ملفات وتقارير

ممر "ناختشيفان".. إنجاز استراتيجي تركي أذري شرقا وغربا

إقليم ناخشتيفان رغم صغر مساحته إلا أن موقعه الاستراتيجي يكسبه أهمية بالغة لتركيا وأذربيجان- جيتي

يشكل ممر ناختشيفان، الذي أقر إنشاؤه بعد اتفاق وقف إطلاق النار، عقب الحرب التي كانت دائرة في إقليم "قره باغ" المحتل من طرف أرمينيا، أحد أهم الإنجازات لباكو وأنقرة.

ويعد الممر بوابة لتركيا، على الدول الناطقة بالتركية، بعد عقود من انقطاع الاتصال الجغرافي المباشر، بفعل الوجود الأرمني وسط هذا المسار.

ورغم أنه سيعيد ربط إقليم ناختشيفان، بدولته الأم أذربيجان، إلا أن له فوائد استراتيجية، على باكو وأنقرة، ليكون بوابة باتجاهين غربا وشرقا.

ومن المقرر إنشاء الممر على الأراضي القريبة من إيران وتركيا وأذربيجان، على امتداد نهر أراس الفاصل بين البلدين.

وفي هذه البطاقة التعريفية نستعرض تفاصيل أكثر عن إقليم ناختيشفان، ونشأته والمساحة الجغرافية، والمواد الطبيعية المتوفرة فيه، فضلا عن الموقع الاستراتيجي، والإصرار التركي على الحفاظ عليه منذ بدايات القرن العشرين عبر معاهدتي موسكو وقارص عام 1920 من القرن الماضي.

 

الموقع الجغرافي والسكان:

وتقع جمهورية ناختشيفان الأذرية المتمتعة بالحكم الذاتي، شمال غربي تركيا، ولها حدود مع إيران وأرمينيا، ولا تتصل جغرافيا ببلدها الأم أذربيجان، وتبلغ مساحتها أكثر من 5,550 كيلو مترا مربعا، ويبلغ تعداد سكانها 414,900 مليون نسمة، وترتبط مع تركيا بحدود تقدر بنحو 8 كيلومترات، ومع إيران بـ 179 كيلومترا، أما مع أرمينيا فلها حدود طويلة بأكثر من 220 كيلومترا.

خضع الإقليم الأذري لسيطرة روسيا القيصرية منذ ما يعرف بالحرب مع الدولة الصفوية، وبعد عام 1917، تولت الحكومة الروسية المؤقتة تسيير شؤونه. وتشكلت جمهورية القوقاز الديمقراطية الفيدرالية، لكنها حلت عام 1918، وكانت تضم ناختشيفان وقره باغ وزانجيزور (مقاطعة سيونيك الأرمنية حاليا).

وبعد الثورة البلشفية، احتلت المنطقة عام 1920، وأعلنت جمهورية ناختشيفان الاشتراكية السوفيتية التي تتمتع بالحكم الذاتي، لكنها استقلت مع انهيار الاحتلال السوفيتي عام 1990، والانضواء تحت راية أذربيجان.

  

 

Bakı - Ağdam - Şuşa - Naxçıvan dəmir yolu. 🚊 pic.twitter.com/tGEWMKOUPU

 


ويحكم الجمهورية ذاتية الحكم، مجلس تشريعي منتخب، ولا تزال تعاني من آثار احتلال أرمينيا لإقليم قره باغ، الذي انتهى بخسارتهم المنطقة بعد حرب تكبدوا فيها خسائر كبيرة مع الجانب الأذري وموافقتهم على الانسحاب من قره باغ،

وخضع الإقليم إلى احتلال أرمني عام 1919، لكن معاهدتين تركيتين مع الروس، أنهتا هذا الاحتلال، وأصرت تركيا على بقاء الطريق مفتوحا معها، لأهداف قوية واستراتيجية، أبرزها العرقية التركية والموقع الاستراتيجي للإقليم.

وصيغ دستور جديد للبلاد في العام 1995، وجرى الاستفتاء عليه شعبيا وأقر في العام 1998 من قبل مجلس الجمهورية، ويترأس الإقليم رئيس البرلمان فاسيف طالبوف.

الموارد الطبيعية:

يشتهر الإقليم الأذري بالكثير من الصناعات الرئيسية خاصة التعدين، مثل استخراج الملح والموليبدينوم (يدخل في صناعات أجسام الطائرات)، والرصاص، فضلا عن انتشار الزراعة، التي اكتسبت خبرة من الحقبة السوفيتية، ومن أبرز المزروعات القمح الذي ينتشر في سهول نهر أراس، والشعير والقطن والتبغ والفواكه البستانية والتوت والعنب.

 

اقرأ أيضا: مذكرة تركية ببعث قوات لقره باغ.. يريفان: مئات الجنود مفقودون


كما يشتهر بالصناعات القطنية وغزل الحرير وتعليب الفواكه واللحوم، وتربية المواشي وخاصة الأغنام.

ومن الفروع الرئيسية للصناعات في الإقليم، منتجات الحرير والألبان وتعبئة المياه المعدنية، والملابس والأثاث، إضافة إلى وجود مصنع للسيارات للماركة الشهيرة هناك باسم "ناز".

ويمتلك الإقليم مخزونا من الرخام والجير والجبس، وكان في السابق يستخرج منه الملح الصخري في منطقة نهرام وسوستين، وتتواجد الكثير من الينابيع المعدنية في باداملي وسيراب ونجاجير وكيزلغير التي تحتوي على الزرنيخ.

ويعد مناخ الإقليم معتدلا، لكن الأراضي المتاحة للزراعة محدود، بفعل أن أكثر من ثلثي مساحته عبارة عن منحدرات صخرية وقفار، وبسبب المناخ الجاف تعد مراعي الإقليم ضعيفة لذلك يلجأ المزارعون لتربية الأغنام بدلا من بقية المواشي، وخاصة من نوع "بالباس"، والذي يتميز بالإنتاج العالي للصوف الحريري الأبيض المستخدم في صناعة السجاد.

الحدود:

تعد الحدود بين تركيا والإقليم الأذري قصيرة، من ناحية المسافة وتتكون من ممرات طبيعية وتضاريس، وتتراوح بين 9-17 كيلومترا، بسبب تشكلها من مرور نهر أراس الذي يتدفق بنمط متعرج، وتبدأ الحدود من نهاية الاتصال بين تركيا وأرمينيا، وينتهي عند الاتصال بإيران، عند 18 كيلومترا شرق تقاطع حدود تركيا وإيران.

وتشكل قرى غوديلكي وآشايى أراتان ويوكاري أراتان وإيمينجي، أقرب المواقع التركية للحدود مع الإقليم الأذري، وتبعد ولاية "إغدير" التركية قرابة 85 كيلومترا عن الحدود، واكتسبت أهمية كبيرة بعد افتتاح المعبر الحدودي بين الجانبين عام 1992.

وعقب انهيار الاتحاد السوفيتي، قامت تركيا بمضاعفة اهتمامها بالإقليم، وأبرمت بروتوكول تعاون مع الإقليم، أبرزه فتح بوابة ديلوكو الحدودية، ما كسر احتكار الروس للتواصل بين ناختشيفان وتركيا، واعتباره "اندماجا في الوطن الأم الثاني" بحسب أبحاث تركية.

وشارك في الافتتاح كبار المسؤولين من البلدين، وكان من أبرزهم رئيس الجمهورية التركية الراحل سليمان ديميريل، وألقى كلمة في الافتتاح قال فيها إن ما جرى "لم يكن فتح جسر حدودي عادي، بل كان احتضانا لعائلتين من الأمة التركية".

 

 

28 il əvvəl 70 illik həsrət blokadası yarıldı bir-birindən uzaq salınan yaxın insanlar qovuşdu, qollar qucaqladı öz doğmalarını. Türk Ordusunu Həsrət körpüsündə qarşılamağa ramah qalır 🇦🇿🇹🇷 pic.twitter.com/vmt8IO9Cv2


التبادل الثقافي والاجتماعي والاقتصادي:

مكّن التواصل التركي مع الإقليم منذ بدايات القرن العشرين، من إعادة التواصل بين الأقارب في جانبي الحدود، بسبب الجدار الروسي الذي كان مفروضا لعقود طويلة، وتصاعد النشاط الموسيقي والرياضي والفني، في ظل اللغة الواحدة بين الطرفين والوحدة الثقافية والتاريخية، ودخل المغنون من الإقليم الأذري بأعداد كبيرة إلى الساحة التركية، وخاصة إلى إغدير لإحياء حفلات الزفاف، وحصلوا على موقع مهم في هذا القطاع.

ووفقا لأبحاث تركية، فإن التفاعل الثقافي انتقل من ناختشيفان، إلى تركيا، خاصة التاريخ والموسيقى، والدور الثقافية ونوادي الشطرنج والمسرح والكثير من العناصر الفنية، بسبب المدة الطويلة التي قضاها السوفييت في الإقليم والخبرات التي نقلت إليه، وهو ما استفادت منه تركيا لاحقا.

لكن في المقابل، انتقلت الكثير من الثقافات في الدولة التركية إلى الإقليم وخاصة المطاعم والقنوات التلفزيونية والعديد من الحرف، وباتت القنوات التركية الوسيلة الإعلامية المفضلة للسكان هناك بعد عقود من الهيمنة السوفييتية.

ويمتلك سكان الإقليم فرصا أكبر في السوق التركي، بسبب المهارات اللغوية التي اكتسبوها فالغالبية تتقن اللغة الروسية والتركية الأم، وهو ما يسهل حصولهم على وظائف في قطاع السياحة في أنطاليا الساحلية، وفي قطاع التجارة بإسطنبول.

وتعد تركيا سوقا كبيرا لناختشيفان، بالإضافة إلى كونها بوابة التقاء بالاقتصاد الأوروبي، وتصاعد التواصل معه بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، وساعدت الخطوط الجوية التركية، وخدمات النقل البري بين البلدين على إخراج الإقليم من العزلة، التي حاولت أرمينيا وروسيا فرضها عليه. بل وتسببت العلاقة مع تركيا في انخفاض اعتماده على إيران.

ويعد الإقليم مركزا مهما لتركيا في التواصل مع جنوب القوقاز وبحر قزوين والدل التركية وآسيا الوسطى بشكل عام.



وبات الإقليم في وضع أكثر أهمية، مع إعلان الرئيس التركي، بعد توقيعه 14 وثيقة مع الجانب الأذري قبل أشهر، بناء خط سكة حديدية بين ناختشيفان وتركيا، فضلا عن مرور خط أنابيب الغاز على الحدود مع الإقليم، عبر إغدير التركية، إضافة إلى توفير إمداد الغاز له على مستوى عال بخط يبلغ طوله 160 كيلومترا.

ويشكل إنشاء الممر البري المقرر حاليا، بين الإقليم وأذربيجان، فرصة أفضل لتركيا في الانفتاح شرقا وفتح الأبواب غربا لأذربيجان، بعد العزلة الجغرافية التي كانت تفرضها أرمينيا.