سياسة عربية

تأجيل انطلاق "الحوار الوطني" بمصر.. ومصادر توضح الأسباب

تم تأجيل جلسات الحوار الوطني إلى ما بعد انتهاء "قمة المناخ"- تويتر

كشفت مصادر بالأمانة العامة للحوار الوطني (مجلس الأمناء) في مصر، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، أنه تقرر مُجددا تأجيل انطلاق جلسات الحوار الذي دعا إليه رئيس النظام عبد الفتاح السيسي.

 

وقالت المصادر إن جلسات الحوار الوطني تم تأجيلها إلى ما بعد انتهاء "قمة المناخ" التي ستُعقد خلال الفترة من 6 تشرين الثاني/ نوفمبر وحتى الـ18 من الشهر نفسه.

وأرجعت المصادر خطوة التأجيل الجديدة إلى استمرار التعثر والخلاف الداخلي الذي يواجه إدارة الحوار حتى الآن، وقرب موعد "قمة المناخ"، وعدم وجود قرار نهائي داخل أحزاب الحركة المدنية الديمقراطية (أكبر كيان معارض داخل البلاد) بالمشاركة أو المقاطعة، بالإضافة إلى ترقب الاحتجاجات المُنتظر اندلاعها في مصر يوم 11 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، فضلا عن تباين وجهات النظر داخل أجهزة الدولة بشأن الحوار.

وكان من المفترض أن تبدأ أولى جلسات الحوار الوطني خلال الأسبوع الأول من شهر تموز/ يوليو الماضي، كما قيل حينها بشكل رسمي، إلا أنه تم تأجيل الحوار للمرة الأولى إلى ما بعد عيد الأضحى.

وخلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، قال المنسق العام للحوار الوطني، ضياء رشوان، إن الحوار سيبدأ "قريبا جدا"، وخلال أسابيع "قليلة جدا"، زاعما أن الحوار "يسير بخطى جيدة جدا، والإعداد التنظيمي له يسير على قدم وساق، وأنه يمضي في مساره وطريقه، ويواصل إعداد جدول أعماله".

كما صرّح، مؤخرا، أكثر من قيادي بالحركة المدنية أن الحوار الوطني سينطلق فعليا خلال الأسبوع الأول من شهر تشرين الأول/ أكتوبر الجاري بمشاركة القوى السياسية، وهو ما لم يحدث إلى الآن.

 

اقرأ أيضا: "الحركة المدنية" تتجه نحو مقاطعة "الحوار الوطني" بمصر

ضبابية وغموض

من جهته، قال القيادي بالحركة المدنية، سمير عليش، إنهم لا يعرفون على وجه الدقة موعد انطلاق الحوار الوطني الذي أكد أنه "يواجه تعثرا مستمرا منذ توجيه الدعوة إلى إطلاقه"، منوها إلى أنه "تم تحديد أكثر من موعد لانطلاقه في السابق، لكن تم التأجيل لأسباب مختلفة".

وأشار عليش، في تصريحات خاصة لـ"عربي21"، إلى أن الحركة المدنية حتى هذه اللحظة لم تحسم قرارها الأخير بشأن المشاركة في الحوار من عدمه، وأنها لا تزال في تواصل وتشاور مستمر بشأن هذا الأمر، مضيفا: "هناك حالة ضبابية وارتباك تسود المشهد العام في مصر، وسنرى ما سيحدث خلال الفترة المقبلة".

وأشار عليش إلى أنه لم يتم الإفراج إلى الآن عن جميع أسماء المحبوسين الذين طالبت الحركة المدنية بضرورة الإفراج عنهم قبل بدء الحوار الوطني، مستطردا: "ربما تتضح الصورة بشكل أكبر خلال الأسبوع المقبل بخصوص مجريات الحوار، والإفراج عن سجناء الرأي، وموقف الحركة المدنية، وجميعها قضايا مترابطة".

إجراءات وضوابط غائبة

وبسؤاله عن مدى تأثير خطوة الإفراج عن نائب رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، زياد العليمي، على قرار الحركة المدنية بالمشاركة في الحوار، أضاف: "نحن نرحب كثيرا بهذه الخطوة الهامة، ونشكر الرئيس السيسي عليها بكل تأكيد، لكنها ليست كل شيء وليست نهاية المطاف؛ فهناك الكثير من الإجراءات والضوابط الأخرى التي يجب توفرها قبل وأثناء وبعد الحوار".

وفي 7 أيار/ مايو الماضي، أعلنت "الحركة المدنية" عن قبول دعوة السيسي إلى حوار سياسي، مُحددة 7 ضوابط قالت إنها يجب أن تتوفر في الحوار، وعلى رأسها أن يكون تحت مظلة مؤسسة الرئاسة، وأن يجري الحوار بين عدد متساو ممن يمثلون السلطة والمعارضة، وأن يكون الحوار بين شركاء متكافئين بلا مصادرة ولا مكايدة ولا تخوين، مشدّدة على ضرورة الإفراج عن كافة سجناء الرأي.

وكانت محكمة جنح أمن الدولة طوارئ الاستثنائية (محكمة استثنائية أنشئت بموجب حالة الطوارئ) قضت، في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني 2021، بسجن زياد العليمي 5 سنوات، في القضية رقم 957 لسنة 2021 جنح أمن دولة طوارئ، وهي القضية المنسوخة من قضية "تحالف الأمل"، المحبوسين فيها احتياطيا منذ يونيو/ حزيران 2019.

بينما أصدر السيسي، الإثنين، قرارا جمهوريا بالعفو عن زياد العليمي، وذلك استجابة لدعوات الأحزاب والقوى السياسية وتنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين ولجنة العفو الرئاسي.

وكان رئيس الحزب المصري الديمقراطي الاجتماعي، فريد زهران، قد شدّد على رفض حزبه القاطع والحاسم المشاركة في الحوار الوطني، إلا بعد الإفراج عن بعض سجناء الرأي -من بينهم زياد العليمي وآخرون-، وقال: "ما لم يخرج هؤلاء فنحن لن نشارك في هذا الحوار قولا واحدا، ولن نتراجع عن ذلك"، بحسب مصادر خاصة تحدثت سابقا لـ"عربي21".

يُشار إلى أن الحركة المدنية كانت تقدمت في السابق بقائمة أولى شملت الإفراج عن 1074 معتقلا، بمن فيهم سجناء الرأي البارزون من قيادات الأحزاب وبعض النشطاء، لكن النظام لم يستجب، ولم يُفرج إلا عن أعداد أقل بكثير مما جاء في تلك القائمة.

خلافات بين الأجهزة

كما تساءل قيادي حزبي معارض، في تصريح لـ"عربي21": "إذا كان الحوار أخذ نحو 6 شهور في الإعداد والتجهيز والتحضير فكم شهرا سيستغرقه الحوار ذاته؟ وما هي الأسباب الحقيقية التي تحول دون إطلاق الحوار؟ وهل الخلافات بين الأجهزة هي السبب الرئيس في ذلك؟".

يُذكر أن عضو "مجلس أمناء الحوار الوطني"، ونائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (الحكومي)، عمرو هاشم ربيع، كشف، في مقابلة سابقة مع "عربي21"، عن وجود خلافات داخل أجهزة الدولة بشأن الموقف من الإفراج عن سجناء الرأي، قائلا: "الجيش، والمخابرات الحربية، والمخابرات العامة، يتمنون الإفراج عن كل المحبوسين من السجناء، وأنا على يقين من ذلك، لكن في المقابل هناك جهة أخرى تتوجس قبل أن تُفرج عن سجين واحد فقط"، وذلك في إشارة لجهاز الأمن الوطني.

اقرأ أيضا: هاشم ربيع: وساطات لإنهاء الأزمة بين الإخوان والنظام بمصر

وتابع القيادي الحزبي، الذي رفض الإفصاح عن نفسه: "ما يحدث هو مشهد مصنوع بعناية لمحاولة تحقيق غرض سياسي مُسبق ومُحدد، يصب في صالح النظام، بينما صلب الأزمة الحقيقية التي نعيشها هو تجريف وسحق الحياة السياسية والمجتمع المدني، خاصة في ظل شراسة الاستبداد والفساد، وتهميش الأحزاب، وغياب المحليات، ونحن على يقين أنه بعد انفضاض مهرجان الحوار الوطني ستعود ريمة لعادتها القديمة، وربما بشكل أكثر شراسة وفاشية".

وحول قول ضياء رشوان في السابق بأنه لا توجد قوى سياسية واحدة قامت برفض الحوار، قال: "هناك فارق كبير بين رفض الحوار، والدعوة للحوار، والمشاركة في الحوار. بالفعل الكثيرون رحبوا بالحوار، لكن هناك مَن لم يتم توجيه دعوات رسمية لهم، وهناك مَن صمتوا وليس كل الصمت رضا وقبول، وهناك مَن تم إقصاؤهم بشكل واضح عن المشاركة في الحوار".

ونوّه إلى "انعدام الضمانات الإجرائية والموضوعية لضمان الوصول لحوار سياسي وطني جاد ومُثمر"، مُشدّدا على أن "الأجهزة الأمنية هي التي تتحكم في كافة تفاصيل وإدارة الحوار من خلف الكواليس".

يُذكر أن السيسي كان قد دعا في 26 نيسان/ أبريل الماضي، خلال مشاركته في حفل "إفطار الأسرة المصرية" السنوي، إلى إطلاق حوار بين القوى السياسية كافة، "دون تمييز ولا استثناء"، وذلك في دعوة هي الأولى من نوعها منذ وصوله إلى السلطة في صيف 2014، مُعلنا عن إعادة تفعيل عمل لجنة العفو الرئاسي التي تشكلت أواخر 2016.

وحينها تباينت ردود الفعل من القوى السياسية المختلفة ورموز المعارضة في الداخل والخارج إزاء تلك الدعوة؛ بين التأييد والرفض والتحفظ المشروط، فضلا عن الترقب الحذر.