كتاب عربي 21

انتخابات رئاسية مبكرة لماذا.. هل يتنحى السيسي؟!

جيتي
لم يكد أحد الكتاب المقربين من دوائر السلطة يعلن عن انتخابات رئاسية مبكرة، قبل موعدها المنصوص عليه في الدستور، حتى أثار هذا نقاشاً واسعاً عن السر وراء ذلك، فقد جرى العرف على إجراء الانتخابات الرئاسية بالذات في موعدها، ليتمكن الحاكم من كامل ولايته، وكأن الدورة آخر زاده، حتى وإن بقي في موقعه لأكثر من ربع قرن، مثل مبارك!

وعندما ألمح أحد الإعلاميين المقربين من دوائر أهل الحكم إلى أن السيسي قد لا يترشح لهذه الانتخابات، اعتبر البعض أن هذا التنحّي قد يكون السبب في التبكير بإجرائها.

بداية لم يمثّل ما قيل عن انتخابات رئاسية مبكرة مفاجأة لي، فقد سبقتُ هذا الإعلان من جانب المقرب من الدوائر، وأعلنتُ من جانبي أن اتجاهاً داخل دوائر القوم لإجراء الانتخابات قبل موعدها، لتبدأ إجراءاتها في شهر تشرين الأول/ أكتوبر. والآن أقول إن المقرر (حتى الآن) أن تبدأ الإجراءات بنهاية  تشرين الأول/ أكتوبر، ومع بداية العام الجديد (2024)، تكون الإجراءات جميعها قد اكتملت، لتبدأ المرحلة الجديدة في كانون الثاني/ يناير.

ولأن الانتخابات التركية حاضرة في وجدان الناس هذه المرة، ولأنهم لا يكترثون منها سوى بالعناوين، فإن الاتجاه هو أن تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً، وذلك لضمان قيام المرشحين الجادين بحشد الناخبين، فكل ما يهم أهل الحكم هو استيفاء الشكل، بحضور الناس، لإحداث الزخم المطلوب أمام اللجان وداخلها، ولن يمثل الجمع (بين الأختين) استغراباً من الرأي العام، فتركيا حدث فيها الجمع بين البرلمانية والرئاسية، وهي انتخابات أثارت اهتمام المصريين لديمقراطيتها، صحيح أن دولاً أخرى تأخذ بهذا النظام الانتخابي، لكن التجربة التركية هي الأقرب، ولا تزال تجلياتها في وجدان سكان المحروسة!

لأن الانتخابات التركية حاضرة في وجدان الناس هذه المرة، ولأنهم لا يكترثون منها سوى بالعناوين، فإن الاتجاه هو أن تجرى الانتخابات البرلمانية والرئاسية معاً، وذلك لضمان قيام المرشحين الجادين بحشد الناخبين، فكل ما يهم أهل الحكم هو استيفاء الشكل، بحضور الناس، لإحداث الزخم المطلوب أمام اللجان وداخلها، ولن يمثل الجمع (بين الأختين) استغراباً من الرأي العام، فتركيا حدث فيها الجمع بين البرلمانية والرئاسية، وهي انتخابات أثارت اهتمام المصريين لديمقراطيتها
المحلل للانتخابات الرئاسية:

إلى الآن لم يعلن أحد من دوائر النظام هذا الاتجاه، ربما لأنه لم يتم الاستقرار عليه بعد، ولكن ما صار يتردد هو "احتمال" تنحي السيسي، وتقديم غيره لخوض الانتخابات، على النحو الذي ألمح اليه أحد الإعلاميين، وليس بإمكان أحد في منظومة الحكم أو قريبا منها، أن يجتهد أو يتطوع بالإفتاء في شان كهذا، والمعنى أن الإعلامي يتحدث عنها بناء على "توجيه" صدر له، فهل هذا الاحتمال وارد فعلا؟!

ما دمنا في سياق المعلومة لا التحليل، فقبل مناقشة هذا الاحتمال، فإن من سيلعب دور المحلل لهذه الانتخابات (حتى الآن) هو رئيس الصدفة لحزب الوفد، الدكتور عبد السند يمامة، القادم لموقع سعد باشا زغلول، ومصطفى باشا النحاس، وفؤاد باشا سراج الدين، من المجهول السياسي. ولا بأس، فقد تغيرت الدنيا، وسبقه بالجلوس على هذا الكرسي نكرات وفق الحسابات السياسية، مثل السيد البدوي شحاتة، وبهاء أبو شقة، ذلك بأن الجنرال لديه حرص لإثبات جدية انتخاباته أمام الغرب، بأن المنافس له ليس واحداً من آحاد الناس، ولكنه رئيس أقدم حزب سياسي، فاته أن الغرب يعرف البئر وغطاه، وأنه يدرك أن النحاس باشا ليس في 1 شارع بولس حنا بالدقي، حيث مقر الوفد!

لكن كيف يمكن إقناع الجنرال بحقيقة أن الغرب ليس مختوماً على قفاه؟ وقد حاول في الانتخابات الماضية أن يدفع برئيس الوفد السيد البدوي شحاتة ليخوض الانتخابات منافساً، فلما ذهب للهيئة العليا، فإن شباب الحزب حاصروا اجتماعها ليحملها على رفض هذا العار السياسي. ودفع السيد البدوي ثمن عدم قدرته على حشد الوفديين لتمرير ترشيحه، فقد تمت الإطاحة به لصالح حامل رسالة أولي الأمر منهم بهاء أبو شقة الذي كان يدفع في هذا الاتجاه، وكانت المهمة التي يؤهلونه لها هي خوض الانتخابات الرئاسية بصفته رئيس الوفد.

لكن حدث ما لم يكن في الحسبان، عندما سقط في الانتخابات ليفوز برئاسة الوفد هذا القادم من المجهول الدكتور يمامة، لأن كبار رجال الحزب لم يغامروا بخوض الانتخابات ضد رجل السلطة، وفعلها المذكور؛ ربما لأن دوائر السلطة لم تأخذ ترشيحه على محمل الجد، ولهذا فإنه بادر بالترويج بمنافسته للسيسي من مقاعد المؤيدين (لفخامة الرئيس)، ليذكرنا بحالة موسى مصطفى موسى، المنافس للسيسي، والحاج أحمد الصباحي المنافس لمبارك، والذي تحفظ له الذاكرة تصريحه الشهير، إنه لو حدث لا قدر الله (قالها ثلاثاً)، وفاز في الانتخابات فسوف يتنازل للرئيس مبارك، وفي التصويت أعطى صوته للرئيس!

في الأولى، وعندما كان قرار الهيئة العليا للوفد رفض خوض الانتخابات، كان القوم في عجلة من أمرهم، فاستعانوا بمحلل هو موسى مصطفى موسى، الذي منحه نظام مبارك رئاسة حزب الغد نكاية في أيمن نور، واضطرت جماعة الحكم إلى معادلة شهادته التي حصل عليها من معهد فرنسي، من قبل المجلس الأعلى للجامعات، بالمخالفة للإجراءات البيروقراطية المتبعة، لتعادل البكالوريوس الذي تمنحه الجامعات المصرية على غير حقيقته؛ وذلك لأن هناك شرط الحصول على مؤهل جامعي، ضمن الشروط المنصوص عليها في الدستور، لمن يرشح نفسه لموقع رئيس الجمهورية.

موقعة المهندسين:

فالمؤكد أن الشاب أحمد الطنطاوي ليس هو "المحلل" في هذه الانتخابات، وهو ما يروج له البعض من الذين يأخذون على عاتقهم مهمة شيطنة كل من تسول له نفسه الترشح للانتخابات الرئاسية، وهم يُحسبون على المعارضة للسيسي، لأنهم لا يزالون يقفون عند مرحلة كان فيها رئيس شرعي نطالب بعودته، ومسار لا تكتمل وطنية المرء إلا برفضه ورفض من يشاركون فيه. ولم أعقد النية على تأييد مرشح رئاسي مهما كان، ولو على قواعد تأييدي لأيمن نور عندما خاض الانتخابات ضد مبارك، وقد كتبت عدة مقالات هاجمت خلالها اعتقاله وتلفيق قضية تزوير له، وإن لم أذهب للتصويت له، وليس منصفاً من لم يقر بأن أيمن نور أربك حسابات مبارك ونظامه، مع يقينهم بأن الرئيس هو الرئيس!

أن تشيطن كل من يخالفك الرأي هو أسلوب المرحلة، الذي مارسه الجميع، وعلى مستوى رفض المشاركة في الانتخابات الرئاسية فإن الرافضين لها يبحثون عن أي مبرر، ولو كان بتلفيق تهمة "المحلل" لواحد مثل أحمد الطنطاوي، إن نجح في الوصول للانتخابات فلن يكون كذلك، وإن لم ينجح في تحريك الناخبين ليجعلوا منه منافساً حقيقياً. وهذا الاتجاه الذي يعتمده البعض، يبحث عن وسيلة لتأكيد وجهة نظره، مثل أن الانقلاب العسكري لا يسقط عبر صندوق الانتخاب، فمن قال ذلك؟! لكن ما البديل لديهم غير النوم في العرض أمام كل من يعمل!

لقد استغلوا مشهد البلطجية الذين أفسدوا اجتماع الجمعية العمومية لنقابة المهندسين، للتأكيد على أنه كاشف على اتجاه النظام في الانتخابات الرئاسية المقبلة، بما يؤكد عدم جدواها، مع أنه مشهد يعزز من مصداقية الرأي الآخر، القائل بأهمية المنافسة وليس المقاطعة، لو كانت بنفس التفاصيل!

لقد كان اتجاه السلطة سحب الثقة من نقيب المهندسين طارق النبراوي، لأنه جاء لموقعه على غير إرادة الأجهزة الأمنية التي كان لها مرشحها (للدقة مرشحون)، وقد أغرى فوزه نقابات أخرى بالمنافسة، مثل الصحفيين والمحامين، بعد أن ضربها اليأس في مقتل، ولأن أغلبية أعضاء مجلس النقابة من حزب مستقبل وطن، ولأن الحزب يعلم ما يدبّر له، فقد قرر أن يلعب لعبته الأخيرة، بالدعوة لجمعية عمومية لعزل النقيب، وأكد قدرته على الحشد!

فالاتجاه الجديد هو عدم تمكينه من الحصول على الأغلبية البرلمانية؛ هو أو أي حزب آخر، لأن القوم تعجبهم صيغة "الحوار الوطني"، فيريدون نقلها للبرلمان، بل إن هناك من يدفعون في اتجاه أن يتولى المنسق العام للحوار ضياء رشوان رئاسة مجلس النواب القادم، لأنه يعطي حيوية شكلية هي المطلوبة للمرحلة المقبلة. ومن هنا بدا البرلمان كما لو كان قد خرج من مرحلة البيات الطويلة منذ انعقاده، وشاهدنا من يتحدثون بداخله ضد الغلاء، ويهاجمون وزراء بعينهم أبرزهم وزير الأوقاف، من باب إثبات الحضور والمنافسة وأنهم قادرون على لعب الدور المطلوب للمرحلة.

انتصار حققه هذا الحضور للمهندسين لرفض هذه الاملاءات السلطوية، دفاعاً عن إرادتهم، وهي روح جديدة، تحتاج من يلمسها ويُعمل رسائلها، ولو ضمنّا إقناع الناخبين بالحضور، لكانت منافسة السيسي هي الخيار المهم، حتى لو لم يملك الحاضرون حماية إرادتهم، فقد يكون تزويرها ممهداً لثورة جديدة، وإذا كان هدف النظام الانقلابي هو التأكيد للغرب على أنه يستمد شرعيته من غالبية الشعب، فإن هذا الحضور الكثيف رسالة تبدد هذا الهدف، لكن لا يملك أحد إقناع الناس بالخروج
وكان إثبات القدرة على الحشد في نقابة المهندسين، للإيعاز بأن الحزب يستطيع، وأنه حزب الأغلبية فعلاً، لكنه فشل في الحشد، وجاءت الأغلبية مدافعة عن النقيب، وعندما جلس القضاة على المنصة لإعلان النتيجة كانت الخطة البديلة جاهزة، فقد دخل البلطجية لتمزيق الأوراق والاعتداء على الحاضرين للحيلولة دون إعلان فشل الحزب، وهو المشهد الذي تحول إلى فضيحة، استشعرها النظام نفسه، فأرسل حَكَماً من عنده هو الوزير كامل الوزير لنزع فتيل الأزمة، ليكون الثمن هو إجبار أعضاء مجلس النقابة من حزب مستقبل وطن على الاستقالة، وهي هزيمة لا تخطئها عين، لتكون نهاية حزب مستقبل وطن في هذه الموقعة!

إنه انتصار حققه هذا الحضور للمهندسين لرفض هذه الاملاءات السلطوية، دفاعاً عن إرادتهم، وهي روح جديدة، تحتاج من يلمسها ويُعمل رسائلها، ولو ضمنّا إقناع الناخبين بالحضور، لكانت منافسة السيسي هي الخيار المهم، حتى لو لم يملك الحاضرون حماية إرادتهم، فقد يكون تزويرها ممهداً لثورة جديدة، وإذا كان هدف النظام الانقلابي هو التأكيد للغرب على أنه يستمد شرعيته من غالبية الشعب، فإن هذا الحضور الكثيف رسالة تبدد هذا الهدف، لكن لا يملك أحد إقناع الناس بالخروج، وهو خروج سيوفر على أعصاب البلد ما لا يمكن أن يتحمله، إذا مثّل غلاء المعيشة ضغطاً على العصب العاري، ودفع للانفجار، الذي لن يدفع فاتورته الذين ظلموا منا خاصة!

الاتجاه للتنحي:

ونعود إلى موضوعنا، فهل يفكر السيسي بصوت مسموع في التنحي، وعدم الترشح للانتخابات القادمة؟! الإجابة قطعاً هي بالنفي، إذاً فما هو السر في طرح هذا الاحتمال من جانب أحد الإعلاميين المحسوبين على النظام؟

إنها ذاتها الرسائل التي كانت ترسل عقب الانقلاب العسكري، بأن وزير الدفاع لن يترشح، وهو الأمر الذي انطلى حتى على المدافعين عن إجراءات 3 يوليو، بل وعن من ظنوا أنهم القادمون، ومن داخل بيت الموعود بالرئاسة حمدين صباحي، حيث كتبت كريمته: "ما أحلاكي يا مصر ورئيسك حمدين صباحي ووزير دفاعك عبد الفتاح السيسي"!

المؤكد أن السيسي لن يتنحى عن الرئاسة، أبداً، لأنه يدخل معركة حياة أو موت، وهو لا يغامر، وليس هناك ما يدفعه للتنحي، فما يهمه أن يكون رئيساً، ولو على أنقاض دولة كبشار الأسد، وكما يقول المثل الشعبي: "يا روح ما بعدك روح"! والحال كذلك، وما دام ليس في نيته التنحي، والدفع بمرشح آخر، فلماذا التبكير بالانتخابات الرئاسية، على غير ما جرى به العرف في الدولة المصرية؟!
لقد كان الجنرال يتحسس وقتئذ موضع قدميه، وهو الآن يريد للناس أن يستسلموا تماماً لفكرة أن التغيير سيكون من داخل السلطة، ليأخذهم "على مشمهم" كما فعل عندما ترشح لأول مرة، فهي رسائل كذلك كتلك التي كان يعلنها القيادي الإخواني المعروف، في مرحلة الحراك الجماهيري، بأنه تلقى اتصالات من داخل الجيش بأن انقلاباً وشيكاً سيحدث، الأمر نفسه الذي تم الترويج له عقب دعوة محمد علي الأولى؛ انتبه إلى أن هناك اتجاها كبيراً كان يقول إن رجل الأعمال يعمل لصالح أجهزة داخل مؤسسات الدولة، لتمهيد الأجواء لانقلاب على الانقلاب، فما أخبار هذه المؤسسات؟!

والمؤكد أن السيسي لن يتنحى عن الرئاسة، أبداً، لأنه يدخل معركة حياة أو موت، وهو لا يغامر، وليس هناك ما يدفعه للتنحي، فما يهمه أن يكون رئيساً، ولو على أنقاض دولة كبشار الأسد، وكما يقول المثل الشعبي: "يا روح ما بعدك روح"!

والحال كذلك، وما دام ليس في نيته التنحي، والدفع بمرشح آخر، فلماذا التبكير بالانتخابات الرئاسية، على غير ما جرى به العرف في الدولة المصرية؟!

يبدو، والعلم عند الله، أن هناك قرارات اقتصادية شديدة القسوة، يستدعي اتخاذها مبكراً، ولو أُجريت الانتخابات في أجوائها، فقد تتسع رقعة الغضب، وتمثل دعاية سلبية لمرحلته، والأوضاع الآن على قسوتها هي أفضل من القادم الأليم!

ربنا يستر.

twitter.com/selimazouz1