صحافة دولية

NI: ما الرابط بين أسلحة الدمار الشامل ‏العراقية واحتلال إسرائيل لمستشفى الشفاء؟

تحاول إسرائيل إقناع العالم أن المقاومة تستخدم المستشفى مركزا لعملياتها - جيتي
نشر موقع مجلة "ناشونال انترسيت" مقالا لبول بيلار بعنوان ‏‏"إسرائيل، مستشفى الشفاء وأسلحة الدمار الشامل العراقية" ‏علق فيه على ما نشرته صحيفة "نيويورك تايمز" من أن "ما ‏ستعثر عليه إسرائيل، أم لم تعثر عليه" في مستشفى الشفاء، ‏سيشكل مسار الحرب في غزة. ‏

وفي ظل "الاهتمام بهذا الموضوع الذي تلقاه الموضع، فما ‏سيخرج من تقارير عن الشفاء ستساعد على تشكيل المشاعر ‏والنقاشات الدولية حول ما ترتكبه إسرائيل في قطاع غزة، ‏ولكن في الأسئلة عن هذه الحرب التي تهم، بما فيها ماذا إذا ‏أكدت أم لم تؤكد على أمن الإسرائيليين، وماذا يبرر أو لا ‏يبرر الكارثة الإنسانية التي فرضتها إسرائيل على غزة، ‏وفيما إن كان ما وجدته أم لم تجده إسرائيل في المستشفى ‏مهما على الإطلاق".  ‏

ويعلق الكاتب أن الحكومة الإسرائيلية تركز كثيرا على حملة ‏العلاقات العامة التي تستجدي المشاعر. وركز الإسرائيليون ‏جهدا كبيرا على الموقع وليس مواجهة حماس، وبدلا من ‏البحث عن أي شيء يقدم للإعلام الدولي والعالم على أنه ‏دليل عن وجود حماس هناك، إلا أن العملية تتعرض لرقابة ‏صارمة.

وأخبرتنا صحيفة "نيويورك تايمز" كيف سمحت ‏إسرائيل لها في زيارة نادرة مع مجموعة من الصحافيين ‏التجول في محور الحرب، وشاهدوا حفرة في الأرض في ‏المستشفى لكنهم منعوا من الحديث مع طاقم المستشفى أو ‏التجول وحدهم في أجنحته.‏



‏ ورغم الرقابة المشددة، إلا أن أولوية إسرائيل هي لحملة ‏علاقاتها العامة التي ‏لم تسر بسلاسة حتى الآن.

وكان عليها أن تعيد تحرير الفيديو الذي قدمه الجيش ‏الإسرائيلي كدليل وتقديم نسخة ثانية، لأن النسخة الأصلية ‏هي ادعاء يسهل تزويره وأن الكمبيوتر المحمول المعروض ‏هو جزء من وثائق حماس التي تم الاستيلاء عليها وتوثيقها ‏لرهائنها و(الكمبيوتر هو في الحقيقة جهاز إسرائيلي). و"الدليل" الذي قدمته إسرائيل إلى جانب الحفرة بالأرض، ‏يشمل بشكل أساسي قطع بندقية عثر عليها في مخزن ‏قريب من غرفة التصوير بالرنين المغناطيسي وسترة واقية ‏من الرصاص ومصاحف وحبات تمر وقطعا أخرى.‏

‏ ولا يعطي أي شيء قدمته إسرائيل مظهرا عن "مركز ‏قيادة" لحماس في داخل المستشفى. ولا شيء يعطي صورة ‏عن استخدامه لأغراض عسكرية، بشكل يبرر استثناء لقاعدة ‏معروفة يمنع فيها القانون الدولي استهداف المنشآت الطبية. ‏واستخدام تلك القاعدة يقتضي إثبات أن حماس كانت تستخدم ‏تلك المنشأة لشن هجمات ضد القوات الإسرائيلية، مثل ‏إطلاق المقذوفات الصاروخية والمدفعية من داخل أرضية ‏المستشفى. ‏

ولا تزال إسرائيل تبحث داخل المستشفى لاكتشاف شيء ‏تقدمه على أنه "دليل" مقنع. وهذا البحث يعيد للأذهان ‏ذكريات البحث عن أسلحة الدمار الشامل في العراق بعد ‏الغزو الأمريكي في 2003، حيث قضت الولايات المتحدة ‏وقتا طويلا وجهدا كبيرا للبحث عن أسلحة الدمار الشامل ‏المفترضة. ‏

ومع مضي الوقت لم يعد البحث موضوعا لتوفير الأمن ‏للقوات الأمريكية أو أي شخص آخر أكثر من كونه العثور ‏على تبرير لما كان واحدا من أهم جدال قدمته إدارة بوش ‏لشن الحرب. ‏

وكان البحث انحرافا كبيرا عن أهداف الحرب الرئيسية، مع ‏أن الإدارة استخدمت أسلحة الدمار الشامل، كورقة تسويق ‏كي تحصل على دعم للحرب، ولم تكن الدافع الرئيسي لشنها. ‏وكما اعترف نائب وزير الدفاع بول وولفوفيتز، أحد ‏المتحمسين الكبار للحرب والمسوقين لاستخدام القوة ‏العسكرية واستمرار البحث عن الأسلحة المفترضة حتى في ‏ظل تخمر المقاومة العراقية، في لحظة من الصراحة البالغة ‏أن زعم الأسلحة المفترضة كان من أجل الأسباب ‏البيروقراطية، و"موضوعا يمكن أن يتفق عليه الجميع" ‏كأساس لشن الحرب.‏



‏ وكان سبب الحرب كامنا في مكان آخر وبطموح ‏المحافظين الجدد في تغيير النظام من أجل نشر الديمقراطية ‏والسوق الحرة في الشرق الأوسط. ‏

‏ وسواء تم العثور على أسلحة الدمار الشامل أو لم يعثر عليها، فهو ‏لم يكن مهما للأسباب التي أدت لشن  حرب مكلفة وكارثية. ‏فقد كانت حرب اختيار كلفت الجيش الأمريكي 4.400 جندي ‏وجرحت 32.000 آخرين، وكلفت دافع الضريبة الأمريكي ‏تريلوني دولار وفاقمت من النزاع الطائفي بالشرق الأوسط ‏وأدت لظهور الجماعات الإرهابية وتركت العراق غير ‏مستقر وأضرت بمصداقية الولايات المتحدة وقيدت قدراتها ‏على محاسبة معتدين مثل فلاديمير بوتين.‏

وكان هذا الثمن سيدفع، سواء عثر على أسلحة الدمار الشامل ‏المزعومة أم لم يعثر. وفي الآن نفسه، كانت برامج أسلحة ‏الدمار الشامل العراقية محلا للقلق، حتى لو تم العثور على ‏أدلة عنها، فإن هذا لن يشكل أساسا وتبريرا لشن اعتداء. ‏فالإعلان عن الحرب هو تجاهل للبدائل الدبلوماسية الأخرى ‏من أجل التعامل مع دول لديها أسلحة تثير القلق، وهو خيار ‏تم استخدامه في التعامل مع  برامج إيران النووية. ‏

وكما في العراق، فأهداف الحرب المعلنة ليست الدافع للدمار الذي تقوم به إسرائيل على غزة. ‏فكلام وأفعال القادة الإسرائيليين لا علاقة لها بالقريب أو ‏البعيد بما تقوم به حماس أو إن كانت تقوم بعمله. فالغضب ‏الشديد والتعطش للانتقام بسبب هجمات 7 تشرين ‏الأول/أكتوبر هو جزء كبير من الدافع للهجوم الإسرائيلي، وهو ‏غضب مفهوم لكن نتيجة السياسة، وبخاصة أن إسرائيل ‏ليست لديها فكرة حول حكم القطاع بعد الغزو، أصبحت ‏مفصولة عن المنطق.‏

‏ ففي ضوء الهجوم الذي لا يميز، فقد أصبحت السياسة ‏منفصمة عن أي شيء يشبه استهداف حماس. ويرتبط ‏بالغضب هي الكراهية للعرب والفلسطينيين، وهذا التعصب، ‏تغلغل في الكثير من مواقف الإسرائيليين ولوقت طويل، لكن ‏في الوضع الحالي، فقد انطلق وبقوة كبيرة وتحول لخطاب ‏تحريضي من قادة إسرائيل.  ‏



فالغزيون، هدف الضربات الجوية هم "حيوانات بشرية" ‏حسب وزير الدفاع، يواف غالانت أو "نازيون" حسب كلام ‏رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، وانتشرت على منصات ‏التواصل الاجتماعي في إسرائيل دعوات "مسح" و"تدمير" ‏غزة ومن فيها. ويرتبط بالعاملين السابقين ولكنه ينطبق ‏بطريقة عملية لفكرة العقاب الجماعي، وهي معاقبة كل سكان ‏غزة لما فعلته حماس. وهذه الفكرة هي في أساس حصار ‏غزة، الذي فرضته إسرائيل على مدى السنوات الماضية. ‏ولكنه أصبح في ظل الوضع الحالي أكثر شدة وعبرت عنه ‏إسرائيل بمنطق واضح.‏

‏ وقال الرئيس الإسرائيلي اسحق هيرتزوغ "لا يوجد أبرياء ‏في غزة" والأمة الفلسطينية "مسؤولة" عما فعلته حماس في ‏‏7 تشرين الأول/أكتوبر. وفي ضوء هذا الموقف فإن معاناة ‏أهل غزة أصبحت مقصودة وليست بالضرورة عرضا جانبيا. ‏ويثير الموقف أسئلة حول معاني وحدود أهداف "تدمير ‏حماس". ‏

ومثلما حرف البحث عن أسلحة الدمار الشامل المزعومة في ‏العراق عن التطورات المهمة في العراق مثل ازدهار ‏المقاومة، فإن تفتيش مستشفى الشفاء هو حرف للأنظار، ‏وتذكر الانفجار في الشهر الماضي في مستشفى آخر بغزة ‏وكيف حملت إسرائيل بدعم أمريكي المسؤولية حركة الجهاد ‏الإسلامي أو حماس ورفضت القبول بإمكانية أنها هي التي ‏هاجمت المستشفى.‏

‏ وبدا هذا الآن وكأنه تقليد غريب حيث أدى الهجوم على ‏الشفاء للسيطرة عليه ووقف كل خدماته الطبية. وبملامح ‏أخرى، فالوضع الحالي يقاس على حرب العراق. فالداعون ‏للحرب لم يكن لديهم أي شعور بالاهتمام بالعراقيين الذين ‏يريدون جلب الديمقراطية إليهم.‏

‏ وبالمقارنة فالديمقراطية ليست ما تريد إسرائيل وعبر كل ‏حكوماتها جلبه للفلسطينيين سواء تحت دولة واحدة أو ‏دولتين. فالحرمان من الديمقراطية هو طريقة للإخضاع، ‏وتضيف الأزمة الحالية عنصري الاقتلاع والتشريد. ‏

وهناك تواز مهم مع حرب العراق، وهي أن الحرب لم ‏تسبقها عمليات نقاش للسياسة في إدارة بوش لمعالجة إن ‏كانت الحرب هي الفكرة الأفضل بدلا من اللجوء إلى ‏الوسائل الدبلوماسية لمظاهر القلق من أسلحة الدمار ‏المزعومة.