قضايا وآراء

نكون أو لا نكون..!

جرائم مكانها المحاكمة والشرطة وليس الإعلام- CC0
هي عبارة هاملت الشهيرة... أكون أو لا أكون..! في مسرحية شكسبير الخالدة التي تحمل عنوان بطلها هاملت، وهي عبارة وجودية، تعبر عن موقف الإنسان من العالم ومأساته في ذات الوقت، وقد استعارها الكثيرون للتعبير عن مواقفهم من العالم.

واسمحوا لي أيضا أن أستعيرها، للتعبير عن دهشتي وغضبي لعبثية المشهد الإعلامي بكل وسائطه الخاصة والعامة، وإلحاحه باستفزاز ممل على خصوصية فنانين وفنانات، فلا تكاد تهدأ هوجة لتستلمنا هوجة أخرى في دائرة  عدمية لا تنتهي، وكأننا قدر علينا أن نحفظ عن ظهر قلب مقررات الإعلام التي تفرض علينا من فضائح شخصية مصنوعة أو غير مصنوعة، ومن خناقات سخيفة، ومشاكل تافهة مختلقة.

وهي حكايات تشبه حكايات ألف ليلة وليلة، ولكن بنسخة مرقعة رخيصة، لا ناقة لنا ولا جمل فيها. وأي كان الصدق أو الكذب، فهذه الحكايات (ولنقل مجازا حكايات) مكانها ساحات المحاكم وأقسام البوليس، وهي السلطات المختصة المنوطة بها هذه الحكايات أو الجرائم أو سمها ما شئت، لما تحويه من غدر وحب وانتقام، وبعض الأحيان يصل للتشويه والتهديد بالقتل، أو القتل بكل بشاعته وخسته.

فتارة تطلع علينا إحداهن لتدخلنا في حكايات مع حبيبها السابق، أو زوجها العرفي، وتارة أخرى تطلع علينا مواقع التواصل بفنانة بين الحياة والموت لاعتداء زوجها عليها بدنيا، وتارة ثالثة يطلع علينا الزوج وعلى وجهه آثار ضرب مبرح، ليتهم زوجته الفنانة المشهورة بتأجير بلطجية للاعتداء عليه بدنيا بغرض إجباره على التنازل عن أملاكه لصالح الفنانة.

وما نكاد نتنفس الصعداء من كل هذا الهراء، لنجد من يفرض علينا فرضا، حكاية أخرى مفادها، اتهامات متبادلة بين زوجين من الفنانين بالاعتداء والسرقة والضرب والشجار والبعد والهجر، ثم التصالح والحب والعشق، ثم الشجار مرة أخرى وهكذا دواليك.. وكأن مصرنا الحبيبة خلت من قضايا مصيرية حقيقية، وكأن قوتنا الناعمة أصبحت قوة خائبة تترنح من فرط ضعفها ورعونتها وحماقتها بين الحكايات السخيفة البلهاء وأصبح هذا شغلها الشاغل، لا إنتاج للفن البديع في حقول التعبير المختلفة.

قوتنا الناعمة التي غزت كل العالم العربي بفنها وإبداعها، فصدقها وأحبها الناس من المشرق إلى المغرب.

ولكني أشك أن كل هذا صدفة، وأتصور -مع أنني لست من أنصار نظرية المؤامرة- أن هذا المشهد العبثي مصنوع بامتياز لتفريغ الحركة الفنية من مضمونها وإفقادها دورها الريادي، وفي ذات الوقت تغيير الوعي الجمعي لقيمة الفن كمعطى جمالي في حياتنا، ليعود إلى النظرة الرجعية الخالية من الاحترام والتي يشوبها كثير من الريبة والشك. فقد كان قديما لا تقبل شهادة الممثل بالمحكمة.. فهل سنعود لهذه الأيام؟ ولهذا فالمسألة يجب أن يُنظر إليها بعين الاعتبار.

فهي قضية وجود من عدمه هي.. نكون.. أو لا.. نكون..!