سياسة عربية

ماذا وراء وقف ساويرس استثماراته بمصر وتوجهه للسعودية؟

ساويرس قال إن ما حصل في مصر خلال العامين الماضيين هو الذي أوصل الاقتصاد المحلي إلى ما هو عليه اليوم- تويتر
وجه رجل الأعمال المصري سميح ساويرس، في حواره مع العديد من المواقع والصحف والفضائيات العربية والأجنبية، الثلاثاء، الكثير من الانتقادات لوضع الاقتصاد المصري المزري، مذكرا بالانتقادات التي أطلقها شقيقه الأكبر نجيب ساويرس قبل عام ونصف في حوار لوكالة "فرانس برس".

سميح أنسي ساويرس، (66 سنة)، أبرز رجال الأعمال المصريين، يترأس "أوراسكوم للفنادق والتنمية"، وهو الابن الأوسط لعائلة ساويرس الأكثر ثراء بمصر بجانب أخيه الأكبر نجيب، والأصغر ناصف.

عائلة ساويرس، ووفقا لتصنيف فوربس لعام 2022، جاءت بالمرتبة الأولى كأغنى أغنياء قارة أفريقيا، بصافي ثروة إجمالية قدرها 12.9 مليار دولار، لسميح منها 1.1 مليار دولار، ولناصف 8.4 مليارات دولار. ولنجيب نحو 3.4 مليارات دولار.


"انتقاد لمصر وإشادة بالسعودية"


وخلال مؤتمر صحفي الثلاثاء، إثر تسليم أولى وحدات سكنية من مشروع "أو ويست"، غرب القاهرة، أعلن سميح ساويرس، أنه توقف تماما عن الاستثمار في بلده مصر، وأنه لن يدخل في أي مشروعات جديدة بها.

وأوضح أن قراره هذا يأتي في ظل ما أسماه بـ"صعوبة دراسة جدوى المشروعات بسبب تباين سعر صرف الجنيه المصري، وفي ظل الضبابية حول سعر صرف الدولار"، لافتا إلى تدهور الوضع الاقتصادي، وعدم استقرار الإنتاج، والاستيراد.

وفي انتقاد غير مباشر لسياسات النظام المصري الاقتصادية، أكد أن "ما حصل في مصر خلال العامين الماضيين هو الذي أوصل الاقتصاد المحلي إلى ما هو عليه اليوم".

لكن ساويرس أشاد بالاقتصاد التركي، لافتا إلى أنه اقتصاد يعاني من أزمات زيادة أسعار الصرف والتضخم، ولكنه تغلب على أزماته بزيادة الإنتاج، والتصدير.

وفي مفاجأة مثيرة، أعلن رجل الأعمال المصري، أنه في مقابل عدم ضخ استثمارات جديدة بالسوق المصري سوف يستثمر في السعودية في عدة مشاريع رفض الحديث عن نوعيتها ومجالاتها ولكنها على الأغلب سياحية في منطقة "نيوم"، أحدث أماكن الاستثمار في السعودية.

"توقيت مؤلم"


إشادة ساويرس، بالاستثمار في السعودية وانتقاده في مصر، يأتي في توقيت تشهد فيه علاقات نظامي القاهرة والرياض تراجعا مثيرا للجدل.

كما أن حديث ساويرس، يأتي في ظل معاناة الاقتصاد المصري من تراجع الاستثمار وهروب رأس المال الساخن، وتفاقم أزماته المالية التي قد تدفع به إلى حافة الإفلاس، وفق مراقبين.

إلى جانب أنه يأتي في ظل إحجام من المستثمرين الخليجيين عن الاستثمار في مصر، وخلافات حول الصفقات المطروحة من شركات مصر العامة.

وتسعى مصر لتدبير المال لسداد التزاماتها الدولية، ودفع خدمة دين خارجي تعدى 163 مليار دولار، وتحتاج إلى ضخ الأموال والاستثمارات.

وهو ما دفع البعض لانتقاد ساويرس، واعتبار تصريحه تخليا عن البلاد في أزماتها، وإدارة ظهره للنظام المصري رغم تأييد أسرته لانقلاب عبد الفتاح السيسي عام 2013.


"شركاء التدمير"
وفي قراءته لدلالات حديث ساويرس، وكيف يؤشر على هروب الاستثمار المحلي من البلاد وتوجهه نحو دول أخرى في وقت يتراجع فيه الاستثمار الخليجي في مصر أيضا، قال السياسي المصري الدكتور عمرو عادل: "لا جديد في مصر ولا جديد في موقف عائلة ساويرس ورفاقها".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أكد رئيس المكتب السياسي بالمجلس الثوري المصري المعارض، أنهم "منتفعون أولا وأخيرا"، موضحا أن "رأس المال لا يهمه شعب ولا اقتصاد ولا منظومة اجتماعية، فقط همه الوحيد الحصول على أكبر قدر من الأموال بأقل قدر من العمل".

وأضاف: "هذا هو رأس المال الموجود في مصر منذ عصر الانفتاح"، مبينا أنه "لا زال النظام المصري يُشجع هذه النوعية من رجال الأعمال"، معتبرا أنهم "شركاء في تدمير مصر وشعبها"، مضيفا أنه في المقابل "يحارب في نفس الوقت الاستثمار الحقيقي وأصحابه".

وحول اعتبار البعض حديث ساويرس تخليا منه عن النظام المصري، رغم أن أسرة ساويرس كانت الأكثر دعما للسيسي، قال عادل، إن "انهيار سعر الدولار والاستثمارات والبنية المالية والنقدية، جميعها نتيجة التحالف بين الفساد السياسي والفساد الاقتصادي المتحالفين معا منذ عقود".

وأكد أن هذا التحالف "تجلى في مشهد الانقلاب العسكري"، مضيفا: "ولا أرى أن هناك تخليا عن النظام، وهو فقط بحث عن المصالح المباشرة، والنظام السياسي يفعل ذلك أيضا، فهو بمثابة المقاول الذي يدير دولة بعقلية المقاول من الباطن".

ويرى السياسي المصري، أن "مصر الآن تتعرض لأكبر عملية سطو مسلح في التاريخ، والجميع ينهش في تاريخها وثرواتها بلا رحمة، سواء رجال الأعمال أو الدول الخليجية أو حيتان العساكر تحت تهديد السلاح الموجه من الجيش المصري".

في نهاية حديثه توقع عادل، أن "يستمر هروب الأموال والاستثمارات بلا توقف من ساويرس ومن على أمثالهم، وأن يُهرب العساكر أموالهم للخارج تاركين مصر وشعبها وسط الفقر والسيطرة الاقتصادية التي لن نعلم ما الذي سينتج عنها بالعقود التالية".


"ساويرس والسيسي"
وعلى مدار سنوات حكم السيسي لمصر منذ انقلابه على الرئيس الراحل محمد مرسي، 3 تموز/ يوليو 2013، أخذت العلاقة بينه وبين عائلة ساويرس، منحنيات بين صعود وتقارب، وهبوط وانتقاد.

البداية كانت بدعم عائلة ساويرس للسيسي، والتي تبعها لاحقا صفقات اقتصادية، ثم صفعات قوية متتالية من كليهما للآخر، حتى احتار الجميع في العلاقة بين الجانبين الذي يمثل أحدهما السلطة ويمثل الآخر المال.

ورغم إسناد نظام السيسي لمجموعات ساويرس الاقتصادية الكثير من الأعمال، إلا أن عائلة ساويرس، وخلال أعوام 2015، و2016، و2017، فقدت أذرعها الإعلامية في الصحافة والفضائيات المصرية، ودورها السياسي بحزب "المصريين الأحرار"، التي شاركت في تأسيسه نيسان/ أبريل 2011.

وفي آذار/ مارس 2015، باعت عائلة ساويرس كامل حصتها في شركة "موبينيل"، إحدى أقدم شركات الاتصالات في مصر إلى أورانج الفرنسية مقابل 1.4 مليار جنيه.

وعلى الرغم من تأسيس عائلة ساويرس لفضائية "أون تي في" عام 2007، ومشاركتها في العديد من الصحف والمواقع مثل "المصري اليوم"، و"مصراوي" إلا أنه ومع بداية تدشين امبراطورية المخابرات المصرية الإعلامية بشركة "إعلام المصريين" عام 2016، ثم "المتحدة للخدمات الإعلامية" 2018، تخارج ساويرس منها.

باعت عائلة ساويرس فضائية "أون تي في" بأوامر عليا كغيره من رجال الأعمال من ملاك الفضائيات، في آيار/ مايو 2016.

وفي شباط/ فبراير 2017، فصل حزب "المصريين الأحرار" مؤسسه نجيب ساويرس من عضوية الحزب، لتخسر عائلة ساويرس ذراعها السياسي بعد خسارة أذرعها الإعلامية.

وعلى الرغم من مشاركة عائلة ساويرس، في العديد من مشروعات العاصمة الإدارية الجديدة التي يبنيها السيسي، منذ العام 2016، إلا أن الأخ الأكبر نجيب ساويرس، انتقد "اقتصاد الجيش المصري" في حديث للوكالة الفرنسية، تشرين الثاني/ نوفمبر 2021.

وفي حديث تبعته مطالبات من صندوق النقد الدولي بخروج الجيش من الاقتصاد قال إن "الشركات المملوكة من طرف الدولة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو رسوما جمركية، عكس الشركات الخاصة وهذا ما يجعل الفرص غير متكافئة بين القطاعين".

وفي حزيران/ يونيو 2022، جرى توقف مثير وغير مبرر لمهرجان الجونة السينمائي الذي نظمته عائلة ساويرس لمدة 3 سنوات.

وفي تموز/ يوليو 2022، أثير الحديث عن مغادرة رجل الأعمال ناصف ساويرس الشريك الأغنى في العائلة إلى سويسرا، وزيادة استثماراته في قطاع السياحة هناك التي بدأها في نهاية عهد حسني مبارك.

آخر الأزمات بين عائلة ساويرس والنظام المصري بعد السلسلة السابقة كان في تموز/ يوليو 2022، ببيع إجباري لحصة ساويرس في شركة "بلتون للأسمدة" إلى شركة "شيميرا الإماراتية" المملوكة لطحنون بن زايد، شقيق رئيس الإمارات.


"البحث عن ترضية"
السياسي المصري محمد عوض، وفي تعليقه على حديث ساويرس، قال إن "هذه ليست المرة الأولى التي تخرج تصريحات لعائلة ساويرس بهذا المضمون، وذلك إزاء كل أزمة استثمارية يتعرضون لها، وبكل مرة، يحصلون على ترضية مناسبة بعدة مشروعات ومزايا".

رئيس حزب "الخضر" المصري، أضاف لـ"عربي21": "إذا، المفترض ووفق سابق الخبرات ألا أكون متحمسا للتعليق على ما قاله ساويرس، بل ويجعلني أعيد فتح ملف أعمالهم بمصر مرة أخرى، وأتساءل عما تم في شأن اتهامات لهم ترددت بخصوص إحدى قضايا الأمن القومي المصري".

عوض، يرى أن "جديد التصريحات الأخيرة، يتمثل بتزامن توقيتها والأخبار المتداولة حول توتر استراتيجي بالعلاقات المصرية السعودية (وهو ما لا أعتقد فيه بعد)، وإشارة بعض التقارير لتنافس قوي بين دول الخليج للاستحواذ على أكبر حصة من الاستثمارات المباشرة بمصر".

وعليه، فيعتقد السياسي المصري أن "تصريحات ساويرس الأخيرة تحتمل من حيث توقيتها إما انحيازا منهم لوجهة النظر الاستراتيجية السعودية بمواجهة مصر، وإما في إطار البحث عن الفرصة البديلة والمأمونة عنها في مصر".

وقال: "لا أعترض على حق آل ساويرس، كرجال أعمال بالبحث عن أفضل الفرص بغض النظر عن مكانها، ولكني أضع نصب عيني أن التصريحات حملت انتقادا لاذعا للإدارة المصرية حول واقع سياسة الاستثمار".

وأشار إلى أن "تصريحات سابقة لآل ساويرس -ليست بنفس الحدة- أتت بترضيات حكومية مصرية لهم، وذلك بقدر قوة التصريح؛ ومن ثم يحق لي الظن أن التصريح الأخير قد يأتي في إطار البحث عن ترضية أكبر، ولنا أن نتساءل ما هي؟".


"متوافق مع انتقادات غربية"
ولفت السياسي المصري إلى أن "قوة تصريح آل ساويرس الأخير، تأتي من كونه متوافقا مع انتقادات ومطالب صندوق النقد الدولي والإدارات الغربية من الحكومة المصرية".

ويعتقد أنها أيضا "تأتي داعمة ومعلنة عن نجاح التوجه السعودي نحو الاستحواذ على النصيب الأكبر من حصة الاستثمارات المباشرة، فيما تأتي كضربة موجهة للاقتصاد والإدارة المصرية".

وفي ختام حديثه، لا يظن عوض، أن "هذه التصريحات خلفها هدف سياسي لآل ساويرس تجاه السلطة بمصر، بقدر ما أراها مداعبة للإدارة السعودية، وإذا كان الهدف سياسيا، فإنه لا يتعدى مرحلة (قرص الأذن) أو الضغط على الإدارة المصرية لهدف كبير آخر مستتر".