حقوق وحريات

قلق حقوقي من تزايد اختفاء الأطفال اللاجئين غير المصحوبين بأوروبا.. أرقام مخيفة

اختفاء 78% من جميع المتقدمين باللجوء القُصّر غير المصحوبين في النمسا عام 2021 (الأورمتوسطي)
كشف تقرير جديد للمرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان عن تفاوت كبير في معاملة طالبي اللجوء من القصر غير المصحوبين مقارنة بالقصر المصحوبين في أوروبا، بما في ذلك حرمان أولئك غير المصحوبين من الضمانات القانونية، وإخضاعهم للاحتجاز، وعدم كفاية الخدمات المقدّمة لهم في العديد من الدول الأوروبية.

وأصدر الأورومتوسطي اليوم الخميس تقريرًا شاملًا بعنوان "السعادة والمحبة والتفاهم: حماية القُصّر غير المصحوبين في 27 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي"، أرسل نسخة منه لـ "عربي21"، استعرض فيه أوجه وجوانب القصور في إجراءات الاستقبال والحماية المقدمة لطالبي اللجوء القصر غير المصحوبين في 27 دولة عضوا في الاتحاد الأوروبي.

ويُقيِّم التقرير سياسات وممارسات كل بلد أوروبي بهدف تسليط الضوء على حالة حقوق الإنسان لطالبي اللجوء القصر في تلك الدول بموجب القانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الأوروبي.

ويُظهر التقرير أنه غالبًا ما يكون هناك فرق كبير في المعاملة بين القصر المصحوبين وغير المصحوبين، حيث يتمتع القصر المصحوبون ـ في وجود بيئة أسرية تدعمهم بشكل كامل ـ بضمانات سلامة من الدولة أكثر من نظرائهم غير المصحوبين.

ففي مالطا على سبيل المثال، يتكرر احتجاز الأطفال من طالبي اللجوء غير المصحوبين، بينما يكون من النادر احتجاز الأطفال المصحوبين من طالبي اللجوء.




وغالبًا ما تفشل السلطات في تنفيذ السياسات الخاصة بالقصر غير المصحوبين، والتي من المفترض أن تأخذ في الاعتبار حقيقة أنهم أشخاص دون السن القانونية ولوحدهم، ويتسبب ذلك في كثير من الحالات باختفاء القصر غير المصحوبين. فعلى سبيل المثال، اختفى 78% من جميع المتقدمين القُصّر غير المصحوبين في النمسا عام 2021. كما يوكد التقرير وجود فجوة واضحة في الخدمات التي تستهدف القُصّر غير المصحوبين، وخاصة فيما يتعلق بالتعليم والإدماج كما هو الحال في البرتغال وفرنسا.

وأبرز التقرير العديد من أوجه القصور عند التعامل مع الأطفال غير المصحوبين في كل دولة من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي؛ أكثرها شهرة وانتشارًا عمليات الإعادة الممنهجة عبر الحدود في بلغاريا وكرواتيا والمجر وليتوانيا وقبرص ورومانيا وفرنسا وإيطاليا وسلوفينيا وإسبانيا، فضلًا عن سوء المعاملة والإذلال والضرب التي يرتكبها ضباط الشرطة في بلغاريا والمجر وليتوانيا وكرواتيا ورومانيا، والتي تنتهك مبدأ حظر التعذيب وحق القصر غير المصحوبين في طلب اللجوء.

وعلى نحو مشابه لطالبي اللجوء البالغين، يُعزى الارتفاع المتزايد في أعداد طالبي اللجوء من القصر غير المصحوبين في السنوات الأخيرة إلى العنف المستمر ومستويات المعيشة غير المتكافئة والفرص الاقتصادية المحدودة في العديد من البلدان النامية.

وقد يواجه الأطفال في بلدانهم الأصلية تهديدات عديدة ومحددة بحكم صغر سنّهم أكثر من تلك التي قد يواجهها البالغون، ويشمل ذلك عمالة الأطفال والزواج المبكر وتشويه الأعضاء التناسلية للإناث والتجنيد القسري والإتجار بالبشر لغرض البغاء أو الاستغلال الجنسي، إلى جانب الارتباط بآراء أو أنشطة ذويهم، والتي قد تدفعهم إلى تكوين آراء تؤدي إلى اضطهادهم.




ووفق البيانات التي عرضها التقرير، تلقّت الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي عام 2022 نحو 881,200 طلب لجوء، بينهم 39,520 طلب لجوء لقُصّر غير مصحوبين، وهو العدد الأكبر منذ عام 2015، بزيادة بنسبة 45% عن عام 2021 الذي شهد تلقي تلك الدول 23,255 طلب لجوء.

ومع ذلك، بقيت نسبة القُصّر غير المصحوبين مستقرة نسبيًا عند حوالي 4% من إجمالي عدد طالبي الحماية الدولية، إذ يرجع سبب ارتفاع أعدادهم في عام 2021 إلى الارتفاع العام في طلبات اللجوء، وليس التدفق غير المتناسب للقُصّر غير المصحوبين.

وأوضح التقرير أنّ السبب في الارتفاع العام في أعداد طالبي اللجوء من القُصّر غير المصحوبين يعود إلى ارتفاع عدد القادمين منهم من أفغانستان إبان سيطرة حركة "طالبان" على السلطة في البلاد في أغسطس/ آب 2021، إلى جانب العدد الكبير للقادمين من أوكرانيا عقب الغزو الروسي للبلاد في فبراير/ شباط 2022.

ومع أنّ إجمالي عدد القُصّر غير المصحوبين في دول الاتحاد الأوروبي كان قليلًا نسبيًا، إلا أنّ هناك اختلافات كبيرة في الأنماط على صعيد الدولة، إذ سُجلت أعلى نسبة لطلبات لجوء القصر غير المصحوبين في عام 2022 في بلغاريا بمعدل 17% من إجمالي الطلبات، تلتها النمسا وبلجيكا وهولندا بمعدلات 12% والمجر بمعدل 11%. وتشير هذه النسب إلى وصول عدد كبير من القُصّر غير المصحوبين إلى دول الاتحاد الأوروبي ودول المنطقة الاقتصادية الأوروبية عبر طرق البلقان.

ومن حيث الجنس، مثّلت فئة الذكور الغالبية العظمى من القُصّر غير المصحوبين بنسبة وصلت إلى 93%، بينما مثلت فئة الإناث 7% فقط، إذ كانت الفتيات أقليةً بين القُصّر غير المصحوبين من جميع الجنسيات على الرغم من ارتفاع نسبة الإناث بين الأطفال القادمين من الصومال. أما من حيث العمر، تراوحت أعمار 70% من إجمالي المتقدمين بين 16 و17 عامًا، تلا ذلك الأعمار بين 14 و15 عامًا بنسبة 23%، و7% كانت أعمارهم تقل عن 14 عامًا.




وتحظر دول الاتحاد الأوروبي نظريًا احتجاز القصر غير المصحوبين بموجب القانون الدولي والوطني، لكنها تسمح به على نحو عملي، إذ يمكن احتجاز القصر غير المصحوبين في بلجيكا ممن لا يمتلكون تصريح إقامة أثناء إجراءات تقييم العمر، والتي قد تستغرق عدة أسابيع.

وفي العامين الماضيين في بلغاريا، غالبًا ما كانت شرطة الحدود تُسجّل الأطفال غير المصحوبين الذين يتم إيقافهم على الحدود ولا يمتلكون وثائق صالحة على أنهم مصحوبون برفقة أي أحد من البالغين المسافرين معهم لتبرير إدراجهم ضمن أمر احتجاز الشخص البالغ وبالتالي احتجازهم بشكل غير قانوني.

أما في قبرص، أغلق وزير الداخلية القبرصي جميع مراكز الاستقبال وحولها إلى مراكز احتجاز خلال جائحة كورونا، وكان من بين المحتجزين عائلات لديها أطفال وكذلك قصر غير مصحوبين، على الرغم من أحكام القانون الوطني التي تحظر احتجاز القصر غير المصحوبين.

وفي جمهورية التشيك، تحتجز السلطات القُصّر غير المصحوبين الذين تتجاوز أعمارهم 15 عامًا، إذ لا يميز القانون بينهم وبين البالغين، وقد يحتجز القاصر غير المصحوب في نفس الظروف التي يحتجز فيها البالغ حتى نهاية تقييم العمر في حال الشك في عمره الحقيقي.

ومنذ 1 شباط (فبراير) 2022 حتى نهاية العام الماضي، احتُجز 416 طفلًا في مراكز الاحتجاز في بولندا، بينما احتجزت سلوفاكيا في النصف الأول من عام 2021 نحو 175 قاصرًا غير مصحوب على الرغم من قلة عدد الواصلين من القُصّر.

وبيّن التقرير أنّ العقبات الرئيسة التي تحول دون حصول الأطفال غير المصحوبين على الحماية في الدول الأوروبية هي تحديد أنهم قُصّر في الوقت المناسب، ووقت الانتظار الطويل لتعيين وصي قانوني والذي غالبًا ما لا يتم تعيينه حتى يثبت تقييم العمر أن الشخص دون السن القانونية كما في سلوفاكيا، وعدم وجود أي ضمانات في حال عدم التيقن من عمر القاصر مما قد يؤدي إلى انتهاك مبدأ "افتراض عدم البلوغ"، فضلًا عن احتجاز القُصّر في "مناطق انتظار" خطيرة مع البالغين كما هو الحال في فرنسا وجمهورية التشيك.




ووفق ما جاء في التقرير، يعاني طالبو اللجوء القصر من نقص كبير في السكن الملائم والرعاية الصحية، إذ غالبًا ما يُسكّنون في مراكز استقبال مزدحمة مع وصول غير كافٍ للخدمات الأساسية، كما هو الحال في مالطا وسلوفينيا وليتوانيا، أو حتى يضطرون إلى النوم في الشوارع، كما يحدث في اليونان وفرنسا.

وخلص التقرير إلى أنّ السياسات والممارسات التي يتعرض لها طالبو اللجوء القُصّر في الدول الأوروبية تتعارض على نحو فجّ مع كل من القانون الأوروبي والقانون الدولي وأحكام اتفاقية الأمم المتحدة لحقوق الطفل.

ودعا المرصد الأورومتوسطي إلى إعمال مبدأ مصلحة الطفل الفضلى، بما يضمن حماية طالبي اللجوء القصر في الدول الأوروبية من الإعادة القسرية، وإيوائهم في مرافق استقبال مخصصة للقُصّر، وتمكينهم من الوصول إلى التعليم وتسهيل إدماجهم في المجتمع، وعدم احتجازهم، ومنحهم الحق في معاملتهم كأطفال في جميع الإجراءات الإدارية المتعلقة بوضعهم، بالإضافة إلى التعيين الفوري لوصيّ يكون قادرًا على بناء علاقة ثقة متبادلة مع الطفل.