سياسة عربية

هل تنجز "الدستورية" السورية المطلوب منها في العام الجديد؟

الأمم المتحدة تجد صعوبة في عمل "اللجنة الدستورية" في ظل مماطلة النظام السوري- جيتي

يؤكد عدم التوافق على تحديد موعد انعقاد الجولة السابعة من المحادثات التي ترعاها الأمم المتحدة حول صياغة دستور جديد لسوريا، حقيقة صعوبة المهمة التي تواجه المبعوث الأممي الخاص غير بيدرسون، خصوصا في ظل استمرار مماطلة النظام السوري ورفضه الخوض في مضامين صلب الدستور، معتمدا على دعم روسيا وإيران.

محادثات "ماراثونية"


انطلقت أولى جولات صياغة الدستور في أواخر تشرين الأول/ أكتوبر 2019،  تنفيذا لبنود قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254 لعام 2015، الذي يرى في "اللجنة الدستورية" بوابة للانتقال السياسي في سوريا، عبر صياغة دستور جديد، وتأمين البيئة الآمنة والمحايدة لإجراء استفتاء على مسودة دستور، وإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية، بناء على دستور جديد.

وبعد تلك الجولة، اجتمعت وفود المعارضة والنظام برعاية أممية خمس مرات أخرى في محادثات "ماراثونية"، كان آخرها في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر 2021، لتنتهي جميعها إلى الفشل.

ومن الواضح لمراقبين أن النظام يتخذ من اللجنة ملهاة لتضييع الوقت، وفي الوقت ذاته حجة للادعاء بالامتثال للإرادة الدولية.

وفي إطار سعيه لإحداث ثغرة في مسار عمل "اللجنة الدستورية"، أعلن المبعوث بيدرسون في كانون الأول/ ديسمبر عن مقاربة "خطوة بخطوة" بهدف بناء الثقة، من دون أن يحدد ماهية هذه المقاربة التي أعلن عنها من دمشق، عقب لقاء وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد.

المقاربة أثارت حفيظة المعارضة وانتقاداتها، بسبب عدم وضوح ماهيتها، حيث قال الائتلاف إن خطة بيدرسون لا تصب في صالح الحل السياسي الذي فوّض المبعوث الدولي بتسييره، معتبرا أن هذه الخطة تحرف مسار العملية السياسية عن وجهتها، وتصب في سلة النظام وإعادة تدويره.

وإلى جانب رفض المعارضة، أثارت مقاربة بيدرسون تساؤلات حول مدى قدرتها على تحقيق تقدم حقيقي، من شأنه إنجاز المطلوب من اللجنة (صياغة دستور جديد) في العام الجديد 2022.

مصالح "ضيّقة"

وفي قراءتها لأداء اللجنة في العام 2022، تقول عضو اللجنة الدستورية، الدكتورة سميرة مبيض، إن "الثابت الواضح اليوم على الصعيدين الدولي والمحلي، هو مسار الانتقال السياسي في سوريا، الذي يحظى بتوافق دولي، حيث صدرت فيه قرارات دولية واضحة لا لبس فيها، مُصادق عليها من قبل دول حليفة للنظام أيضاً، ولدينا أيضاً الصعيد الداخلي".

وتضيف في حديثها لـ"عربي21" أنه "تبين بشكل واضح لا يقبل الجدل أن بنية النظام غير قابلة لأي إصلاح، فإلى جانب أنه نظام ارتكب جرائم حرب وبنيته فاسدة ومنتجة للإرهاب والتطرف، فهو يتعمد إذلال السوريين في لقمة عيشهم واحتياجات الحياة الأساسية، وبما هو عليه النظام فإنه يشكل مسببات إخلال بالاستقرار والأمن في المنطقة ولا يحمل أي مقومات للاستمرارية". 

وتتابع مبيض، بأن مسار الانتقال السياسي يتطلب أدوات أهمها وجود دستور سوري جديد يؤسس لدولة حديثة تقطع مع الحقبة الماضية، وهو ما يتوجب أن يكون عليه عمل اللجنة الدستورية، لكن هذا العمل تم تعطيله لعامين متتالين نتيجة صراعات محاور دولية بين النظام والمعارضة، والتي تدفع بها أطراف نحو سيناريو إعادة تأهيل المنظومة القائمة. 

 

اقرأ أيضا: بيدرسون: حل أزمة سوريا ليس بالضرورة بيد السوريين وحدهم

وتعرب عضو اللجنة الدستورية، عن اعتقادها بأنه بات من الضرورة  إحداث تغيير جذري في تناول العملية الدستورية لإنجاز مسار الانتقال السياسي، عبر تحييد أطراف التعطيل والانطلاق من المناطق التي يمكن منها العمل على تأسيس دستور جديد لسوريا، يفضي إلى التغيير والانتقال السياسي على عموم الأراضي السورية.

وتردف مبيض بقولها: "هذا ما يجب أن يتحقق خلال العام القادم، لأن فيه مصلحة السوريين وتحقيق مطالبهم التي ما زالت مقيدة لتبعية النظام والمعارضة لمصالحهم الضيقة بداية وتبعيتهم لمحاور إقليمية ودولية بعيدا عن منح الأولوية لمصالح السوريين وتأمين الحياة الكريمة والنهوض بسوريا لمكانتها المستحقة في ركب الإنسانية".

لن تنجز المطلوب رسميا

 
في المقابل، يرى الباحث في مركز "الحوار السوري" الدكتور محمد سالم، أن اللجنة الدستورية غير قادرة على إنجاز المطلوب منها رسمياً، في العام الجديد، أي إنجاز دستور يكون نواة للحل السياسي، مضيفا في حديثه لـ"عربي21": "لكنها قد تنجز المطلوب منها روسياً بشكل غير رسمي، أي إضاعة الوقت ومحاولة تمييع الحل السياسي لأبعد حد، وصولاً إلى تقزيم الحل لمجرد إجراء تعديلات بسيطة على دستور 2012".

ويستدرك بالقول: "لكن حتى هذا، لن تقبل به المعارضة، رغم كل التنازلات و"المرونة" التي تبديها".

 

اقرأ أيضا: جيفري: بايدن في موقف أقوى للتفاوض مع بوتين بشأن سوريا

ويرجع سالم تقديره هذا، إلى عدم وجود أي تغيير في ديناميكيات عمل اللجنة الدستورية، من جانب الأطراف المؤثرة على عمل اللجنة (روسيا، المجتمع الدولي).

ويتابع: "لا تقوم هذه الأطراف بالضغط على النظام الذي لا يريد تحقيق أي تقدم سياسي، ويفضل المماطلة بعلم وموافقة روسيا، رغم ظهور بعض الانتقادات المبطنة من روسيا لأداء النظام".

ولذا يؤكد سالم، أنه "للآن لا تغيير في المعادلة، أي لا توجد إرادة دولية (أمريكية)، وما نلاحظه أن إدارة جو بادين تعمل على تجميد الصراع، وهي غير مهتمة بالملف السوري".

الخطوة بخطوة


وبحسب مصادر "عربي21"، تعتمد مقاربة المبعوث الأممي بيدرسون (الخطوة بخطوة) على تقديم خطوات تشجيعية للنظام، على الصعيد الاقتصادي (العقوبات)، مقابل تقديم دمشق تنازلات في مسار عمل اللجنة الدستورية.

لكن سالم، يعتقد أن الخطة غير قابلة للتطبيق، عازيا ذلك إلى عدم وجود رغبة لدى النظام بتقديم أي تنازل، بحيث يعتبر نفسه "الطرف المنتصر"، والأهم أنه ليس بوارد تقديم أي تنازل يخص تحالفه الاستراتيجي والعضوي مع إيران، مشيرا في هذا الجانب إلى الهجوم السعودي الدبلوماسي الأخير على النظام السوري.

كذلك، وفق سالم، فإن رفض المعارضة لهذه المقاربة، يجعلها عصية على التطبيق، ما يعني أن "اللجنة غير قابلة على إنجاز المطلوب منها".

المراهنة على تحمل الأطراف

ولم يعد أمام المبعوث الأممي بيدرسون، إلا "المراهنة على قدرة الأطراف السورية على تحمل الوضع المأساوي"، وهو ما عبر عنه في حديثه خلال إحاطته الشهرية أمام مجلس الأمن الدولي في نيويورك، في كانون الأول/ ديسمبر الحالي، عندما قال إن "مستويات الجوع والفقر تتصاعد في سوريا بينما يستمر الاقتصاد بالتدهور، وهناك 14 مليون شخص داخل البلاد يحتاجون إلى مساعدات إنسانية، فيما لا يزال عشرات الآلاف محتجزين أو مختطفين أو مفقودين".

وبعد أن عبر عن أسفه لعدم تحقيق تقدم ملموس في ما يخص تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2254، رغم مرور ست سنوات على اعتماده، أعرب بيدرسون عن أمله في أن يشهد الملف السياسي تقدما خلال العام المقبل (2022).

وتأسست اللجنة الدستورية السورية عام 2019، وتتكون من 150 عضوا يشكلون الهيئة الموسعة بالتساوي بين الأطراف السورية الثلاثة، موزعين بالتساوي بين النظام والمعارضة وممثلي المجتمع المدني.