اقتصاد عربي

"حلاوة المولد".. موسم فرحة سنوي فقده المصريون لهذه الأسباب (شاهد)

أسعار حلوى المولد الشعبية تفاقمت بنسبة لا تقل عن من 50 بالمئة عن السنة الماضية- جيتي
وقفت "إيمان" ووالدتها، على باب محل بيع حلوى "المولد النبوي" الشريف في أحد الأسواق الشعبية بحي شبرا الخيمة بمحافظة القليوبية (شمال القاهرة)، والحيرة بادية على وجهيهما، تسألان التاجر عن سعر الكيلو من الحلوى الشعبية، ثم تعودان للتداول، حول قرار الشراء من عدمه.

ويحل الاحتفال بالمولد النبوي الشريف يوم "12 ربيع الأول 1445 هجرية"، الموافق 27 أيلول/ سبتمبر الجاري، والذي يمثل موسم الفرحة عند المصريين وارتبط لديهم بطقوس خاصة بينها شراء حلوى المولد التي تعود للعصر الفاطمي (969- 1171م)، حيث بدأت بعهد الخليفة المعز لدين الله.

إلا أن الأزمة الاقتصادية وارتفاع نسب التضخم كانت سببا في نقصان الفرحة السنوية ومثلت عائقا أمام ملايين الفقراء الذين يكتفون بالتفرج على المعروض من الحلويات، أو شراء كميات قليلة بعكس السنوات السابقة.



"فرحة الغلابة المنقوصة"

تقول الفتاة العشرينية، إيمان، في حديثها لـ"عربي21"، وهي ممسكة بكيس نقودها: "إنه موسم سنوي، ولا بد من شراء حلوى المولد مهما ارتفعت أسعارها، فبدونها لن تكتمل فرحة الغلابة".
وعن سبب ترددها في قرار الشراء هي ووالدتها، توضح أنها كل عام تشتري أسرتها ما لا يقل عن 15 كيلو من حلوى المولد النبوي، البعض لها، ولأبيها وأمها، ولأخواتها البنات الثلاث المتزوجات، ولجارة والدتها، مؤكدة أنها "لن تقدر على تنفيذ العادة السنوية".

وأكدت أنها "سوف تشتري 5 كيلوات فقط لا غير، واحد لكل أخت، والرابع لوالديها والأخير لها"، مبينة أن "الأسعار فاقت كل السنوات والحل تقليل الكمية".

"60 بالمئة"
وفي رصد "عربي21"، للأسعار وخلال حديثها مع بعض التجار والمستهلكين فإن أسعار حلوى المولد الشعبية المحسنة منها وغير المحسنة تفاقمت بنسبة 50 إلى 60 بالمئة.

ما أرجعه بعض التجار لارتفاع أسعار الخامات وبينها السكر، والسمسم المستورد من السودان التي تواجه حربا منذ 15 نيسان/ أبريل الماضي ما أثر على استيراد السمسم وتصنيع الطحينة والحلويات السمسمية، بحسب متحدثين لـ"عربي21".

ويشير هؤلاء كذلك إلى تفاقم أسعار المكسرات المستوردة من الخارج وخاصة أمريكا، في ظل أزمة شح الدولار، وتوفيره من السوق السوداء بسعر أكثر من الرسمي البالغ حوالي (31 جنيها)، وذلك مع فرض الحكومة المصرية قيودا على استيراد بعض السلع.

والعام الماضي جرى بيع كيلو الحلوى الشعبية بـ 50 و60 و70 جنيها، لكنه العام الجاري سجل 90 و100 للنوعيات الشعبية غير المحسنة، و120 و130 و140 جنيها للنوعيات المحسنة، حسب خامة وجودة المنتج وكمية المكسرات ونوعيتها التي قد تصل بسعر الكيلو إلى نحو 250 و300 جنيها.

"جشع التجار"
أزمة أخرى تواجه العاشقين لحلوى المولد النبوي، وهي جشع التجار وعدم توحيد الأسعار واختلافها من محل إلى آخر، وعرض بعضهم منتجات راكدة من العام الماضي، ما يزيد من الأضرار الصحية للحلوى التي قد تسبب مرض السكري وأمراض القلب والشرايين وارتفاع ضغط الدم.

ويؤكد بعض الأهالي أن نسبة من المعروض من الحلوى الشعبية مخزون من العام الماضي، ويبدو ذلك من طعمه ورائحته مع طول مدة التخزين، ومع ذلك يتم بيعه بسعر العام الجديد.

وتقول "أم علي": "اشتريت كيلو ونصف حلوى من أقرب سوبر ماركت، بسعر 120 جنيها وبتكلفة 180 جنيها، ومنعني التاجر من اختيار القطع التي أرغب فيها وفرض علي أخذ أنواع محددة، وعند عودتي للبيت، وجدنا لها رائحة غير طيبة وطعم متغير، وبالعودة للتاجر رفض إعادة البضاعة أو حتى الاستبدال".

وتضيف: "ورغم أنه موسم لا نستغني فيه عن حلوى المولد، إلا أن هناك التزامات أهم مثل مصروفات الكتب الدراسية والأدوات المدرسية والملخصات والملابس والدروس الخصوصية"، مشيرة لبدء العام الدراسي نهاية الشهر الجاري.

"ركود غير عادي"
على الجانب الآخر، رصدت "عربي21"، وبعد المرور على عدد كبير من المحال التجارية التي تعرض منتجات حلوى مولد النبي، حالة من الركود في البيع والشراء، وقلة عدد المشترين، ما يمثل خسارة كبيرة للتجار والمصنعين في موسمهم السنوي القصير لنحو شهر فقط.

أحد التجار يؤكد لـ"عربي21"، أن "الموسم يبدو على غير العادة، وحركة البيع قليلة، ونأمل أن تتحسن مع الأسبوع القادم، مشيرا إلى أن "الأسعار بالطبع اختلفت عن العام 2022، الذي اختلف عن 2021، فالغلاء متواصل من عام لآخر، ومع ذلك كان الناس يقبلون على الشراء".

تاجرة، ثانية، تقول لـ"عربي21": "وضعنا هامش ربح بسيطا، وقررنا بيع كيلو الحلوى الشعبية بـ90 جنيها، فيما يبيعها غيرنا بـ100 و120 وحتى 140 جنيها"، موضحة أن "حركة البيع أقل بكثير من السنوات الماضية، وقد تتحسن الأسبوع الأخير، ولكن لن يجذب الزبون سوى عروض الأسعار".

وبسؤالها عن تغيير بعض عادات شراء المصريين مع غلاء الأسعار، تحدثت عن "ضعف الإقبال على شراء عروسة المولد"، لافتة إلى أن "كل خاطب من المفترض أن يشتري عروسة المولد لخطيبته أو هدية توضع بها الحلوى"، مبينة أن "الكل يفكر في شراء الأولويات فقط".

"تضخم تاريخي"
وتعاني السوق المصرية من تفاقم معدلات التضخم، وتضاعف نسبها بالمقارنة بين العام الماضي والعام الجاري.

ففي 10 أيلول/ سبتمبر الجاري، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء (حكومي)، ارتفاع معدل التضخم السنوي إلى 39.7 بالمئة في آب/ أغسطس 2023، مقابل 15.3 بالمئة خلال نفس الشهر من 2022، فيما ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 71.9 بالمئة على أساس سنوي.

وقال رئيس شعبة الحلويات بغرفة الدقهلية التجارية، مدحت الفيومي، في تصريحات صحفية، إن أسعار حلوى المولد النبوي هذا العام شهدت ارتفاعا بحوالي 40 بالمئة مقارنة بأسعار العام الماضي.

وتحتاج مصانع تصنيع حلوى المولد النبوي إلى خامات من سلع استراتيجية تفاقمت أسعارها بنسب قياسية ما بين الموسم الماضي والموسم الحالي، مثل الدقيق والنشا، والزيت والسمن، والسكر والعسل، والمكسرات، التي وصلت ارتفاعات بعضها إلى نسب 100 بالمئة.

وسجلت أسعار السكر ارتفاعات تاريخية وصلت 150 بالمئة، ففي تموز/ يوليو الماضي، وصل سعر الطن 26.5 ألف جنيه، فيما سجل بنفس الفترة من العام الماضي 10 آلاف جنيه.

وفي نيسان/ أبريل الماضي، قال رئيس "شعبة التسالي والمقالي" بالغرفة التجارية بالقاهرة، طارق ياسين، إن أسعار اللب والسوداني والمكسرات ارتفعت بنحو 40 إلى 50 وحتى 80 بالمئة، على التوالي.
وارتفعت أسعار الزيت الحر بالسوق المصري، بنحو 70 بالمئة من بداية العام الماضي، وحتى نهايته، وذلك وفقا لشعبة المواد الغذائية بالغرف التجارية.

ووصل معدل التضخم السنوي في أسعار الطعام والمشروبات بمصر إلى 64.9 بالمئة في حزيران/ يونيو الماضي، ومجموعة الزيوت والدهون بنسبة 31.1 بالمئة، بحسب بيانات رسمية.

وإزاء هذا الوضع دشنت جمعية "مواطنون ضد الغلاء لحماية المستهلك"، عبر "فيسبوك"، "هشتاغ": "#بلاها_حلاوة_المولد_خلي_النمل_ياكلها"، داعية المصريين لمقاطعة شراء حلوى المولد.

رئيس الجمعية محمود العسقلانى، قال إن "أسعار الحلوى مبالغ فيها في ضوء معرفة التكلفة الحدية لهذا المنتج وهامش الربح المجزي، ما يستدعي مقاطعة فاعلة".



"حرب السودان.. والدولار"
وفي حديث "عربي21"، مع أحد تجار الجملة، يقول: "هذا العام السوق يمكن وصفه بالجيد، ولكن ارتفاع أسعار الخامات المستوردة هذا العام لنحو الضعف دفع المستهلك إلى تقليل الكمية التي يشتريها".

ولكن ومع ذلك الوضع، يشير، إلى أنه في المقابل فإن "جودة المنتجات أراها عالية هذا العام، حيث إن ما تم استيراده من خامات ومكسرات جاء بشكل جيد، وجميع الخامات جديدة وبجودة عالية".

ويوضح أنه "لو تحدثنا عن السوق فهناك هدوء نسبي عن السنوات السابقة لكنه نتيجة ارتفاع الأسعار، وهذا خارج عن إرادتنا، ونتيجة بعض الأحداث الدولية".

ويلفت إلى أنه على سبيل المثال فإن "الحرب بالسودان التي نستورد منها السمسم والحبوب، أثرت على نسب الاستيراد، ما زاد الأسعار، حتى إن كيلو الطحينة المستخرجة من السمسم، وصل إلى ضعف سعره العام الماضي، مرتفعا من 70 إلى 140 جنيها".

ويبين أن "أسعار العام الماضي كانت بين 50 و60 جنيها للحلوى الشعبية، لكن هذا العام وصل سعرها إلى 80 و90 وحتى 100 جنيه، أما الكيلو من الحلوى الفاخرة الذي كان يبدأ من 80 و90 العام الماضي يباع هذا العام بـ120 وحتى 140جنيها".

ويشير إلى أن "هناك نوع حلوى شعبيا محسنا وآخر شعبيا مصنوعا من السكر وبعض الحبوب فقط، وهناك حلوى بالمكسرات والبندق وعين الجمل، ولها أسعارها الخاصة، نظرا لاستيراد خاماتها".

ويؤكد أننا "نستورد أغلب الخامات، مثل جوز الهند من دولتي سريلانكا وفيتنام، والمكسرات من أمريكا، والفستق من حلب بسوريا"، ويلفت إلى أن "ندرة استيراد الخامات وتقليل حجم الاستيراد رفع سعر المنتج مع بعض الأحداث العالمية".

"حلوى الأغنياء"
وبعيدا عن استهلاك نحو 105 ملايين مصري يعيشون بالداخل منهم المسيحيون قبل المسلمين للحلوى الشعبية إلا أنه على الجانب الآخر من مصر الثرية تباع الحلوى بأسعار تزيد على الألفي جنيه.

ووفق رصد بعض المواقع الاقتصادية المحلية فإن محل "حلواني العبد"، الشهير بالقاهرة يبيع بعض أنواع حلوى مولد النبي بأسعار 300، و400، و540، و700، وحتى 1950 جنيها.

كما أن محل "تسيباس" الشهير بالعاصمة المصرية يبيع علب حلوى بـ270 جنيها، وعلبة فاخر صغيرة بـ999 جنيها، وعلبة فاخرة وسط بـ1395 جنيها، وعبوة فاخرة كبيرة بـ1999 جنيها.

محل "لابوار"، الشهير بالقاهرة أيضا، يبيع علبة المولد بـ275، و625، و875 جنيها، وعلبة جامبو بـ1200 جنيه، وباسكيت المولد بـ1850 جنيها، وصينية أرابيسك بـ2450 جنيها، وعلبة عروسة المولد بـ1500 جنيه.