قضايا وآراء

الاتحاد العام التونسي للشغل والديمقراطية المسلوبة

1300x600

مرت بتونس قبل أيام الذكرى 44 لأحداث 26 كانون الثاني (يناير) 1978 العمالية، التي سميت بالخميس الأسود.. وليس معلوما لماذا وصم الحدث بالسواد: هل لما مارسه نظام الحكم في تلك الفترة من عنف عبر مليشياتة واستخدام أجهزة الدولة وما سقط من شهداء يقارب الـ 400 حسب رواية الاتحاد و52 حسب الرواية الرسمية، ثم ما حصل من اعتداءات واعتقالات، وفي ذلك إنصاف للحركة النقابية وتحميل للمسؤولية التاريخية للسطة القائمة في تلك الفترة؟ أم أن وصمه بالسواد فيه نوع من الحياد السلبي تجاه ما حدث وتعويم للمسؤولية على شاكلة ما اصطلح على تسميته بالعشرية السوداء في الجزائر؟ 

في كل الأحوال فإن ما حدث في 26 كانون الثاني (يناير) 1978 هي محطة نضالية كبرى من نضالات الحركة النقابية في تونس من أجل العدالة الاجتماعية.

والسؤال الذي يطرح نفسه هو لماذا لم يقع اعتماد ذكرى 26 كانون الثاني (يناير) عيدا وطنيا تخليدا لنضالات العمال التونسيين ومنظمتهم؟ على شاكلة ذكرى نضالات العمال في 1 أيار (مايو) في شيكاغو بأمريكا من أجل تحديد ساعات العمل بثمانية ساعات في اليوم والتي تحولت إلى عيد عالمي؟ ولماذا اكتفت منظمة حشاد بالمطالبة بذلك دون ضغط يذكر على الحكومات المتعاقبة بعد الثورة رغم أنها كانت دائما شريكا في الحكم وصاحبة اليد الطولى فيه من منطلق دورها الوطني الذي لم يرفضه أحد طيلة عشرية الثورة والديمقراطية التي أطلق عليها البعض العشرية السوداء لسواد أفعالهم مثلما فعلوا مع خميس نضالات العمال؟

ثم بعد هذا كله أين منظمة حشاد مما حصل ويحصل في البلاد منذ 25 تموز (يوليو) 2021؟ أين المنظمة التي كانت ولا تزال القلعة الوحيدة للديمقراطية في ظل أنظمة الاستبداد المطلق؟ أين المنظمة من الانقلاب على الديمقراطية وتعطيل جل فصول الدستور والعودة إلى النظام الرئاسوي بتجميع السلطات في سلطة واحدة؟ هل يختلف النقابيون حول المبادىء من أجل حسابات سياسوية ضيقة؟ ألم يكونوا شركاء في منظومة الثورة والديمقراطية بل وكانت لهم اليد الطولى في صناعة الخيارات والسياسات بل والوقوف عقبة أمام كل محاولات إنفاذ الإصلاحات الاقتصادية الجادة طيلة العشرية؟

ألم يكن لهم الدور المحوري في إنقاذ الديمقراطية في 2013 بإطلاق مسار الحوار الوطني الذي أفضى إلى دستور 27 كانون الثاني (يناير) 2014 وتوج بحصول الاتحاد والمنظمات الوطنية الشريكة معه على جائزة نوبل للسلام؟ 

لماذا يفوت اليسار الوظيفي يسار الدولة العميقة الفرصة التاريخية على الاتحاد للقيام بدوره الوطني ومقايضة تصفية الخصوم السياسيين بالسكوت عن تصفية الديمقراطية؟ بل ويعتبر أن لا خير في ديمقراطية تأتي بخصومهم وكأنهم لم يعيشوا ولو لحظة في مدرسة حشاد للديمقراطية ولم يمارسوا القبول بالآخر ولا التسليم بنتائج الصندوق؟ أين تيار الاستقلالية والديمقراطية التيار العاشوري (نسبة للزعيم النقابي الراحل الحبيب عاشور) الذي دائما ما يعيد الأمور إلى نصابها ويحافظ على الخط الديمقراطي للمنظمة وينقذ تاريخها وشرفها في كل مرة؟

لقد قامت منظمة حشاد منذ تأسيسها بدورها النقابي الذي وجدت من أجله وكانت استمرارا لتجربة جامعة عموم العملة التونسيين الأولى بقيادة محمد على الحامي كنقاية تونسية وطنية مستقلة عن النقبات الوافدة مع الاستعمار الفرنسي مثل ال cgt ومتميزة عنها حتي في علاقاتها النقابية الدولية. كما قامت بدورها الوطني في معركة التحرير من منطلق استقلاليتها وكان لزعمائها دورا متقدما في قيادة الحركة الوطنية ومعاركها ضد الاستعمار الفرنسي هذا الوضع أهلها لأن تكون شريكا في بناء الدولة التونسية الحديثة دولة الاستقلال وجعلها بشكل أو بآخر شريكا أساسيا في منظومة الحكم في كل العهود وجعل منها المدرسة الوحيدة للديمقراطية في البلاد طيلة مراحل الاستبداد وجعل تاريخها الحديث صراعا بين استقلالية قرارها تجاه الدولة ومؤسساتها والتبعية لها وقد باءت بالفشل كل محاولات الانشقاق عنها رغم دعم الدولة لها.

 

لماذا يفوت اليسار الوظيفي يسار الدولة العميقة الفرصة التاريخية على الاتحاد للقيام بدوره الوطني ومقايضة تصفية الخصوم السياسيين بالسكوت عن تصفية الديمقراطية؟ بل ويعتبر أن لا خير في ديمقراطية تأتي بخصومهم وكأنهم لم يعيشوا ولو لحظة في مدرسة حشاد للديمقراطية ولم يمارسوا القبول بالآخر ولا التسليم بنتائج الصندوق؟

 



كل هذا السجل يجعل مسؤولية المنظمة مضاعفة تجاه ما يحصل في البلاد بعد 25 تموز (يوليو) 2021 تجاه الديمقراطية التونسية المسلوبة، وذلك لا يعني أن قبلها كانت الأوضاع على أحسن ما يرام إنما الفارق بينهما في إمكانية المعالجة على صعوبتها ومرارتها وفي شبه استحالتها الآن.

والواضح أن المنظمة حاليا خاضعة لابتزاز تيار اليسار الوظيفي يسار الدولة العميقة بشقيه اليسراوي والقومجي الدافع بقوة لمنعها من القيام بدورها التاريخي في الدفاع عن الديمقراطية والدستور وشرعية الصندوق مقابل تحقيق أمانيهم بتصفية خصومهم السياسيين والدعم السياسي من أجل هيمنتهم على القيادة في المؤتمر المقبل الذي سينعقد في شهر شباط (فبراير) الجاري لتحويلها إلى ما يشبه الهياكل النقابية المؤقتة بالجامعة أو إحدى أهم منظمات حقوق الإنسان في البلاد .

لذلك كانت مواقف المركزية النقابية متذبذبة ومترددة بين دعم إجراءات 25 تموز (يوليو) والتحريض الواضح على طرف سياسي دون مبرر في بيانات رسمية والبحث عن شراكة مع المنظومة الجديدة ثم تعديل الموقف إثرمرسوم 22 أيلول (سبتمبر) 2021 برفض ما تضمنه والمطالبة بالحوار ثم إعلان ما سمي بالخيار الثالث الذي جعل المنظمة في منزلة بين المنزلتين بين الرافضين للانقلاب منذ بدايته والداعمين له وذلك بالتقدم خطوة في دعوتها للحوار انطلاقا من خارطة الطريق التي أعلنتها قيادة المنظمة في آذار (مارس) 2021 تقريبا. 

هذا ولم يكن للمنظمة أي دور سياسي أو ميداني واضح في المطالبة بعودة الديمقراطية أو إدانة الاعتداءات المتكررة على الحقوق والحريات مما جعل المركزية النقابية مرة أخرى تكون عائقا أمام انحياز المنظمة للمصلحة الوطنية. وفي هذه الحالة قد تجد المنظمة نفسها خارج السياق مثلما حصل لها في أحداث كانون الثاني (يناير) 1984 حيث وافقت على رفع الدعم عن المواد الأساسية وطالبت حينها بالتعويض للشغالين وكان للشارع رأي آخر جعل الرئيس الحبيب بورقيبة يقول كلمته الشهيرة "نرجعوا وين كنا قبل الزيادات" أو كما حصل في أحداث الثورة ما بين كانون الأول (ديسمبر) 2010 وكانون الثاني (يناير) 2011 لولا تجاوز بعض القيادات الجهوية والقطاعية لموقف المركزية النقابية وإعلانها الانحياز للثورة .

إن مسؤولية المنظمة كبيرة في هذه اللحظة التاريخية التي تمر بها بلادنا والمسؤولية الأكبر ملقاة على عاتق تيار الاستقلالية والديمقراطية في الضغط بكل الوسائل السلمية المشروعة لإنقاذ البلاد من الانهيار وذلك بدفع كل الأطراف إلى الجلوس إلى طاولة الحوار وبناء توافقات حول الإصلاحات السياسية والاقتصادية الضرورية التي بدونها لن تخرج البلاد من أزمتها.

فهل تكسر منظمة حشاد قيود إعاقتها عن القيام بدورها الوطني؟

أملي كمواطن وكمناضل نقابي ان تكون ذكرى نضالات المنظمة دافعا لحسم الموقف داخلها ومؤتمرها منطلقا جديا للقيام بدورها كما كانت سنة 2013 !

*كاتب وناشط سياسي تونسي