قضايا وآراء

السيسي ودلالات صلاة العيد الباطلة!!

هل سيقبل السيسي أن أحدا صحح خطأ، لشخص كلما تحدث رفع نفسه لمكانة عليا دينيا، واستشهد بالقرآن الكريم؟- (صفحة الرئاسة المصرية).
في مشهد من الممكن جدا أن يحدث عشرات المرات في مساجد المسلمين، في شتى بقاع الأرض، ومع أي حاكم، أو سياسي، وفي أي مناسبة دينية فيها صلاة جماعة، فقد سها الإمام الذي يصلي العيد بالسيسي ومسؤولين كبار في الدولة المصرية، وفي الركعة الثانية، نسي الإمام قراءة الفاتحة، وقرأ سورة النصر، ثم ركع، وانتهت الصلاة، وما بعد الصلاة، ولم ينبه أحد الإمام لهذا السهو.

في بداية الأمر عندما أثار البعض الموضوع على الفيسبوك، وقد وجه بعضهم إلي السؤال، حيث إن الأمر يتعلق بالصلاة، هل تصح الصلاة أم لا؟ ظننت أن الفيديو ربما يكون فيه تلاعب، أو قص، وهذا وارد في الفيديوهات المتعلقة بالسياسيين وغيرهم، وعدت مرات على الفيديو، لأجده صحيحا، فذهبت لمشاهدته على قنوات النظام المصري، قناة تن، وقناة إكسترا نيوز، وغيرهما من القنوات، إذن فالفيديو صحيح.

المشهد كما قدمت، ليس نهاية الدنيا، وليس نادر الحدوث، بل حدث في تاريخ الإسلام منذ بدايته وإلى قيام الساعة سيتكرر هذا المشهد، فقد سها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وسها الصحابة، وسها التابعون، والسهو أمر وارد ومتكرر في كل زمان ومكان، سواء صلى الإنسان منفردا أو إماما بالناس، ولذا فإنه شرع في التشريع الإسلامي باب بعنوان: سجود السهو، ومتى يسجد الإنسان، ومتى لا يسجد، ومتى تصح الركعة، ومتى تبطل؟

هل سيقبل السيسي أن أحدا صحح خطأ، لشخص كلما تحدث رفع نفسه لمكانة عليا دينيا، واستشهد بالقرآن الكريم في قوله تعالى: (ففهمناها سليمان)، ويكررها مبديا بوجهه علامة التفاخر، فهو أبو عريف الحكم والسياسة والدين، وهذا أمر كبير في المحظورات السياسية.
ولذا فإن التعليق على الموقف فقها وشريعة، لا يستغرق أكثر من سطور مختصرة، وهي: أن جمهور العلماء يرى الصلاة باطلة، لأن قراءة الفاتحة عندهم واجبة، وإذا نسيت، فعلى الإمام أن يأتي بركعة ويسجد للسهو، وعند أبي حنيفة الواجب هو القراءة للإمام، فلو قرأ آية من القرآن، فلا تبطل الركعة، لكنه يسجد للسهو والصلاة صحيحة، ولو أن الإمام والمأمومين اكتشفوا الخطأ بعد ذلك، ولا يمكن جمعهم فعليهم الإعادة للصلاة، لو مضى زمان، وعند الأحناف يسجدون للسهو، والصلاة صحيحة. هذا جل ما يتعلق بالموضوع دينيا.

لكن الأمر ليس مجرد صلاة عيد، بطلت أم لم تبطل عند الناس، بل الأمر له دلالات أخرى، إذ إن الإمام وارد جدا أن يسهو، لكن الغريب في هذه الصلاة، هو وجود ثلاثة أئمة خلفه، ثم الصف الذي فيه السيسي فيه شيخ الأزهر، ووزير الأوقاف، وفيه وزراء، وأزهريون في الصفوف الأخرى، ولم ينبه أحد منهم الإمام لهذا السهو، وجلهم يعلم التصرف الصحيح في مثل هذا الموقف، لكن الأمر الآن متعلق بحاكم تكتب الصحف والمواقع عن الهواجس الأمنية التي حوله، وعن القبضة الأمنية التي يحكم بها، فلو أن شخصا علا صوته بالتصحيح، ربما مثل ذلك قلقا أمنيا لدى الأجهزة الأمنية، ووقتها لا تفرق بين أن هذه الحركة هي أمر شرعي يتحرك بناء عليه، بل سيتصرف بناء على الفعل الأمني.

ثم هل سيقبل السيسي أن أحدا صحح خطأ، لشخص كلما تحدث رفع نفسه لمكانة عليا دينيا، واستشهد بالقرآن الكريم في قوله تعالى: (ففهمناها سليمان)، ويكررها مبديا بوجهه علامة التفاخر، فهو أبو عريف الحكم والسياسة والدين، وهذا أمر كبير في المحظورات السياسية.

ونحن في مناسبة ذكرى الانقلاب العاشرة، من المنطقي جدا أن نقارن بين موقف وموقف، موقف خطأ في الصلاة، سيؤدي إلى بطلانها على قول الجمهور، وموقف الرئيس محمد مرسي، عندما استشهد في كلام له عن العلم وأهميته، فقرأ قوله تعالى: (إنما يخشى اللهَ من عباده العلماء)، فقرأها: (إنما يخشى اللهُ من عباده العلماء)، وهي قراءة أخرى وتعمد قراءتها مرسي بذلك لمعنى علمي، وخرج وقتها الشيخ محمد جبريل يخطئ مرسي، رغم أن جبريل درسها في الأزهر، ودرسناها جميعا في تفسير الإمام النسفي، وهو كتاب مقرر على كل طلبة الأزهر، وهي قراءة موجودة منسوبة لعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وأبي حنيفة، ومقصود بها أن الله يخشى العلماء خشية إجلال.

ثم تتحدث وسائل التواصل، ويتحدث الناس، عن صلاة باطلة عند الجهور، ولم يستدرك أحد على الإمام، وبطلان الصلاة لا يجهله أحد، لأن مصر ليست ذات طبيعة مذهبية واحدة يدرك بها الناس الموقف سريعا، فقد حدث نفس الموقف من قبل في صلاة العيد في المغرب، وصوب أحد الناس للإمام فقرأ الفاتحة، لأن المغرب مذهبها الفقهي: مذهب الإمام مالك، والإمام يعلم أنه لو لم يستدرك لبطلت الركعة.

وبالمناسبة فإن مذهب مصر في العبادات المذهب المالكي أيضا في الغالب، حيث إن مصر لها طبيعة مذهبية مختلفة، فتتعبد على مذهب مالك، وأحوالها الشخصية على أبي حنيفة، وهناك محافظات الصعيد مالكية، ومحافظات وجه بحري أحناف، ومحافظات أخرى شافعية، ومع ذلك فإننا لم نر من المشايخ الذين لا تصح الصلاة على مذاهبهم أي تصحيح، أو تنبيه للإمام.

الأمر الآن متعلق بحاكم تكتب الصحف والمواقع عن الهواجس الأمنية التي حوله، وعن القبضة الأمنية التي يحكم بها، فلو أن شخصا علا صوته بالتصحيح، ربما مثل ذلك قلقا أمنيا لدى الأجهزة الأمنية، ووقتها لا تفرق بين أن هذه الحركة هي أمر شرعي يتحرك بناء عليه، بل سيتصرف بناء على الفعل الأمني.
ولم نر المؤسسة الدينية تخرج تتحدث عن هذه الصلاة، بل راحت المنصات على السوشيال من الشرق والغرب تتحدث عن صحة أو بطلان الصلاة، بينما صمتت دار الإفتاء، وصمتت أبواق السلطة الدينية، فلم نسمع لسعد الهلالي ولا خالد الجندي ولا علي جمعة أي تناول، أو تبرير لهذا الصمت المريب.

ولأن الصلاة جاءت في مناسبة إعلام السيسي فيها مشغول بالحديث عن 30 يونيو والانقلاب ومرور عشر سنوات، وهو ما ألمح إليه صديقنا الكاتب الصحفي الدكتور سليم عزوز، بأن القوم لم يكتب لهم التوفيق في شيء، فلم يوفقوا في مجال الحجر، ولا في مجال البشر، وحتى الصلاة التي يصلونها مرتين في العام، صلاة العيد، لم يكتب لهم أن تبيض وجوههم فيها.

صحيح أن الموقف يتعلق بصلاة عيد، وبخطأ يرد في كل زمان ومكان، وهو السهو في الصلاة، لكن دلالاته السياسية بدت واضحة للعيان، وبدت المقارنة بين رئيسين، بين مدني كان بين الناس، ويرده ويصوب له كل من هب ودب، وبين آخر عسكري، الهمس في وجوده جريمة، فضلا عن الحديث، أو التصويب، ولو لغيره، لأن الحدث في وجوده، فعلى الجميع الصمت، ولو برد سهو إمام في الصلاة!

Essamt74@hotmail.com