ملفات وتقارير

نقص "التموين" في غزة.. تحديات تواجه بـ"التدبير"

زيادة الضغط على المحال والمتاجر في المناطق التي نزح إليها مئات آلاف المواطنين- عربي21
بعد أسبوع واحد على تصاعد عدوان الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة، بدأت معالم أزمة المواد التموينية تظهر بشكل واضح، وسط زيادة الضغط على المحال والمتاجر في المناطق التي نزح إليها مئات آلاف المواطنين، وتزامنا مع تشديد الحصار الذي يتضمن قطع الغذاء والماء والكهرباء والوقود. 

رصدت "عربي21" الأوضاع في عدد من المتاجر ومحال البقالة، مع توجهات المواطنين في تأمين حاجياتهم.
 

وقال مالك سوبر ماركت، محمد عطا الله: "إن المواد التموينية متوفرة بشكل محدود حتى الآن لدى التجار، وكذا لدى تجار الجملة، إلا أنه يتعذر توزيعها، كما أن الكميات الموجودة في المخازن التي يمكن الوصول إليها، قد لا تكفي لأكثر من يومين مقبلين حال توزيعها بالكامل". 

وأضاف عطا الله ذو 37 عاما، في حديثه لـ"عربي21": "إن هناك كميات كبيرة من المواد التموينية في أطراف قطاع غزة، سواء في المتاجر أو المخازن"، محذرا من "أن يشكل السكان النازحون في منتصف مدينة غزة بشكل كبير مخزونها الحالي". 


وأكد على أن ما يتوفر لديه من منتجات أساسية قد "يكفي لأربعة أيام على أقصى تقدير"، مضيفا أنه تواصل مع التجار، الذين أبلغوه بدورهم أن بإمكان أصحاب المتاجر القدوم إلى المخازن والشراء، إلا أنه لا يمكن توزيعها من قبل المندوبين كما هو المعتاد. 

أزمة سيولة 
يشير عطا الله أيضًا إلى إشكالية عدم توفر السيولة؛ بسبب لجوء العديد من الزبائن للشراء بالأجل على "دفتر الدين"، وهو ما يضع عبئا إضافيا على المتاجر المضطرة لشراء البضائع شحيحة التوفر أصلا بشكل نقدي. 

وأبرز أن برنامج الأغذية العالمي قدّم قسائم شرائية للنازحين يتم صرفها من متجره وعدد آخر من المتاجر، إلا أن ثمنها تم تحويله إلى الحساب المصرفي الخاص بـ"السوبر ماركت"، وبذلك هو فقد المنتجات الغذائية، ولم يتمكن من استغلال ثمنها لشراء مواد أخرى. 


وأوضح أنه يوفر أيضا 100 "ربطة خبز" يوميا بسبب عدم توفر مخابز قريبة في منطقته، مضيفا أن المخبز الذي يتعامل منه يواجه صعوبات لوجستية، وطلب منه المساعدة في توفير شاحنة من أجل نقل أكياس الطحين. 

شراء بالمخاطرة
لعل حال الشاب علاء الخطيب، وهو كذلك مالك "سوبر ماركت"، أفضل حالا من ناحية توفر البضائع، وهو الذي كان قد زود متجره بالبضائع قبل اندلاع الحرب بيوم واحد، مصرّحا بأن "هذه أكثر حرب نعاني فيها من توفير كميات المنتجات اللازمة". 


وتابع الخطيب، في حديثه لـ"عربي21": "من أول الأيام خاطرنا بأنفسنا وجلبنا بضائع إضافية، وهي الآن أوشكت على النفاد.. هناك أزمة في مياه الشرب، حيث يقول الموزعين إنها غير موجودة، وهناك شح في الأرز والسكر، وكل أصناف الأجبان والألبان الطازجة والحليب غير متوفرة الآن". 

وأضاف الشاب الذي يعمل في هذا المجال منذ تسع سنوات، أن الطلب ومعدل البيع زاد بستة أضعاف، إذ إن ما يتوفر لديه من بضائع يكفي لأسبوع واحد فقط، قائلا: "لذلك سوف أخاطر مرة أخرى، لشراء البضائع، وتفقد ما إذا كان يتوفر لدى التجار، نظرا لأنه في أول يوم كانت المخازن ممتلئة، وفي ثالث يوم بدأت تقل". 

وذكّر الخطيب أنه اضطر إلى تعليق 90 بالمئة من عمليات البيع بالأجل؛ بسبب مطالبة التجار بالدفع النقدي، وأنه قصّر ذلك على الزبائن الملتزمين شهريا بالسداد. 


ونظرا للظروف الاقتصادية الصعبة التي يمر بها قطاع غزة منذ سنوات، فإن غالبية المواطنين تضطر للشراء بالثمن الآجل (الدين)، بسبب تأخر صرف الرواتب للموظفين العموميين، التي تعتمد البلاد بشكل كبير على مدخولاتهم التي تؤثر بشكل كبير على الحركة الاقتصادية والقوة الشرائية. 

"مثل كل الناس" 
وفي أحد الأزقة الفرعية بمناطق وسط غزة، كانت هناك بقالة متواضعة بأرفف فارغة إلا من أصناف قليلة، ويقول مالكها لـ"عربي21" إن بضاعته نفذت بعد يومين من الحرب، وإنه كان يعتمد على أسواق الجملة مثل "سوق الزاوية" العريق. 


وذكّر مالك البقالة، الذي فضل عدم الكشف عن اسمه، والذي يعمل في هذا المجال منذ ثماني سنوات، وعمل سابقا في مجال الإعلام، أنه إذا لم يتمكن من توفير بضائع فإنه سوف يغلق متجره، إلى حين انتهاء الحرب. 

ماذا عن الزبائن؟ 
واجهت أسيل حنون (27 عاما) بداية الحرب بطريقة مضاعفة الصعوبة، بعدما اضطرت لعيش أيامها الأولى مع شقيقتها الصغرى فقط، بعيدا عن بقية عائلتها العالقة في مدينة دير البلح، وسط قطاع غزة، في أثناء زيارة لها. 

تقول حنون لـ"عربي21" إنها عملت بعد 24 ساعة من تصاعد العدوان على توزيع ما يتوفر في المنزل من لحوم ومجمدات ومواد غذائية سريعة التلف على الجيران، قبل أن تفسد بسبب الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي. 

وذكرت أنها بعد يومين ذهبت لشراء بعض الحاجيات للمنزل، إلا أنها كانت في حيرة حول الأصناف التي يتعين عليها شراؤها وكمياتها، لا سيما مع مجهولية مدة العدوان الحالي غير المسبوق، قائلة إنها عملت على تخزين بعض المياه، سواء "مياه البلدية أو المياه الصالحة للشرب"، خشية انقطاعها أيضا. 

ويعتمد سكان قطاع غزة على نوعين من المياه، الأولى التي تزودها البلديات وهي غير صالحة للشرب وتستخدم في دورات المياه وعمليات الغسيل والتنظيف، وتكون جميعا في خزانات عبر مضخات منزلية تعمل بالكهرباء. 

وعن مياه الشرب، يعمل سكان قطاع غزة على تجميعها في خزانات يتم تعبئتها أسبوعيا عبر سيارات تحمل خزانات كبيرة وتتبع لمحطات تحلية محلية، أو من خلال تركيب جهاز تنقية مياه "فلتر" داخل البيت، وهو يعتمد على الكهرباء في عمله. 

من جهته، قال المواطن محمد سمارة 42 سنة إنه لم يعمل على تخزين أي مواد تموينية، مشيرا إلى أن: "ما يتوفر في السوبر ماركت نشتري منه.. نحن متوكلون على الله". 

"من غداه لعشاه" 
أما ماجد عطا الله (63 عاما)، فقال إنه "لم يشتر بشكل واحد من الدكانة.. نقضيها يوم عدس يوم فول يوم فقاعية (طبق شعبي فلسطيني)، وهينا قاعدين دون شغل أو عمل". 

وعن الأيام المقبلة وكيفية مواجهتها، قال عطا الله: "ربنا لا ينسى أحدا.. يرزق النملة في الصخرة، ومن يحسب من غداه لعشاه يموت كافر". 

بينما أكد المواطن سامح بدير، الذي يعمل خياطا ويتقاضى أجره باليومية، أن الأوضاع صعبة جدا، ويدبّر أموره من خلال الشراء بالآجل، قائلا: "أشتري بالدين إلى حين أن يفرجها الله ونعود للعمل، وأسدد الدين المالي شوي شوي".