مخابرات المستقبل!

"الاستخبارات مفتوحة المصادر" تحُدُ من سيطرة أجهزة المخابرات على المعلومات الاستخباراتية السرية.. كيف ذلك؟

المتعارف عليه في عالم الجاسوسية، والمخابرات وجود عملاء ميدانيين متخفين على الأرض
أو هاكرز متمرسين يرصدون كل شاردة وواردة، ويتابعون خطوط سير آليات العدو لجمع المعلومات السرية.

لعل هذه الصورة هي التي صدّرتها لنا أجهزة المخابرات في العالم عن طبيعة عملهم، إلا أن هذا الوضع بات مختلفا مع بروز مجال "المعلومات الاستخباراتية مفتوحة المصدر"، فالتقديرات تشير إلى أن  80 بالمئة من البيانات التي تجمعها الوكالات تأتي من  مصادر المعلومات المتوفرة للعامة.

ماهيتها

"استخبارات المصادر المفتوحة" هو مصطلح يعبر عن المعلومات التي يقع جمعها من المصادر المتاحة للعامة، مثل مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب مجلة إيكونوميست (The Economist) البريطانية، فإن استخبارات المصادر المفتوحة باتت تتحدى احتكار الدول للمعلومات التي  كانت تصنف سابقا سرية ولا يمكن إتاحتها للجمهور، مشيرة إلى وجود مواقع إلكترونية  توفر هذه البيانات.

وقد بات بإمكان العامة مراقبة الطرق التي تسلكها الطائرات والسفن، ومناجم اليورانيوم في الهند  
إضافة إلى منشآت الأسلحة الكيميائية في سوريا، وهي معلومات كانت خاصة بأجهزة المخابرات.

مجلة "فورين أفيرز" أرجعت تنامي هذا النوع من الاستخبارات إلى الثورة التكنولوجية، إضافة إلى الذكاء الصناعي الذي غيّر طرق خوض الحروب، فكان الاختبار الحقيقي الأول لهذه التقنيات في الحرب الروسية-الأوكرانية التي أعادت تعريف مفهوم الجاسوسية.

نقطة التحول

الغزو الروسي لأوكرانيا غيّر مفهوم الاستخبارات العسكرية عبر تركيزه على وسائل جديدة، لتوفير المعلومات الاستخباراتية.

وبحسب مجلة "فورين أفيرز" الأمريكية، فإن الصراع الروسي الأوكراني "بشّر بعصر جديد من تبادل المعلومات الاستخبارية"، إذ تحصلت الوكالات الحليفة لأوكرانيا، وخاصة وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية على معلومات تخُص تحرك الجيش الروسي نحو كييف، قبل وصوله إلى الأراضي الأوكرانية
معتمدين بذلك على "المعلومات الاستخباراتية المفتوحة المصدر".

ليس هذا فحسب بل إنه على مدار أشهر الصراع، تشكلت مجموعات خاصة من المواطنين والمتطوعين في أوكرانيا لتجميع المعلومات عن مواقع الجيش الروسي وتحركات خطوطه، ومن ثم تزويد الجيش بالصور والإحداثيات عبر تطبيق "تليغرام"، وهو ما لم يكن متوفرا في الحروب والصراعات السابقة.

المستقبل

تشير التقديرات إلى أن عالم الاستخبارات المفتوحة المصدر لن يقف مكتوف الأيدي وسيستمر بالتطور وتحديث أدواته، خاصة مع بروز تقنيات الواقع الافتراضي والذكاء الاصطناعي.

وبحسب مجلة إيكونوميست، فإن تطور هذا المجال يتحدى الحكومات ويقضي على فكرة سرية المعلومات. ووفقا لتقرير لمسؤول القيادة الاستراتيجية بالجيش البريطاني الجنرال جيم هوكنهول، فإن الاستخبارات المفتوحة المصدر تحقق ثورة في عالم المخابرات.

وفي ظل وجود خبراء متخصصين في الاستخبارات المفتوحة المصادر، فإن من المتوقع أن يجد هؤلاء  طريقة  لتقديم المساعدة لبلدانهم في محاولات لتحويل هذا المجال إلى بيئة أكثر مؤسسية تدريجيا.