على الفيس خواطر منقولة، ولا أدري مصدرها، ليهودي دمشقي يدعى عاموس يعيش حاليا في «إسرائيل» كتب يقول:


في أيام رمضان في دمشق كان يأتينا الطعام من كل بيت مسلم. فذاك يعطينا الطبخ وآخر يعطينا اللبن وثالث يعطينا خضار وفواكه ورابع يعطينا شرابا وخامس يعطينا لبنيه. كان بيتنا مزارا لأطفال وبنات ونساء جيراننا المسلمين حاملين لنا أصناف الطعام.


كانت أمي تجعلنا نصوم مع المسلمين بالرغم من أننا لسنا صائمين، كانت ترفض طبخ الغداء في بيتنا حتى لا يشم رائحة الطبخ جيراننا المسلمون الصائمون.و كانت تنتظر حتى يبدأ المسلمون في طبخ فطورهم فتطبخ لنا معهم.


يقول عاموس : كانت أمي تحذرني بعدم الأكل في الشارع أمام الصائمين. كنت اخرج في عصاري رمضان أتمشى في سوق الشاغور أشاهد الزحام على بياعي الخضرة وكان المسلمون يشترون ويعطوني، وإن رفضت يغصبوني، احس بسعادة كنت احس اني مسلم نسيت ديانتي معهم.


وفي يوم أعطاني مسلم ثلاث حبات سمبوسة، لم أقاوم رائحتها ولم انتظر حتى أعود للبيت وآكلها بل أكلتها في الشارع فصاح من حولي أطفال الحارة، فاطر، فاطر، فاطر.


ذهبوا إلى أمي واخبروها اني فاطر أخذت خيزرانة وضربتني أمامهم، وأدخلتني إلى البيت ووبختني ومنعتني من الخروج أسبوع لأنني لم احترم مشاعر وشعائر المسلمين. وعندما سمحت لي بالخروج بعدها كانت تفتشني إذا أنا أخذت معي كسرت خبز أو ماء. لقد عشنا في احترام متبادل لا تفرقة دينية ولا اختلاف.


يختتم عاموس بالمقارنة بين ما كان يعيشه كيهودي عربي سوري وبين ما يعيشه الآن في فلسطين المحتلة كيهودي إسرائيلي بالقول:


لم اجد اليوم ذلك الحُب والاحترام الذي وجدناه من جيراننا المسلمين، رغم انهم لم يكونوا أغنياء بل بسطاء إلا انهم سعداء ومرتاحون وراضون بما معهم، كانوا أغنياء بأخلاقهم وبأنفسهم العزيزة وبتعاملهم الراقي والإنساني معنا.


اليوم أنا في المهجر في بلاد غير بلادي إنها إسرائيل ارض الميعاد كما أخبرني بها والدي، حين كنا في الطريق إليها. اجد نفسي اليوم غريبا بين قوم هم أصلا ديانتهم نفس ديانتي لكن معاملتهم وأخلاقهم غير تلك التي عرفتها بين اهلج ووطني الحقيقي ارض الطيبين والمتسامحين.


نحن هنا غرباء كرهائن في ارض ليست لنا ولا تهتم بنا إلا من باب أنها ارض اليهود ومجتمعهم، لكني اشك في ذلك وأظن اني ووالدي وأسرتي أخطأنا الطريق عندما تخلينا عن عروبتنا وأصولنا الدمشقية العريقة وانتمينا إلى شعوب من غير جلدتنا وكما يقول المثل الدمشقي الأصيل: "من خرج من أرضه ظلم نفسه".

 

ها نحن ندفع الثمن لاجئين بين أربعة جدران وعشرين شارعا بينما كنا في أهلنا ووسط بلادنا نسرح ونمرح في أرجاء دمشق دون خوف أو حتى غربة ولا فرق بين مسلم أو يهودي.
هذه هي الحقيقة بلا زيادة ولا.. أوهام سلام!

 

الدستور الأردنية