سياسة دولية

اتفاق أمريكي أوروبي لتأمين الطاقة.. ما هي خيارات واشنطن؟

إسماعيل لـ"عربي21": البيان الأمريكي الأوروبي المشترك مفرط بالتفاؤل- جيتي

شدد الرئيس الأمريكي جو بايدن في بيان مشترك مع رئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، على أن هناك التزاما مشتركا بالمحافظة على أمن الطاقة في أوروبا.

ووفقا للبيان الذي وصل "عربي21" نسخة منه، أكد الطرفان "الالتزام بأمن الطاقة في أوروبا واستدامتها وتسريع التحول العالمي إلى الطاقة النظيفة، وأن ضمان أمن الطاقة في أوكرانيا والتكامل التدريجي لها مع أسواق الغاز والكهرباء في الاتحاد الأوروبي، يعُد هدفا مشتركا".

ولفت إلى أن "هناك تعاونا مشتركا بين الجانبين، في سياسة الطاقة وتقليل نسبة انبعاث الكربون، وكذلك في أمن الإمداد في مجلس الطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي".

 

وأوضح البيان الذي ترجمته "عربي21"، بأن "التزامات الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لتحقيق أهداف اتفاقية باريس، من خلال الطاقة النظيفة، ولا سيما مصادر الطاقة المتجددة وكفاءة الطاقة والتقنيات، توفر مسارًا لأمن الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتؤكد التحديات الحالية للأمن الأوروبي على التزامنا بتسريع وإدارة الانتقال من الوقود الأحفوري إلى الطاقة النظيفة".

ويأتي هذا البيان في وقت تزداد فيه مخاوف الأوروبيين من انقطاع أو تأثر إمدادات الغاز الروسي، وذلك في حال وقعت حرب بين موسكو وكييف، أو في حال فرض الاتحاد الأوروبي عقوبات على روسيا إذا ما قامت بغزو أوكرانيا.

 

اقرأ أيضا: أوروبا تسعى لتأمين إمدادات الغاز حال غزت روسيا أوكرانيا

وقال البيان إن "الاتحاد الأوروبي على مدى العقد الماضي، استثمر في تنويع الإمدادات من خلال البنية التحتية وتعزيز شبكات الطاقة الداخلية، مما زاد من مرونة وقدرة أسواق الطاقة في الاتحاد الأوروبي".


وأكد البيان أن "المفوضية الأوروبية ستكثف العمل مع الدول الأعضاء من أجل تأمين الإمدادات، وذلك ضمن أسواق غاز شفافة وتنافسية بطريقة تتوافق مع الأهداف المناخية طويلة الأجل وتصل إلى صافي انبعاثات صفرية بحلول عام 2050".

وأضاف: "وبينما تتكثف هذه العملية خلال هذا العقد الحاسم، فإننا ملتزمون بالعمل معًا بشكل وثيق للتغلب على تحديات اليوم المتعلقة بأمن الإمدادات وارتفاع الأسعار في أسواق الطاقة".

وتابع: "نلتزم بتكثيف تعاوننا الاستراتيجي في مجال الطاقة من أجل تأمين الإمدادات وسنعمل معًا لتوفير إمدادات طاقة موثوقة ومعقولة التكلفة للمواطنين والشركات في الاتحاد الأوروبي وجواره".


ونبه البيان إلى أن "الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي يعملان بشكل مشترك من أجل الإمداد المستمر والكافي وفي الوقت المناسب للغاز الطبيعي إلى الاتحاد الأوروبي من مصادر متنوعة في جميع أنحاء العالم لتجنب صدمات الإمداد، بما في ذلك تلك التي قد تنجم عن غزو روسي جديد لأوكرانيا".

وأكمل: "تعد الولايات المتحدة بالفعل أكبر مورد للغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي، لذلك نحن نتعاون مع الحكومات ومشغلي السوق على توريد كميات إضافية من الغاز الطبيعي إلى أوروبا من مصادر متنوعة في جميع أنحاء العالم، حيث يمكن للغاز الطبيعي المسال على المدى القصير أن يعزز أمن الإمدادات، بينما نواصل تمكين الانتقال إلى صافي انبعاثات صفرية، كذلك ستعمل المفوضية الأوروبية على تحسين الشفافية والاستفادة من محطات الغاز الطبيعي المسال في الاتحاد الأوروبي".

وفي ختام البيان أكد الجانبان "عزمهما على العمل معا، وبالتعاون الوثيق مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، على إمدادات الغاز الطبيعي المسال لأمن الإمدادات والتخطيط للطوارئ، وسيتبادلان أيضًا وجهات النظر حول دور التخزين في تأمين التوريد".

وأضاف: "وعلى نطاق أوسع، فإننا ندعو جميع الدول الرئيسية المنتجة للطاقة للانضمام إلينا في ضمان استقرار أسواق الطاقة العالمية وإمداداتها بشكل جيد، ولقد بدأ هذا العمل بالفعل، وسنقوم بالمضي قدمًا به في اجتماع مجلس الطاقة بين الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في 7 فبراير".

 

اقرأ أيضا: واشنطن تهدد بعرقلة "ستريم 2" حال هاجمت روسيا أوكرانيا

 

مخاوف من قطع إمدادات الغاز الروسي لأوروبا


وكانت قد أثيرت مخاوف أوروبية من أن يؤدي نشوب أي حرب محتملة بين أوكرانيا وروسيا لقطع إمدادات الغاز الروسي لأوروبا، حيث تعتمد القارة العجوز على الغاز الروسي بنسبة 40 في المائة تقريبا.


ووفقا لتقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، فإن اعتماد ألمانيا على الغاز الروسي جعل أوروبا تفتقر إلى خيارات تعاقب بها موسكو إذا قامت بغزو أوكرانيا، بالمقابل روسيا نفسها معرضة للخطر إذا أوقفت تصدير الغاز إلى الغرب.

وأوضح التقرير الذي ترجمته "عربي21"، بأنه "مع تدفق الغاز الرخيص بشكل موثوق من روسيا لعقود من الزمن، لم تقم الحكومات المتعاقبة مطلقًا ببناء بنية تحتية لاستيراد الغاز الطبيعي المسال الأكثر تكلفة من المصدرين الرئيسيين مثل الولايات المتحدة أو قطر، حيث لا يوجد في البلاد حاليًا محطة للغاز الطبيعي المسال خاصة بها".

ولهذا أدت هذه العوامل لتصبح ألمانيا أكبر مشتر للغاز الروسي في العالم، وهي تسحب أكثر من نصف وارداتها من الغاز من روسيا مقابل حوالي 40٪ في المتوسط من الاتحاد الأوروبي، وفقًا لوكالة الإحصاء الأوروبية يوروستات.


وأشارت الصحيفة إلى أن التخلص التدريجي من الطاقة النووية واستخدام الفحم يعني أن هذه النسبة من المرجح أن تزداد.


تقليل الكربون


كذلك ساهم الاتفاق العالمي على تقليل انبعاثات الكربون في اتفاقية باريس للمناخ 2015، في أن تزيد نسبة اعتماد دول الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي، الأمر الذي أدى إلى ارتباط وثيق بين اعتماد أوروبا على الغاز الروسي وطريقة تعاملها مع موسكو سياسيا، وعلى ما يبدو أن الرئيس الأمريكي أراد طمأنة الأوروبيين بأن أمريكا ملتزمة بتأمين احتياجات أوروبا من الغاز في حال وقعت حرب بين موسكو وكييف، وبالتالي قطع الغاز الروسي.

 

اقرأ أيضا: هل يكون غاز قطر البديل إذا قلصت روسيا إمداداتها لأوروبا؟

بيان مفرط بالتفاؤل

 

 لكن يبقى السؤال ما واقعية الطرح الأمريكي بأن واشنطن ستؤمن وتحمي إمدادات الطاقة الواردة إلى أوروبا؟ كذلك هل يمكن أن تؤمن مصدرا للطاقة بنفس الكمية والسعر اللذين تتزود بهما أوروبا من روسيا؟

 

يرى الخبير في شؤون النفط والطاقة، نهاد إسماعيل، بأن "البيان الأمريكي الأوروبي المشترك ليس خياليا، ولكنه مفرط بالتفاؤل".


وأوضح إسماعيل أن "واشنطن لا تنظر لقضية تزود أوروبا بالغاز من روسيا على أنه هدف اقتصادي بحت لموسكو، بل ترى أن الهدف الرئيسي للروس هو فرض هيمنة جيوسياسية على أوروبا، كذلك محاولة لفرض الإرادة على القارة العجوز وتحويلها لأسيرة للطاقة الروسية، لذلك حتى ترامب حذر ألمانيا من هذا الأمر ومن ضرر خط أنابيب نورد ستريم2".


وتابع إسماعيل خلال حديثه لـ"عربي21": "التوتر القائم بين موسكو وكييف خلق أزمة كبيرة في أوروبا، خاصة أن روسيا قللت إمدادات الغاز عبر أوكرانيا، هذا الأمر خلق أزمة نقص في الطاقة، وبالتالي ارتفعت الأسعار إلى مستويات ربما في بعض الحالات وصلت إلى 500 في المائة، وهذا وضع عبئا ثقيلا على ميزانيات الدول الأوروبية المستهلكة للغاز الروسي وكذلك زاد العبء الاقتصادي على المستهلك الأوروبي، بالتالي هناك أزمة في أوروبا".


وحول قدرة واشنطن على تأمين مصدر بديل للطاقة عن الغاز الروسي قال إسماعيل: "جزئيا نعم يمكنها ذلك، لكن لا تستطيع حل المشكلة كليا، لأنه لا يوجد فائض في إنتاج الغاز عالميا، فهناك نقص في الغاز الطبيعي المسال، وإذا أرادت إرسال غاز إلى أوروبا سواء من قطر أو من أمريكا ستضطر إلى الإتيان بناقلات خاصة بالغاز المسال".


وأضاف: "وعلى الرغم من أن واشنطن تقول إنها تتفاوض مع مزودين في شمال أفريقيا، إلا أن هذا الخيار لن يكفي حاليا أو غير ممكن تطبيقه، فالجزائر نعم لديها غاز لكن هل لديها فائض لتزود أوروبا به، كذلك ليبيا غير مستقرة سياسيا بالتالي هل تستطيع توقيع عقود وتنفذها دون التعرض لمشاكل داخلية، بينما مصر ما زالت مشاريعها لإنتاج الغاز القائمة غير مكتملة، أيضا قطر الآن تنتج فقط 77 مليون طن معظمه يصدر إلى جنوب شرق آسيا، لدول مثلا كوريا الجنوبية واليابان والصين تحت عقود طويلة الأجل".


وخلص بالقول: "بالتالي التعهد الأمريكي هو حقيقي، ولكنه كما قلت مفرط التفاؤل، وسيحل المشكلة جزئيا، ولكن الحل الكلي للمشكلة يمكن فقط أن يتم بعد 3- 5 سنوات، حيث يمكن توفير البديل إما عبر قطر والتي من المتوقع أن يصبح إنتاجها في 2026 127 مليون طن، أو عبر مزودين آخرين ولكن بعد أن يصبح هناك فائض في الإنتاج العالمي".

 

 

لا بديل عن الغاز الروسي حاليا

 

 من جهته اتفق مستشار السياسة الخارجية والجغرافيا السياسية للطاقة، أوميد شكري، مع الخبير في الطاقة نهاد إسماعيل، بأن البيان الأمريكي الأوروبي أفرط في التفاؤل.

وقال شكري لـ"عربي21"، "ظهرت تقارير في 21 كانون الثاني/يناير، تفيد بأن حكومة بايدن تجري محادثات مع قطر لزيادة قدرتها الإنتاجية والتصديرية إلى أوروبا".

وأضاف: "أيضا قال مصدران مطلعان لـ Bloomberg News إن بايدن يخطط لمطالبة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة البيت الأبيض في وقت لاحق من هذا الشهر".


وأكمل: "بالتالي إذا كانت قطر تريد الاستجابة بشكل إيجابي لطلب بايدن، بالنظر إلى قدرتها الإنتاجية من الطاقة وأخذها حصة صغيرة من سلة الطاقة الأوروبية، لا ينبغي للمرء أن يتوقع انخفاض حصة روسيا في سوق الطاقة الأوروبية على المدى القصير".

وتابع: "إذا تمكنت الولايات المتحدة من بيع المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى أوروبا بسعر تنافسي، فيمكنها زيادة حصتها في سوق الطاقة الأوروبية وتقليل اعتمادها على الغاز الروسي".

واستدرك بالقول: "ولكن في الحالة الحالية، تم بيع معظم شحنات الغاز الطبيعي المسال، ولا يوجد فائض في الطاقة الإنتاجية في الوقت الحالي، أعني أنه لم يعد هناك المزيد من الطاقة الإنتاجية لتوريد المزيد من الغاز الطبيعي المسال إلى الاتحاد الأوروبي أو مستهلكين رئيسيين آخرين، بالتالي لا يمكن للولايات المتحدة أن تكون بديلاً للغاز الطبيعي الروسي على المدى القصير".

وأكد أنه "يجب على أوروبا أن تستثمر أكثر في بناء البنية التحتية للطاقة ومنشآت تخزين الطاقة، وفي بعض الحالات استيراد النفط بسعر أعلى من الولايات المتحدة من أجل تقليل اعتمادها على الغاز الروسي على المدى المتوسط، يجب أيضًا التركيز بشكل أكبر على عملية تحول الطاقة، تحتاج عملية انتقال الطاقة إلى مزيد من القدرات التقنية العالية والتكنولوجيا العالية أيضًا".